سوريا - لبنان - فلسطين

في القدس والأقصى الصلاةُ مقاومةٌ والرباطُ صمودٌ والعربيةُ هويةٌ


د. مصطفى يوسف اللداوي ||

 

يدرك الفلسطينيون أن الحرب اليهودية على القدس والمسجد الأقصى حربٌ مفتوحةٌ، وهي حربٌ ضروسٌ طاحنةٌ، مستمرةٌ أبداً، ومستعرةٌ دوماً، لا تخبو نارها ولا ينطفئ جمرها، ولا تتوقف فصولها ولا تنتهي أشكالها، ولا يتورع العدو الإسرائيلي خلالها أن يستخدم كل أسلحته القاتلة وأدواته القذرة، ولا يمتنع أبداً عن اللجوء إلى وسائله الخبيثة وأساليبه الخشنة للوصول إلى أهدافه المرسومة وغاياته القديمة المعلومة، فهو يريد السيطرة على القدس وما حولها كما فلسطين كلها، ولا يريد أن يرى فيها أهلها ولا أن يعيش فيها أبناؤها، ويعمل على هدم مسجدها وتدمير أقصاها وطمس هويتها واستبدال صورتها، ليبني مكانها هيكله المزعوم وكنيسة الخراب المشؤومة.

ينبري الفلسطينيون جميعاً بقوةٍ وحماسةٍ، وجرأةٍ وشجاعةٍ، وصدقٍ وإخلاصٍ، للقيام بواجبهم ولا يترددون، ويتصدون للعدوان الإسرائيلي أياً كان شكله وحجمه، ويشتركون جميعاً في محاولات صد المستوطنين ومنعهم،  وثني حكومتهم ومسؤوليهم عن قراراتهم التعسفية، أفراداً وعائلات، مسلمين ومسيحيين، مقيمين وزائرين، ومقدسيين وغيرهم، ليقينهم أن هذه الأرض كلها والقدس ومقدساتها هي للفلسطينيين، وهي ملكٌ لهم ولأجيالهم التي سبقت وتلك الآتية إلى يوم القيامة، وهي تستحق التضحية والفداء، وتستأهل المقاومة والنضال، وتهون من أجلها المهج والأرواح.

وأمام الهجمات الصهيونية المسعورة، ومحاولات الاقتحام اليهودية المتكررة، وجرائم الانتهاك العنصرية المقصودة، يلجأ الفلسطينيون جميعاً إلى مختلف الوسائل الممكنة للدفاع عن مدينتهم المقدسة ومسجدهم الأقصى المبارك، ولا يدخرون وسيلةً تغيظ العدو وتزعجه، وتعطل مشاريعه وتربكه، وتفشل مخططاته وتحبطه، إلا ويلجأون إليها ويركزون عليها، ولا يقصرون على وجه العموم والمقدسيون منهم على وجه الخصوص في الدفاع عن حقوقهم وحرماتهم، بل يتداعون من كل المشارب والفئات العمرية والجنسية، ومن كل المناطق الفلسطينية التي يستطيعون الخروج منها والدخول إلى القدس.

الصلاة فرض وهي عبادةٌ، والرباط شكلٌ من أشكال الاعتكاف وهو مندوبٌ، ولكنها في القدس والمسجد الأقصى ظاهرةٌ مختلفة، فهي جهادٌ ومقاومةٌ، وصمودٌ ومواجهةٌ، وقد حض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعا أمته إلى شد الرحال إليها والصلاة في مسجدها، وعَدَّ الصلاة فيه بخمسمائة صلاةٍ في غيره أجراً ومثوبةً ومنزلةً وفضلاً، وجعل خير المرابطين من أمته فيها، ووصفهم بأنهم على الحق ظاهرين، وعلى موقفهم ثابتين، ولا يظهرهم ما يصيبهم من اللأواء في سبيلها، وبشرهم بالتمكين والنصر وأعداءهم بالهزيمة والدحر.

علم الفلسطينيون أثر الصلاة في المسجد الأقصى على العدو الإسرائيلي فحرصوا على أدائها فيه رغم الصعوبات والعقبات، فشد مئات الالاف من الرجال والنساء والصبيان الرحال إليه للصلاة فيه في أيام الجمعة، وهو ما اعتادوا عليه سنين طويلة، لكن ما أغاظ العدو أكثر وأشعره بالضعة والمهانة والضعف أمام الفلسطينيين، هي صلاة الفجر العظيم، التي اعتاد أداءها آلاف الفلسطينيين ممن يستطيعون الوصول إلى القدس والدخول إلى المسجد الأقصى.

شكل الفلسطينيون في أيام الفجر العظيم تظاهراتٍ ضخمةً ومسيراتٍ حاشدة، تغذُ الخطا بهمةٍ وعزيمةٍ، وأملٍ ويقينٍ، إلى المسجد الأقصى المبارك، يؤمهم العلماء والشيوخ، والنخب العلمية ورجال الدين، وعامة الفلسطينيين وخاصتهم، وحذا حذوهم ملايين المسلمين في كل مكانٍ، يقلدونهم ويحتذون بهم، تأييداً لهم ومساندة، وتضامناً معهم ودعماً لهم، الأمر الذي أغاظ الإسرائيليين أكثر، وأكد لهم أن القدس خطٌ أحمر، وأن الأقصى فتيل انفجار وبركان لهب، وأن الاقتراب منه سيفجر حرباً شاملةً ومواجهةً داميةً قد لا يقوى عليها، وسيصعب عليه السيطرة عليها أو الانتصار فيها.

وكما كانت الصلاة سلاحاً ومقاومة، فقد كان الرباط في المسجد الأقصى والثبات في القدس، والصمود في مواجهة الطغيان الإسرائيلي، وإثبات الطابع العربي للمدينة المقدسة وإبراز هويتها العربية الحضارية، مقاومةً أخرى، حرص الفلسطينيون على إظهارها والقتال بها والإصرار عليها، فذاك سلاحٌ جديدٌ لا تهدده الآلة العسكرية الإسرائيلية، ولا توقفه العربدات اليهودية، ولا يحد منها أو يمنعها، أو يفت فيها ويضعفها، صلفُ العدو وطغيانه، وجرائمُ القتل المتعمدة والإعدامات الميدانية ومئاتُ حالاتِ الاعتقال اليومية.

يدرك الفلسطينيون أن القدس يحفظها أهلها، ويبقي على هويتها سكانها، ويثبت وجودهم فيها أبناؤها، فتراهم رغم الصعوبات والعقبات، والتحديات والاستفزازات، والسياسات والقرارات، يتمسكون ببقائهم فيها، ويحافظون على وجودهم في بلداتها، ويدفعون جنى عمرهم وحصاد سنواتهم ضرائب لبلدية القدس لتسمح لهم بالبناء والترميم، والحصول على الخدمات والاستفادة من التسهيلات التي يتمتع بها المستوطنون اليهود ويحرم منها المواطنون الفلسطينيون، وهم السكان الأصليون والمُلَّاك الحقيقيون.

ويعرفون أن العدو الصهيوني يريد اقتلاعهم من أرضهم، ونفيهم من بلادهم، وطردهم خاصةً من القدس ومن فلسطين كلها عامةً، وحرمانهم من حقهم في الحياة فيها، والصلاة في مسجدها، إنه يريد الخلاص منهم كلهم وإلى الأبد، طرداً وإخراجاً أو قتلاً وموتاً لا فرق، المهم أن تخلو البلاد منهم، ولا يكونون في فلسطين معهم أو شركاء لهم، فهم يؤمنون أن هذه الأرض لا تتسع لشعبين، ولا تجوز لديانتين، والفلسطينيون يؤمنون أن اليهود يحلمون ويتمنون، ويبنون أحلامهم على أساطير وخرافات، وأماني وخيالات، ولكن شيئاً من أحلامهم لن يتحقق، وإن بدا لهم أنهم يملكون ويسيطرون، ويعلون ويقوون، ولكنه علو السقوط وقوة الانتحار إن شاء الله. 

 

بيروت في 2/6/2023

moustafa.leddawi@gmail.com

 

ـــــــــــــــــــ         

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك