سوريا - لبنان - فلسطين

ليلة عيد الميلاد المجيدة في فلسطين حزينةٌ جريحةٌ


د. مصطفى يوسف اللداوي ||

 

إنها ليلة عيد الميلاد المجيدة، وإنها مدينة بيت لحم العتيدة، مهد السيد المسيح عيسى عليه السلام، المدينة التي ولد فيها رسول المحبة السلام، وإنها شجرة الميلاد الضخمة التي تنتصب على مداخلها، ومصابيح الزينة التي تضفي على المكان سيما الفرح وعلامات الاحتفال، والفرق الفنية والكشفية قد وفدت إلى المدينة وقريباً من الكنيسة لإحياء هذه الليلة العظيمة، والمشاركة في إحياء طقوسها السنوية، وإنهم قساوسةٌ ورهبانٌ وبطاركةٌ قد تهيأوا لهذه الليلة، وأعدوا لها عدتها، وإن كان القلق يسكنهم والخوف يسيطر عليهم، فالعدو يترقبهم ويتربص بهم ويضيق عليهم، ولا يريد لهم أن يحيوا طقوس هذه الليلة العظيمة.

جموعٌ غير غفيرةٍ جاءت من أكثر من مكانٍ في فلسطين، أعدادها قليلة، وفئاتها واحدة أو متشابهة، والمناطق التي جاؤوا منها محدودة، وأعدادٌ أقل من السياح والحجاج غير الفلسطينيين، جاؤوا إلى المدينة على استحياء ودخلوها بليلٍ بخوفٍ وقلقٍ كبيرٍ، فخلت لقلة عدد الحجاج والسياح والزوار والمسيحيين الفلسطينيين ساحة المدينة، التي اعتادت أن تحيي هذه الليلة كل عامٍ، إذ نصبت سلطات الاحتلال الإسرائيلي الحواجز على مداخل المدينة وبالقرب من ساحتها، وكأنها تتعمد إفشال الاحتفال، ولا تريد أن يشارك فيه جموعٌ شعبية أو أجنبية حاشدة، وكأنها تحارب المسيحيين في أعظم مناسباتهم، وتضيق عليهم في أقدس أيامهم، وتعتدي عليهم في أعظم الليالي عندهم.

يدرك المسيحيون الفلسطينيون أن فلسطين في خطر، وأن القدس تتعرض للمؤامرة، وهم يخشون الحكومة اليمينية الجديدة، التي تستهدف الفلسطينيين جميعاً، المسلمين والمسيحيين بلا استثناء، وهم سكان الأرض وأصحاب الحق، فآثر القائمون على احتفالات ليلة الميلاد المجيدة أن تقتصر احتفالاتهم لهذا العام، كما أغلب الأعوام الماضية، على الطقوس الرسمية، والاكتفاء بصلاة منتصف الليل، وإلغاء كافة مظاهر الاحتفال العامة، تضامناً مع شعبهم الذي يستهدفه العدو بلا رحمة، ويعتدي عليه بقسوةٍ وهمجيةٍ.

لن يغفر السيد المسيح عيسى بن  مريم عليه السلام، ولا المسيحيون الصادقون وأتباعه المخلصون، في ليلة عيد الميلاد المجيدة وفي هذه الأيام المباركة، صمت العالم المسيحي على الجرائم الصهيونية، فهم يقترفون بصمتهم وتخاذلهم بحق المسلمين والمسيحيين معاً ذنباً يصعب غفرانه، ولا يمكن التطهر منه بالاعتراف فقط، ولا يقبل كهنة كنيسة المهد أن يتستروا على جريمة الدول المسيحية، أو أن يسكتوا على معصيتهم، فالسيد المسيح عليه السلام، وأتباعه المسيحيون الذين آمنوا به واتبعوه، وصدقوه وناصروه، لا يقبل أن يكون أتباعه ظلاماً من بعده، ومفسدين في الأرض وهم يحملون اسمه، بل يدعوهم إلى حمل رسالة السلام التي جاء بها، وإقرار العدل الذي نادى به.

اليوم فلسطين تتوشح السواد، ويلفها الحزنُ، ويسكنها الألم، وينساب منها الوجع، وتنعب بالدماء جراحها، ويسقط على الأرض شهداؤها، ويتنادى للدفاع عن قدسها شبابها وشيبها ونساؤها، وتنتابها موجات من الغضب، ومسيراتٌ صاخبةٌ، ومظاهراتٌ حاشدةٌ، واشتباكاتٌ دائمة، وحالةُ ثورةٍ كامنة، والمسيحيون في فلسطين جزءٌ من هذا الوطن وبعض نسيجه، كنيستهم مستهدفة، ومهد رسولهم مستباحٌ، وأوقافهم تصادر وحقوقهم تغتصب، وأبناؤهم يقتلون ويطردون، ويضطهدون ويعذبون، ويحرمون ويعاقبون، شأنهم شأن إخوانهم المسلمين، الذين يشتركون معهم في الهوية والوطن، ويسكنون وإياهم الأرض والديار.

الإسرائيليون يهينون المسيحيين جميعاً لا الفلسطينيين وحدهم، ويسيؤون إليهم في كل مكانٍ، يقتلونهم ويعتدون على مقدساتهم، ويضيقون عليهم في أعظم مناسباتهم، ويحرمونهم من أبسط حقوقهم، لهذا فإن مسيحيي فلسطين والدول العربية يحملون مسيحيي أوروبا وأمريكا وغيرهم من المؤمنين بالسيد المسيح عليه السلام، المنتشرين في كافة أصقاع العالم وينتسبون إليه، ممن يملكون القوة ويسيطرون على القرار الدولي، المسؤولية عن احتلال مدينة مهد رسولهم، التي يدنسها العدو الإسرائيلي بجنوده، ويجوس فيها مستوطنوه خراباً وفساداً، ويطالبون إخوانهم المسيحيين الأقوياء أن ينتصروا لهم، وأن يقفوا إلى جانبهم، وأن يدافعوا عن حقوقهم، ويحموا أبناءهم ومقدساتهم، وألا يتركوهم فريسةً سهلة بأيدي سلطات الاحتلال التي تنكل بهم ولا ترحمهم، ولا تفرق في عدائها لهم بين مسلمين أو مسيحيين ما داموا جميعاً يداً فلسطينية واحدة.

حزينةٌ هي فلسطين هذا العام كما كل الأعوام التي سبقت والسنين التي مضت، إلا أنه سيأتي اليوم الذي تفرح فيه بأعياد الميلاد المجيدة، وتحتفل فيها وتزدان، وتحتفي بها وتختال، وتتزين شوارعها استقبالاً لها، وتبتهج ميادينها سعادةً بها، وتكون أعياد الميلاد فيها أعياداً عامةً وأياماً وطنيةً، يفرح فيها الجميع في ظلال الحرية والاستقلال، وتتحد فيها الكنيسة والمسجد معاً على شعارٍ واحد، يتردد صداه في القدس وبيت ولحم، وفي الخليل والناصرة، وفي المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، القدس عربية عاصمة فلسطين الأبدية.

 

بيروت في 28/12/2022

moustafa.leddawi@gmail.com

 

 

ــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك