الدكتور فاضل حسن شريف
عن کتاب البيع للسيد مصطفى الخميني: حول مقتضى عمومات الكتاب والسنة الدالة على أصالة اللزوم وقد مضى البحث حولها في المسألة السابقة، وربما يشكل التمسك بها هنا، لاجل أنها ليست قابلة لردع ما عليه بناء العقلاء من الجواز، كا لوكالة، والعارية، ونحوهما، ولذلك لم يرتدعوا بها فيها، وذلك لان المغروسات العرفية أقوى منها، فلا ينصرفون عنها إلا بما هو الاقوى منها، وعلى هذا لا تكون مرجعا في مواضع الشبهة، لا نها تكون إرشادا إلى ما عليه العرف، وإذا شك في لزوم عقد وجوازه - بحسب الفهم العرفي فهو لا يزول بها. وبعبارة اخرى: لابد من إحراز اللزوم العقلائي حتى يثبت شرعا، فتلك العمومات قاصرة عن المرجعية في الشبهات الحكمية. بل يمكن دعوى استحالة كونها مشرعة، للزوم الجمع بين التأسيس والامضاء ولو فرضنا إمكانه، كما مضى تقريبه (1)، ولكنه خلاف المتفاهم العرفي. ودعوى استكشاف اللزوم العقلائي بالعموم، واستكشاف حال الموضوع بالحكم، وإن كانت ممكنة، إلا أنها خروج عن المتعارف في أبواب الاستعمالات والمحاورات القانونية. إن قلت: ما ذكرتم يرجع إلى إنكار صحة التمسك بالعمومات المخصصة، وهو بديهي البطلان. قلت: كلا، فإن عدم العمل بالعمومات بعد التخصيص، غير ترك العمل بها لاجل قصورها عما هو الظاهر منها، فإنه في الفرض الثاني لا يجوز التمسك، خصوصا بعد مساعدة العرف، لكونها إرشادا محضا. ولو كان الخروج عن مقتضاها مرهونا بورود المخصص، لكان يلزم القول بلزوم عقد الشركة، لعدم الدليل على جوازه إلا الشهرة القاصرة. إن قلت: العمومات مختلفة في إفادة المقصود، وهو لزوم العقود إلا ما خرج بدليل، فإن مثل قوله تعالى: "أوفوا بالعقود" (المائدة 1)، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: المؤمنون عند شروطهم يورث ذلك على المطابقة أو الملازمة، بخلاف قوله تعالى: "إلا أن تكون تجارة عن تراض" (النساء 29) وقوله عليه السلام: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة نفس منه. فإنه لا يدل على اللزوم. نعم، يفيد نتيجة اللزوم، ولذلك قلنا: بأن اللزوم المحصول من بعض أدلته، ليس محكوما بأحكامه المخصوصة، مثلا اللزوم العقلائي الممضى، ليس مما يكون الشرط المخالف له خلاف الكتاب والسنة، بخلاف اللزوم المحصول من الشرع تعبدا. قلت: نعم، وعليه لابد من صرف عنان الكلام حول هذه الايات والروايات حتى يتبين الحق، ولا بأس باستطراد البحث عن غيرها، لما فيه من النفع الكثير كما ترى. الايات المستدل بها على أصالة اللزوم الاية الاولى: آية التجارة أي قوله تعالى: "لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم" (النساء 29). وقد مر شطر من الكلام حولها في المسألة السابقة، وعلى ما تقرر عندي إن الاستثناء منقطع، وعلى التقديرين يستفاد منها الحصر، لان حكم المستثنى خلاف حكم المستثنى منه حتى في المنقطع، إلا إذا كان الاستثناء كناية عن تأكيد العموم في المستثنى منه، فيكون مجوز أكل بعضهم من مال الاخر، منحصرا في تلك التجارة.
جاء في کتاب ثلاث رسائل فقهية للسيد مصطفى الخميني عن ولاية الفقيه: أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الواجبات الفردية كالصلاة والصوم، ولكنها كفائية كصلاة الميت. ولكن الذي ينعقد لي قوته: أنها من الواجبات السياسية ويكون وظيفة الحكومة أولا، ولا بد من تشكيل الوزراء للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما هو الآن موجود في بعض البلاد المنتسبة إلى الاسلام. وهذا هو وظيفة الربانيين والأحبار، ولا معنى لذلك إلا بعد ذاك، لعدم إمكان التصدي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالنسبة إلى الجائرين والسلاطين الكفار والفساق، إلا مع وجود المعدات والمناسبات التي لا تنجر إلى الأضحوكة والاستهزاء، فإن الداني لا يتمكن من أمر العالي، ولا يكون ذلك عند الأعلام أمرا، بل النهي والأمر لا يتحققان إلا مع السيطرة والحكومة والاستعلاء أو العلو، كما قيل وقلنا في محله. بل في قوله تعالى: "وقولهم الإثم" (المائدة 63) نوع شهادة على أن طرف النهي، لا يكون في الآية الأشخاص المتعارفين، وهكذا يشهد لذلك بعض الآيات الأخر المتقدمة عليها، فراجع وتأمل. ومنها: قوله تعالى في سورة النساء: "ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا" (النساء 60). فانظر إلى الآيات السابقة على هذه الآية: "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا * يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا" (النساء 58-59). فإذا أحطت خبرا بما مضى في ذيل الآية الأولى من عموم الحكم بالنسبة إلي أولي الأمر، تكون هذه الآيات ظاهرة في أن المنازعة والتحاكم إلى الطاغوت يكون في الجهات المختلفة المتصدي لها الولاة والقضاة، ولا يختص بالثانية حتى يكون أولو الأمر مرجعا للقضاء، دون سائر الأمور المتنازع فيها. وتوهم: أن ولاية أولي الأمر غير معلومة، لعدم تكراره في ذيل الآية الثانية، غير مفيد بعد النص، بل الآية الأولى مخصوصة بالحكام بين الناس، وقضية عمومه عدم اختصاصها بعصر دون عصر، فيكون وظيفة كل حاكم الحكم بالعدل، فمنه يعلم نفوذ حكمه إذا كان بالعدل، والقدر المتيقن من بين النافذين هم الفقهاء العدول. وغير خفي: أنه يمكن الشبهة في دلالة كل واحدة من الآيات، إلا أنها لمكان احتفافها بتلك القرينة الخارجية اللبية يتم بها المطلوب. المآثير المستدل بها على المسألة والدالة على أن العلماء ورثة الأنبياء: الكافي في باب صفة العلم وفضله: محمد بن يحيى، عن أحمد ابن محمد بن عيسى، عن محمد بن خالد، عن أبي البختري، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: إن العلماء ورثة الأنبياء، وذلك أن الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا، وإنما أورثوا أحاديث من أحاديثهم، فمن أخذ بشئ منها فقد أخذ حظا وافرا الحديث. وعلى أنهم الأمناء: ففي الباب المزبور عن محمد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر، عنه عليه السلام، قال: العلماء أمناء، والأتقياء حصون، والأوصياء سادة. وعلى أنهم المنار: كما في الباب المزبور في رواية أخرى: العلماء منار بالسند السابق ظاهرا. وعلى أنهم أمناء الرسل: فيه عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عنه عليه السلام، قال: قال رسول صلى الله عليه وآله وسلم: الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا. قيل: يا رسول الله وما دخولهم في الدنيا؟ قال: اتباع السلطان، فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم. وعلى أن الرئاسة لا تصلح إلا للعلماء الصالحين: في الكافي الباب المذكور عن محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حماد بن عيسى، عن حريز عن ربعي بن عبد الله، عمن حدثه، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: من طلب العلم ليباهي به العلماء، أو يماري به السفهاء، أو يصرف به وجوه الناس، فليتبوأ مقعده من النار، إن الرئاسة لا تصلح إلا لأهلها.
وعن کتاب تفسير القرآن الكريم للسيد مصطفى الخميني: أن بسملة الحمد متعلقة بقوله: "الحمد لله رب العالمين" (الفاتحة 2)، وبيان ذلك يأتي في تفسير قوله تعالى: "الحمد لله رب العالمين" (الفاتحة 2) ومسلكهم هذا أيضا قريب من أفق علم النحو والإعراب، فكأنه يقول: حمدت أو أحمد الله تعالى حمدا يليق به باستعانة اسم الله الرحمن الرحيم، فما يتعلق به هو الفعل المتخذ من الحمد المصدري أو الاسم المصدري، أو متعلق بنفس المصدر. فالأولى كون الباء للاستعانة، فإن الحامد في توجيه حمده إلى الله تعالى، يطلب الاستعانة بمعناها الحرفي من اسم الله الرحمن الرحيم، كما يطلب الاستعانة بمعناها الاسمي، عند قوله: "إياك نعبد وإياك نستعين" (الفاتحة 5). أو للتعليل لمفاد الجملة الثانية، أي إن علة انحصار المحامد برب العالمين - وإن كل محمدة ترجع إلى تلك الهوية المطلقة "ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك" (النساء 79).
جاء في كتاب بصر الهدى للسيد مصطفى الخميني: آثار اليقين: فإذا كان الإنسان المؤمن من الموقنين، فلا يخاف إلا من ربّ العالمين، ولا يفعل ولا يصنع إلا لله ربّ العرش المتين، ولا يتأمّل ولا يتفكّر ولا يأمل إلا غاية آمال العارفين. وبالجملة: كما سبق منّا تكراراً: لا تغترّ بما في هذه الصّحف والقراطيس، ولا تفتخر بالغور في الحقائق المفهوميّة والدّقائق الإدراكيّة، فإنّ الفخر كلّ الفخر هو أن تهتدي بأنحاء الهدايات القرآنيّة، وبأنواع الأنوار الفرقانيّة، حتّى تستيقن بأنّك لا شيء محضاً، ويكون ذلك راسخاً في روحك وملكةً في قلبك.. وتقرأ في كلّ صباحٍ ومساءٍ هذه الكريمة: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ" (فاطر 15)، رزقني الله تعالى من هذا الكأس إن شاء الله تعالى. وقد ورد في أحاديثنا الشّريفة: (أنّ أقلّ شيءٍ أوتيتم اليقين)، وهذا اليقين هو الذي قال الله في حقّه: "وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ" (الحجر 99)، فإنّه لا يحصل إلا بالمعاينة والمشاهدة من قريبٍ بعين القلب، وحتّى يسمع بأذن الحقيقة صوت النّزع، وهذا هو اليقين الذي إذا حصل في هذه النّشأة يختلّ به النّظام أحياناً، وقال الله تعالى في هذا اليقين: "وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ" (الانعام 75)، فهو قبل أن يموت قد عاين الحقيقة والآخرة وباطن الدّنيا، وكان بذلك من الموقنين. فيا أيّها العزيز، مسّنا وأهلنا الضرّ، وحلّ بنا الظّلم في السّراء والضّراء، وفي الشّدة والرّخاء، وقد بلغنا من هذه السّفرة نصبٌ شديدٌ وتعبٌ كثيرٌ، فأوف لنا الكيل وتصدّق علينا، حتّى نتمكّن من أن نكون من الموقنين، وحتّى نصل إلى فنائك وبابك، فارغين عن الظّنون والأوهام، ومتحلّين بحلية اليقين والإيمان، ولا نستدرج في الذين قال الله تعالى في حقهم: "مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ" (النساء 157)، بل ولا من الجبلّة الذين قال في حقهم: "رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ" (النمل 14) ولا من المنادين بقوله تعالى: "وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّ" (السجدة 12). فيا سيّدنا ويا مولانا إنّا توجّهنا بك أن يجعلنا من الذين أنعم عليهم بنعمة اليقين حتّى "لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ" (التكاثر 6-7). فتحصّل من هذه الآيات الشريفة: أنّ لليقين مضافاً إلى المراتب الخاصّة العجيبة، وهي رؤية الآخرة في الدّنيا، ومشاهدة الغيب في الظّاهرة، ومعاينة الحقائق حال الاقتران بالمجازات. والله العالم بأسراره.
https://telegram.me/buratha
