الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في کتاب ثلاث رسائل دروس الأعلام و نقدها للسيد مصطفى الخميني: ما أفاده الوالد المحقق قدس سره حول قوله تعالى: "لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم" (النساء 29)) فقال: الكلام فيها يقع في ثلاثة مقامات: المقام الاول: حول جملة المستثنى منه وكيفية الاستدلال بها للزوم المعاملة بعد الفسخ على نحوين: أحدهما: أن الباطل من المفاهيم العرفية، والفسخ عند العقلاء يكون باطلا فالاكل بعد الفسخ يكون من الاكل المنهي عنه بالاية الكريمة، فالاية بالمطابقة تشمل الفسخ، لان اللزوم أمر عقلائي، وإرجاع المال به من الاكل بالباطل وبالسبب الغير النافذ، فالفسخ غير نافذ. ثانيهما: مقتضى إطلاقها حرمة الاكل والتصرف، فالاكل بعد الفسخ حرام، وإذا كان حراما يستكشف عرفا عدم نفوذ الفسخ، لعدم الوجه المعقول للجمع بين حرمة الاكل ونفوذ الفسخ، فالملازمة العرفية ثابتة بين حرمته وعدم نفوذه قطعا. إن قلت: الفسخ هو إرجاع العقد وإبطاله، فالاكل مستند إلى مقتضى الاول، ولا سببية للفسخ حتى يكون موضوع الاية الشريفة. قلت: لا دلالة للاية على أن الباطل السبب منهي عنه، بل مطلق ما هو الباطل الدخيل في الاكل منهي عنه، وهو يشمل الفسخ، كما لا يخفى. ولكن بعد اللتيا والتي يشكل التمسك بها، لاجل أن المخصص المفروض للاية الكريمة ليس من التخصيص الحكمي لابائها عنه، فإن العرف غير مساعد على فرض بطلان السبب الدخيل في الاكل وفرض نفوذه. وما اختاره السيد من التخصيص غير تام حد نفسه غير معقول، لعدم إمكان الانقلاب الواقعي في فهم العرف، فلابد وأن نقول: بأن العرف التابع للشرع لا يحكم ببطلان شئ إلا بعد ملاحظة الشرع، المتبوع المالك لهم بأنفسهم وأموالهم، فلو فرضنا استفادة نفوذ سبب من الشرع فالعرف يراه حقا وغير باطل، فيكون حكمه بالبطلان معلقا على عدم ردع الشرع عن ذلك، وعدم ترتيب الاثار عليه من قبله شرط إدراكه الباطل، فلو يرى أنه رتب آثار النفوذ فهو يدرك صحته، وإلا فيدرك بطلانه. فعلى هذالا يمكن التمسك بها لو شك في حصول المعلق عليه، فبعد الفسخ لا يمكن التمسك بالاية الكريمة، لان إحراز الموضوع شرطه، وهو ممنوع للشك في نظر الشرع، وحصول المعلق عليه غير معلوم، كما هو المفروض. وما قرع سمعك: من أن اللبيات الحافة بالعمومات والمطلقات لا تورث قصور التمسك بها، غير موافق للتحقيق هنا، ضرورة أن ذلك فيما إذا كان الحكم معلقا دون الموضوع، مع أن في المسألة تفصيلا بين اللبيات النظرية والبديهية، كما عرفت. المقام الثاني: حول جملة المستثنى وتقريب الاستدلال بها للزوم المعاطاة على وجه يخلو من الاشكال: هو أن الظاهر منها حصر مجوز الاكل في التجارة على أن يكون ملكا للاكل لا لغيره، حتى لا يلزم خروج المباحات وأمثا لها منها، وحيث إن الفسخ ليس من التجارة، ولا عن تراض، فليس موجبا لصحة الاكل والتصرف. وتوهم امتناع التمسك بالجملتين للزوم المعاطاة، غير تام، لاختلاف الوجه في كيفية التمسك، كما لا يخفى. ويمكن دعوى عدم الحاجة إلى تفسير التجارة بما سبق، لامكان تخصيص المستثنى ببعض المخصصات اللفظية وغيرها، وهذا لا ينافي الحصر، لان الحصر ليس إلا ما يستفاد من الظهور، فإذا قاومه ظهور آخر مقدم عليه، يبقى الحصر بحاله بالاضافة كسائر العمومات. فبالجملة: مقتضى الجملة الثانية جواز أكل مال التجارة، وأن العرف يفهم منها أن الاموال لا يجوز أكلها بالباطل، ويجوز أكلها بالتجارة، فإن كان المال مقيدا بالتجارة فلا يمكن التمسك، لان الفسخ مشكوك تجاريته، وإن لم يكن مقيدا، إما لامتناع تقييد المعلول بالعلة كما قيل وهو غير تام، لامكان فرض ذلك في القانون، وإما لعدم الدليل عليه، وإن يكن المال الجائز أكله هو المال الاتي من قبل التجارة ثبوتا، فالتمسك أيضا غير جائز، ضرورة أن إطلاق جواز الاكل لا يشمل صورة عدم علته، للزوم شمول عدم نفسه، فبعد الفسخ لا يمكن تجويز الاكل، لانه يحتمل انتفاء التجارة التي هي سبب جواز الاكل، وإطلاق جوازه لا يشمل صورة انتفاء التجارة، وعندما يشك في وجودها لا يصح التمسك، لانه شبهة موضوعية. وتوهم: أن الفسخ ليس تجارة فلا يصح التمسك بها لعدم نفوذه، مدفوع بما سيوافيك إن شاء الله تعالى. فتحصل: أن التمسك بالجملتين بناء على فرض الاستقلال لا يورث لزوم المعاملة، لان الشك في الموضوع لا يندفع بالدليل. المقام الثالث: التمسك بالاية الكريمة ملاحظا حال الجملتين فقد يقال: بأن الاستثناء متصل، لان المنقطع خلاف الصناعة، وذلك إما لاجل أن كلمة الباطل من القيود الغير الاحترازية، فيكون مفادها: لا تأكلوا أموالكم إلا كلوها بالتجارة، وإما لاجل أن المستثنى منه محذوف والاستثناء مفرغ، فيكون المعنى: لا تأكلوا أموالكم بينكم بوجه من الوجوه إلا بوجه التجارة، وعلى هذا يتم الاستدلال، لان إطلاق المستثنى وتجويز الاكل، يرفع الشك في جواز الاكل بعد الفسخ، ولا تناسب بين جواز الاكل ونفوذ الفسخ، فيعلم ارتفاع النفوذ، فيبقى المال عند المالك الثاني، وهذا هو مفاد اللزوم المقصود. والذي يتوجه عليه: هو أن إمكان فرض الاستثناء المتصل لا يلازم كونه موافقا للظهور، ولا شبهة في أن الظاهر هو كون الباطل قيدا، ويكون الاخراج موضوعيا، لاباء المستثنى منه عن التخصيص، ولاجله أتى بالمنقطع، فالمستثنى الانقطاعي في كمال الصناعة في هذه المواقف، مما يترتب عليه تأكيد العموم والاطلاق، وأنه لم يكن مورد التخصيص حتى يخصص وحيث إن نفس المستثنى منه يأبى عنه، لان الباطل غير قابل للتخصيص، وغير قابل للتنفيذ والتجويز عرفا، بل وعقلا، كما لا يخفى. فتوهم التخصيص الحكمي كما عن السيد المحشي رحمه الله في غير مقامه، ودعوى عدم لياقة المنقطع للكلام الالهي، غير مسموعة، بل ربما هي لائقة دون المتصل، كقوله تعالى: "لا يسمعون فيها لغواولا تأثيما * إلا قيلا سلاما سلاما" (الواقعة 25-26)، فإنه في مقام أن اللغو في الجنة هو السلام، وهذا في الحقيقة يرجع إلى انتفاء اللغو إلا ادعاء، أي لو كان فيها لغو فهو هذا، أي السلام وأمثاله، فافهم وتدبر جيدا. والذي هو التحقيق: أن المستفاد عرفا من الكريمة، هو أن ما هو تمام الموضوع والعلة لتحريم الاكل، هو الباطل ليس إلا، ولا خصوصية للمال والاكل وغير ذلك، ولا يلزم استفادة العلية من حروفها المخصوصة بها، وإذا كانت الجملة الاولى مفيدة لمثل ذلك، فلتكن الثانية أيضا في مقابلها، إلا أن التقابل بين مصداق الحق ومفهوم الباطل، فيكون الامر في الجواز وعدمه دائر امدار الحق والباطل، ولا خصوصية للتجارة حتى يلزم التخصيص وغيره. وعلى هذا إن كان الفسخ - بعد المعاملة المعاطاتية - معلوما من الباطل أو الحق فهو، وإلا فالاية تقصر عن شموله.
جاء في کتاب تفسير القرآن الكريم للسيد مصطفى الخميني: المرسوم في عناوين المصاحف أن سورة الفاتحة مدنية، فالسيرة العملية حجة على مدنيتها. وهو محل منع، لأن المرسوم فيما عندي أنها مكية، فراجع. مع أن من الممكن اشتباه الكاتب الأول في ذلك، ولصيانة الكتاب عن أيدي التصرف اقتصروا عليه، كما ترى في الأغلاط الخطية الآتي بحثها. وغير خفي: أن سورة الحجر مكية بالاتفاق إلا آية "لقد آتيناك سبعا من المثاني" (الحجر 87) وإلى قوله تعالى: "كما أنزلنا على المقتسمين" (الحجر 90). هذا، والذي يظهر من تتبع الآثار ومراجعة الأخبار: أن الصلاة كانت مفروضة في مكة، بل كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يصلي قبل البعثة كما في سيرته، وقد وردت في أحاديثنا وأحاديث العامة ما يدل على أن (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب)، وقضية إطلاق هذه الأخبار وتلك التعابير: أنه صلى الله عليه وآله وسلم ما كان يصلي بغيرها، لظهور الروايات في تقوم طبيعة الصلاة بها مطلقا، فصلاته قبل البعثة كانت معها، فهي أول ما نزل. والله الموفق، فليتأمل. بحث وتحصيل الذي يساعد عليه الاعتبار في ميزان المكي والمدني ما عليه الأكثر، وهو: أن ما نزل في مكة ونواحيها قبل الهجرة فهو مكي، وما نزل بالمدينة بعد الهجرة وإن نزل بغيرها فهو مدني، ولذلك تكون سورة النصر مدنية مع أنها نزلت بمنى في حجة الوداع. وغير خفي أن عهد نزول القرآن ينقسم إلى زمانين متمايزين: الأول: مدة مقامه صلى الله عليه وآله وسلم في مكة، وهي اثنتا عشرة سنة وخمسة أشهر وثلاثة عشر يوما، وقيل: من يوم 17 رمضان سنة 41 يوم الفرقان إلى أول يوم من ربيع الأول سنة 54 من ميلاده. الثاني: زمان نزوله بعد الهجرة إلى المدينة، فالمدني نحو 1130. قال أبو الحسن ابن الحصار في كتابه (الناسخ والمنسوخ): المدني بالاتفاق عشرون سورة، والمختلف فيه اثنتا عشرة سورة، وما عدا ذلك مكي بالاتفاق، وهي: 1 - البقرة 2 - آل عمران 3 - النساء 4 "وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ۚ فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا" (النساء 4) - المائدة 5 - الأنفال 6 - التوبة 7 - النور 8 - الأحزاب 9 - محمد 10 - الفتح 11 - الحجرات 12 - الحديد 13 - المجادلة 14 - الحشر 15 - الممتحنة 16 - الجمعة 17 - المنافقون 18 - الطلاق 19 - التحريم 20 - "إذا جاء نصر الله" (النصر 1). ووافقه على جميعها في ذلك أبو بكر ابن الأنباري (المتوفى 328)، ومحمد بن القاسم إلا في الأنفال، وأبو عبيدة القاسم بن سلام (المتوفى 334) في " فضائل القرآن " إلا في الحجرات والجمعة والمنافقون، وصاحب الفهرست محمد بن إسحاق (المتوفى 385) برواية محمد بن نعمان بن بشير المذكورة في (أول ما نزل من القرآن) إلا في الأحزاب. فالمتفق عليه بين هؤلاء الأربعة - الذين اشتهر صيتهم بين الأفاضل والأعلام - خمسة عشر سورة مما ذكره أبو الحسن في كتابه (الناسخ والمنسوخ). والمختلف فيه خمسة: الأنفال، خالف فيها ابن الأنباري، والحجرات والجمعة والمنافقون، خالف فيها أبو عبيدة، والأحزاب، خالف فيها صاحب الفهرست.
جاء في کتاب البيع للسيد مصطفى الخميني: الاستدلال على بطلان المعاطاة بعدم تحقق إنشاء المعاملة بالفعل فمنها: أن الانشاء من الاعتبارات، ولا يمكن التوسل إليه وإيجاده إلا بما هو قابل لذلك، وهو القول دون الفعل. وإن شئت قلت: ليس الفعل موضوعا للانشاء، حتى يتوسل به إليه، بخلاف هيئات الالفاظ، فإنها كما تكون موضوعة للاخبار موضوعة للانشاء أيضا. ولك أن تقول باعتبار الوضع والسنخية بين الالات ومعلولاتها. وفيه: مضافا إلى السيرة العملية أن باب الاعتبارات أوسع من ذلك، ولا خصوصية للالفاظ. نعم مجرد الامكان غير كاف. وبذلك يدفع الاشكال الثاني: هو أن إمكان الانشاء بالفعل، لا يلازم نفوذه وصحته، ووجه الدفع واضح. الاستدلال على البطلان بعدم شمول آية الوفاء والتجارة للمعاطاة ومنها: أنها لغة وعرفا ليست عقدا، بل قيل: إنها ليست بيعا فلا تشملها الايتان: "أوفوا بالعقود" (المائدة 1) و "أحل الله البيع" (البقرة 275) ولو شك فلا يرجع إليهما. وفيه: - مضافا إلى كفاية قوله تعالى: "لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم" (النساء 29) أنها أولى بأن تكون عقدا، لاسبقيتها في إيجاد العقدة بها من غيرها، ولم يعهد من أرباب اللغة ما يورث خروجها عنه، لان العقد هو العهد المطلق، أو المشدد، وحيث إن التشديد لا معنى له في الاعتبارات إلا بأن يرجع إلى التشديد في الاسباب ولواحقها، يمكن اتصاف العقد اللفظي بالشدة والضعف، ويمكن اتصافها بهما. وبعبارة اخرى: ليس العقد إلا أمرا محصلا واعتبارا معنويا، فلا نظر فيه إلى الاسباب المحصلة له، فلا تغفل. نعم، الظاهر أن هذه الاية أجنبية عن هذه المسائل، لان العقود المعمول بها بين الامم والاقوام من بدو حياتهم الاجتماعية، لا تحتاج إلى التشديد بمثل هذه الاية الكريمة، خصوصا بعدما تكون في سورة المائدة، ولا سيما بعد ملاحظة الصدر، فإنه بعد التأمل يظهر: أنها راجعة إلى العقود الخاصة، والعقود الكلية، لا العقود المالية والتجارية.
https://telegram.me/buratha
