الصفحة الإسلامية

انت؛ والامام الصادق عليه السلام!!

224 2025-04-26

طاهر باقر

بعض الناس ممن لايعرفون الائمة صلوات الله عليهم ولم يطلعوا على حياتهم بكل تفاصيلها يصفوهم بانهم افراد كبقية الناس لايختلفون عنهم في شيئ سوى انهم اكثر ايمانا واشد تقوى، ولكني كلما تعمقت في شخصية امام معصوم لم اجد في شخصيته شيئ يشبه الناس، ولااقصد البناء الجسدي وانما البناء الفكري والاخلاقي والانساني، فمواقفهم هي بمستوى من العظمة والجلالة الى درجة لاتجد لها شبيها في الحياة ولهذا اصطفاهم الله سبحانه ليكونوا ائمة الخلق!

سنحاول ان نعقد مقارنة بين سلوكياتنا وبين المواقف التي كتبها التاريخ لائمة الهدى صلوات الله عليهم ونسأل هل نحن قادرون على تسجيل نفس المواقف التي خطها الامام المعصوم؟

في البداية لابد ان نعرف ان كل واحد من الائمة لديه ماينفرد به من المواقف العظيمة، مثل موقف الامام الحسين عليه السلام في كربلاء هو موقف متفرد في تاريخ البشرية وليس في تاريخ الاسلام فحسب، لكننا اليوم ولمناسبة استشهاد الامام الصادق عليه السلام سنذكر بعض تلك المواقف التي اشتهر بها الامام وتفرد بها دون سائر الناس، وفي هذا المجال روى المؤرخون أنّ رجلا من الحُجّاج توهّم أن هميانه قد ضاع منه ) الهميان : كيس يوضع فيه المال ويُشدّ على الوسط) فخرج يُفتّش عنه، فرأى الإمام الصادق عليه السلام يصلّي في الجامع النبوي فتعلّق به، ولم يعرفه، وقال: «أنت أخذت همياني؟».فقال له الإمام عليه السلام بعطف ورفق: ما كان فيه؟

فقال الرجل: ألف دينار.

فأعطاه الإمام عليه السلام ألف دينار، ومضى الرجل إلى مكانه، فوجد هميانه، فعاد إلى الإمام معتذرا منه، ومعه المال، فأبى الإمام عليه السلام قبوله، وقال له: شيئ خرج من يدي فلا يعود إليَّ، فبُهر الرجل وسأل عنه، فقيل له: هذا جعفر الصادق، وراح الرجل يقول بإعجاب: «لا جرم هذا فعال أمثاله»(1).

موقف محرج يصيب كل انسان بالذهول ويخرجه عن طوره الانساني، فهذا الرجل وجه للامام تهمة باطلة وكان على الامام الدفاع عن نفسه وابطال التهمة لكنه لم يفعل ذلك؛ لماذا؟

لو تعرض اي واحد منا لمثل هذا الموقف لأصيب بالهلع ولم يعرف سبيلا الى التصرف السليم، وربما قاده الموقف الى الدخول في مشاجرة لفظية او يدوية آنية لم يتم التخطيط لها خاصة وان المبلغ كان كبيرا، وحاول بكل مايستطيع دفع التهمة عن نفسه بكل وسيلة! بينما لاحظنا الهدوء العقلي والاتزان المنطقي يدفعان الامام المعصوم الى اتخاذ قرار هو بلا شك لايشبه اي واحد من قراراتنا انه تصرف كمن لايكترث لحال الدنيا وتقلباتها ويدفع اموالا هائلة هي بالتالي ستسجل له موقفا يكتبه التاريخ ويقرء عنه الملايين، واذا ولجنا اكثر في تفاصيل القصة سنجد ان الرجل عثرعلى امواله واتى الى الامام معتذرا، وهنا فرصة كبيرة سنحت للامام بان يوبخه من دون اعتراض من جانبه لكنه ليس فقط لم يوبخه بل زاد في احسانه اليه ووهبه تلك الاموال، والآن ضع نفسك مكان ذلك الرجل الذي تعرض لهذا الموقف المحرج باي نتيجة ستخرج؟ " الرجل ادرك عظمة الموقف ولهذ استعلم عمن يكون الامام ولم يستغرب منه كل هذه العظمة بعد ان عرفه بانه الامام الصادق عليه السلام وهذا الموقف سيبقى عالقا في ذهنه الى آخر يوم من حياته"!

هكذا يصنع الائمة مواقف الشهامة والمروءة بما يفوق تصورات البشر، ومن هنا نحاول تقريبها الى الاذهان بصيغة المقارنة مع اليقين بانهم فرع من الشجرة المحمدية وانهم لايقارنون باي احد من البشر، ومن اجل التأكيد على استحالة المقارنة كما قال الامام علي عليه السلام : "نحن أهل البيت لا يقاس بنا أحد، فينا نزل القرآن وفينا معدن الرسالة" لكن غرضنا هو ادراك علو منزلتهم واستحالة الوصول الى رتبتهم.

لو اعطيت فقيرا عدة دراهم ستحسب نفسك؛ اصبحت من الكرماء اما لو اعطيت المحتاج اربع مائة درهم فماذا ستقول عن نفسك؟ سنجد المثال في قصة الامام الصادق عليه السلام مع ذلك الفقير الذي ذكره المؤرخون وقالوا: إنَّ فَقِيراً سَأَلَ الصَّادِقَ عليه السلام فَقَالَ لِعَبْدِهِ: «مَاعِنْدَكَ قَالَ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ، قَالَ: أَعْطِهِ إِيَّاهَا فَأَعْطَاهُ، فَأَخَذَهَا وَوَلَّى شَاكِراً، فَقَالَ عليه السلام لِعَبْدِهِ: أَرْجِعْهُ.

فَقَالَ: يَا سَيِّدِي سَأَلْتُ، فَأَعْطَيْتَ فَمَاذَا بَعْدَ الْعَطَاءِ؟ فَقَالَ عليه السلام لَهُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله عليه وآله وسلم خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا أَبْقَتْ غِنًى، وَإِنَّا لَمْ نُغْنِكَ، فَخُذْ هَذَا الْخَاتَمَ، فَقَدْ أَعْطَيْتُ فِيهِ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَإِذَا احْتَجْتَ، فَبِعْهُ بِهَذِهِ الْقِيمَةِ» (2) بالله عليكم من يفعل ذلك غير انسان ذو مرتبة عالية من الكرم والانسانية؟

والاسلام يحث على صلة الرحم مع الاقارب ليس فقط عن طريق زيارتهم والتودد اليهم، بل من خلال صلتهم بالمال خاصة في اوقات العسرة، وسترون الامام الصادق عليه السلام يقوم بعمل لايقدم عليه الا ندرة من الناس فقد كان يبعث الاموال والهدايا لابناء عمومته واقربائه دون ان يخبرهم بانه هو الذي يقوم بذلك ويروي المؤرخون: "كان أبو عبد الله عليه السلام يبسط رداءه وفيه صرر الدنانير فيقول للرسول: اذهب بها إلى فلان وفلان، من أهل بيته، وقل لهم: هذه بعث بها إليكم من العراق، قال: فيذهب بها الرسول إليهم فيقول ما قال فيقولون: أما أنت فجزاك الله خيرا بصلتك قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله، وأما جعفر فحكم الله بيننا وبينه، قال: فيخرُّ (يخر : يهوي) أبو عبد الله عليه السلام ساجدا ويقول: اللهم أذل رقبتي لولد أبي" (3) ومن عاداته انه عليه السلام يأخذ جرابا فيه الخبز، واللحم، والدراهم، فيحمله على عاتقه في آخر الليل، ويذهب به إلى أهل الحاجة من فقراء المدينة، فيقسّمه فيهم وهم لا يعرفونه، وما عرفوه حتى مضى إلى الله ، فافتقدوا تلك الصِلات، فعلموا أنها منه.

والآن اسأل كل واحد فيكم انه لو علمت بان الحرب ستقع وان بلدك ستعاني من نقص في بعض المواد الغذائية الاساسية مثل القمح والشعير من جراء تلك الحرب ماذا ستفعل لو كان لديك مقدار كبير من تلك المواد ؟ التصرف الطبيعي لاغلب الناس انهم سينتظرون حتى تقع الحرب وترتفع تلك الاسعار وثم يبيعها باسعار مضاعفة في الاسواق، تعالوا لنشاهد ماذا فعل الامام الصادق عليه السلام؟

نقل المؤرخون: " عن معتب قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام وقد تزيد السعر بالمدينة: (سترتفع الاسعار في المدينة) كم عندنا من طعام؟ قلت: عندنا ما يكفينا أشهر كثيرة قال: أخرجه وبعه قلت له: وليس بالمدينة طعام!! قال: بعه، فلما بعته قال: اشتر مع الناس يوما بيوم وقال: يا معتب اجعل قوت عيالي نصفا شعيرا ونصفا حنطة، فإن الله يعلم أني واجد أن أطعمهم الحنطة على وجهها، ولكني أحب أن يراني الله قد أحسنت تقدير المعيشة.

ويعجز العقل من وصف يقين الامام الصادق بالله واليوم والآخر والحساب والكتاب وان الموت حق وهو جسر يصل الدنيا بالآخرة، وهنا حادثة عظيمة ومصيبة كبيرة تقع للامام كيف سيكون موقفه اتجاهها؟ قال الرواة " نعي إلى الصادق جعفر بن محمد عليه السلام ابنه إسماعيل ابن جعفر، وهو أكبر أولاده، وهو يريد أن يأكل وقد اجتمع ندماؤه، فتبسم ثم دعا بطعامه، وقعد مع ندمائه، وجعل يأكل أحسن من أكله سائر الأيام، ويحث ندماءه، ويضع بين أيديهم، ويعجبون منه أن لا يروا للحزن أثرا، فلما فرغ قالوا:

يا ابن رسول الله لقد رأينا عجبا أصبت بمثل هذا الابن، وأنت كما نرى؟! قال:

وما لي لا أكون كما ترون، وقد جاءني خبر أصدق الصادقين أني ميت وإياكم إن قوما عرفوا الموت فجعلوه نصب أعينهم، ولم ينكروا من تخطفه الموت منهم وسلموا لأمر خالقهم عز وجل (4)

نحن لانستطيع ان نحصي مآثر الامام الصادق عليه السلام ومناقبه لكننا نضرب امثلة بسيطة على ذلك ربما تقودنا الى ادراك جزء يسير من قدراته وامكاناتهم العلمية والايمانية والانسانية وهنا نعرض مثلا بسيطا على تفوقه العلمي فالكل يعرف ابو حنيفة النعمان وهو امام اهل السنة والجماعة فقد وقعت بينه وبين الامام الصادق مناظرة ننقل شطرا منها مع العلم من الممكن مشاهدة المناظرة كاملة على وسائل التواصل الاجتماعي مصورة على "يوتيوب" .

كان أبوحنيفة يذهب إالى القياس، وأنه من مصادر التشريع في الإسلام، وكان الإمام الصادق عليه السلام ينكر ذلك أشد الإنكار، ويرد على أبي حنيفة في أكثر من مناسبة، ومنها:

إلتقى أبو حنيفة بـالإمام الصادق عليه السلام، وسأله الإمام عن بعض المسائل، فلم يجبه عنها، ومن بين ما سأله الإمام: أيهما أعظم عند الله: القتل أو الزنا؟

قال: بل القتل.

قال: فكيف رضى في القتل بشاهدين، ولم يرض في الزنا إلا بأربعة؟

ووجم أبو حنيفة، ولم يطق جوابا، وانهار قياسه أمام سليل النبوة، ثم وجّه الإمام عليه السلام السؤال التالي: الصلاة أفضل أم الصيام؟

قال: بل الصلاة أفضل.

قال عليه السلام: فيجب على قياس قولك على الحائض قضاء ما فاتها من الصلاة في حال حيضها دون الصيام، وقد أوجب الله تعالى عليها قضاء الصوم دون الصلاة.

قال له: البول أقذر أم المني؟

قال: البول أقذر.

قال عليه السلام: يجب على قياسك أن يجب الغسل من البول دون المني، وقد أوجب الله تعالى الغسل من المني دون البول.

قال: إنما أنا صاحب رأي.

قال عليه السلام: فما ترى في رجل كان له عبد فتزوج وزوج عبده في ليلة واحدة، فدخلا بامرأتيهما في ليلة واحدة، ثم سافرا، وجعلا امرأتيهما في بيت واحد، وولدتا غلامين، فسقط البيت عليهم، فقتل المرأتين وبقي الغلامان أيهما في رأيك المالك وأيهما المملوك وأيهما الوارث وأيهما الموروث؟

وبعد ان عجز أبو حنيفة عن الأجابة على اسئلة الإمام عليه السلام قال للإمام: لا أتكلّم بالرأي والقياس في دين الله بعد هذا المجلس. (5)

وحول هذه المناظرة قال ابو حنيفة: ما رأيت أحدا أفقه من جعفر بن محمد، لمّا أقدمه المنصور الحيرة بعث إليَّ فقال: يا أبا حنيفة إنَّ الناس قد فُتنوا بجعفر بن محمد، فهيّىء له من مسائلك الصعاب. قال: فهيّأت له أربعين مسألة، ثم بعث إلي أبو جعفر فأتيته بالحيرة، فدخلت عليه، وجعفر جالس عن يمينه فلما بصرت بهما دخلني لجعفر من الهيبة ما لم يدخل لأبي جعفر، فسلّمت وأذن لي فجلست، ثم التفت إلى جعفر، فقال: يا أبا عبد الله تعرف هذا؟ قال: نعم هذا أبو حنيفة، ثم أتبعها قد أتانا، ثم قال: يا أبا حنيفة هات من مسائلك نسأل أبا عبد الله، وابتدأت أسأله، وكان يقول: في المسألة أنتم تقولون فيها كذا وكذا، وأهل المدينة يقولون كذا وكذا، ونحن نقول: كذا وكذا، فربما تابعنا وربما تابع أهل المدينة، وربما خالفنا جميعا حتى أتيت على أربعين مسألة ما أخرم منها مسألة، ثم قال أبو حنيفة: أليس قد روينا أنه أعلم الناس» (6).

نحن هنا لم نتحدث الا عن نقطة من بحر الامام الصادق عليه السلام ومن يريد اصطياد جواهره ولآلئه عليه ان يغوص في هذا البحر وسيجد العجب العجاب.

بقلم : طاهر باقر

 

========================================

الهوامش

(1) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٧ - الصفحة ٢٣ (2) بحار الانوار – ج 47 ص 61. (3) تنبيه الخواطر ص 490. (4) عيون أخبار الرضا " ع " ج 2 ص 2. (5) الطبرسي، الاحتجاج، ج 2، ص 116-117. (6) المزي، تهذيب الكمال، ج 5، ص 79.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك