الصفحة الإسلامية

مشتقات المال ولأموال في القرآن الكريم (أموالكم) (ح 3)


الدكتور فاضل حسن شريف

تكملة للحلقتين السابقتين جاء في تفسير الميسر: قال الله تعالى عن أموالكم "وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ" ﴿الأنفال 28﴾ واعلموا أيها المؤمنون أن أموالكم التي استخلفكم الله فيها، وأولادكم الذين وهبهم الله لكم اختبار من الله وابتلاء لعباده، ليعلم أيشكرونه عليها ويطيعونه فيها، أو ينشغلون بها عنه؟ واعلموا أن الله عنده خير وثواب عظيم لمن اتقاه وأطاعه. قوله سبحانه "إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ۚ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ" ﴿محمد 36﴾ إنما الحياة الدنيا لعب وغرور. وإن تؤمنوا بالله ورسوله، وتتقوا الله بأداء فرائضه واجتناب معاصيه، يؤتكم ثواب أعمالكم، ولا يسألْكم إخراج أموالكم جميعها في الزكاة، بل يسألكم إخراج بعضها. إن يسألكم أموالكم، فيُلِحَّ عليكم ويجهدكم، تبخلوا بها وتمنعوه إياها، ويظهر ما في قلوبكم من الحقد إذا طلب منكم ما تكرهون بذله. وقوله تبارك وتعالى.

التفكير المستمر في الاموال والاولاد تلهي عن ذكر الله "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ" (المنافقون 9). البيع هو مقابلة شئ بشئ اخر وهو الاقرب الى العقد، ومنه جاءت المبايعة اي العهد. والقرآن الكريم اوضح في آيات احكام البيع والشراء بحيث لا يحصل فيه ربا و سرقة واحتكار وغش والذي سماه القرآن اكل الاموال بالباطل كما قال الله تبارك وتعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ " (النساء 29) و "الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا" (البقرة 275). والبيع عكس الربا فالاول محلل والثاني محرم كما قال الله تعالى "وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا" (البقرة 275). و الشراء والبيع فقد ورد لهما معنى مجازي معنوي اخروي واخر مادي دنيوي متعارف عليه في الاسواق كما قال الله جل جلاله "إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ" (التوبة 111) و "وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ" (البقرة 207). عن موقع مركز الابحاث العقائدية عن السيد محمد مهدي الخرسان: عبد الله بن الأشوع الحضرمي، وفيه نزل قوله تعالى: "وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ" (البقرة 188). جاء في موسوعة الامام الجواد عليه السلام للسيد الحسيني القزويني: في ما ورد عنه عليه السلام في سورة النساء قوله تعالى: "وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا" (النساء 5) عن إبراهيم بن عبد الحميد، قال: سألت أبا جعفر الجواد عليه السلام عن هذه الآية: "وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُم" (النساء 5) قال: كل من يشرب المسكر فهو سفيه.

جاء في كتاب القواعد الفقهية للشيخ ناصر مكارم الشيرازي عن قاعدة التسلط (الناس مسلطون على أموالهم‌): من القواعد المشهورة بين الفقهاء، قاعدة تسلط الناس على أموالهم، ولا يزالون يستدلون بها في مختلف أبواب المعاملات بالمعنى الخاص، والعام، بل لعله هو المدرك الوحيد في بعض مسائلها، وبيان محتواها ومداركها وما يتفرع عليها وما يستثنى منها يتم في مقامات. في مدرك القاعدة‌: يمكن الاستدلال عليها بأدلة منها كتاب اللّه‌:آيات مختلفة، وردت في موارد خاصة، يستفاد من مجموعها ان كل إنسان له سلطة على أمواله الخاصة، لا يجوز لأحد مزاحمته الا من طرق معينة وردت في الشرع، فمما يدل على هذا المعنى قوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا" (النساء 29). دل على عدم جواز أكل أموال الناس الا من طرق خاصة مشروعة، تبتنى على رضا الطرفين، وجعل حرمته كحرمة قتل الأنفس، وكأنه الى هذا ينظر الحديث المعروف (حرمة مال المسلم كحرمة دمه). ومثله قوله تعالى "وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا" (النساء 2). وهو دليل على ان الإنسان لو لم يكن قادرا على حفظ أمواله لا بد أن تحفظ من طريق من يقدر على ذلك، وان الولي يجب عليه كمال الاحتياط فيه، والا ارتكب اثما عظيما. ومن الجدير بالذكران التعبير بأموالكم وأموالهم دليل واضح على الملكية الخاصة في هذه الأموال لا ملكية المجتمع كما قد يتوهمه من لا خبرة له بشي‌ء من الاثار الإسلامية والمتون الدينية. وأيضا قوله تعالى "وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا" (النساء 4). دلت على انه لا يجوز التصرف في شي‌ء من أموالهم الحاصلة من طريق الصداق، إلا بإذنهن ورضاهن، وأيضا قوله تعالى {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ" (البقرة 188). الى غير ذلك من الايات الكثيرة الواردة في أبواب الإرث والصداق والوصية وسائر العقود، وما دل على مطلوبية الإنفاق في سبيل اللّه، حتى ما دل على حرمة الربا وانه "وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ" (البقرة 279). وبالجملة لا يبقى شك لأحد بعد ملاحظة هذه الايات ان كل إنسان مسلط على أمواله التي اكتسبها من طرق مشروعة، وانه لا يجوز مزاحمته فيها، ولا التصرف إلا بإذنه ورضاه، ولو جمعنا هذه الايات مع تفسيرها كان كتابا ضخما.

جاء في التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى "إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ۚ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ" (محمد 36) "إِنَّمَا اَلْحَيََاةُ اَلدُّنْيََا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ" (محمد 36) و الويل لمن انصرف إليها بكله و تورط في الشبهات و المحرمات و إلا فدين اللّه و دنياه شي‌ء واحد وَ إِنْ تُؤْمِنُوا وَ تَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ الغرض من الإيمان باللّه أن نطيعه و نتقي معاصيه، و بهذه التقوى نستحق الأجر و الثواب و إلا فلا شي‌ء للعصاة عند اللّه سبحانه إلا العذاب و النكبات "وَ لاََ يَسْئَلْكُمْ أَمْوََالَكُمْ" (محمد 36) بالكامل أيها الأغنياء، و إنما يسألكم أن تؤدوا الحق المفروض، للفقراء، و هو يسير و خفيف. "ِنْ يَسْئَلْكُمُوهََا فَيُحْفِكُمْ" (محمد 37) من الإحفاء، و هو أشد الإلحاح في السؤال "تَبْخَلُوا وَ يُخْرِجْ أَضْغََانَكُمْ" (محمد 37) لو أن اللّه، عظمت حكمته، سأل الأغنياء أكثر من النصيب المفروض، و ألحّ عليهم في بذله لأمسكوا و حقدوا على الإسلام و نبيه. "هََا أَنْتُمْ هََؤُلاََءِ" (محمد 38) إشارة إلى الأغنياء "تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اَللََّهِ" (محمد 38) قال سبحانه "تدعون" و لم يقل نأمركم، و كأنه يروّض من نفوس الأغنياء، و يبعثهم على البذل عن طيب نفس، و أوضح من هذه الآية في ذلك آيات الاستقراض الحسن "وَ مَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمََا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ" (محمد 38) لأن البذل وقاية من النار و غضب الجبار، و في الحديث: حصنوا أموالكم بالزكاة "وَ اَللََّهُ اَلْغَنِيُّ وَ أَنْتُمُ اَلْفُقَرََاءُ" (محمد 38) إن ملكت أيها الإنسان. قوله تعالى "فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ" (البقرة 279) "يََا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اَللََّه" (البقرة 278)َ خاطبهم سبحانه بالإيمان و التقوى توطئة لقوله: "وَ ذَرُوا مََا بَقِيَ مِنَ اَلرِّبََا" (البقرة 278) اكتفوا من الربا بما مضى، و اتركوا ما بقي "إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" (البقرة 278) حقّا و واقعا. "فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا فاعلموا بِحَرْبٍ مِنَ اَللََّهِ وَ رَسُولِهِ" (البقرة 279) قال الإمام الصادق (ع): (آكل الربا يؤدّب بعد البيّنة أي النهي فإن عاد أدّب ثانية فإن عاد قتل) في الثالثة، و قيل في الرابعة "وَ إِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوََالِكُمْ" (البقرة 279) و ما زاد حرام محرّم "لاََ تَظْلِمُونَ" المديون بطلب الزيادة "وَ لاََ تُظْلَمُونَ" أنتم بالنقصان.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك