الصفحة الإسلامية

عصمة الأنبياء قبل وبعد بعثتهم والقرآن الكريم (ح 7)


الدكتور فاضل حسن شريف

لقد ورد في أكثر الكتب الكلامية النقاش والبحث حول عصمة الأنبياء، إضافة إلى أنّ كتباً تألّفت في هذا المجال، منها: كتاب تنزيه الأنبياء، تأليف السيد المرتضى 355-436 هـ، الفقيه والمتكلّم الذي عاش في القرن الرابع والخامس، وناقش فيه عصمة الأنبياء والأئمة عليهم السلام كما ردّ في كتابه على الشبهات والآيات والروايات التي لا تتوافق في الظاهر مع عصمة الأنبياء. وترجم الكتاب إلى اللغة الفارسية أيضاً. كتاب عصمة الأنبياء، من مؤلفات فخر الدين الرازي متوفى 606 هـ، الفقيه والمتكلم والمفسّر السنّي. كان الرازي في صدد الدفاع عن قداسة الأنبياء والرّسل وردّ الشبهات والتهم الموجهة لهم، وبعد أن ذكر فيه جميع النظريات في عصمة الأنبياء وعرض جميع أدّلة العصمة، ناقش شبهات المخالفين وجعلها في بوتقة النقد والتحليل. ثم طرح الشبهات الواردة على الأنبياء، كـ آدم ونوح وإبراهيم وموسى وداود وسليمان والنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بجميع فصولها تحت المراجعة النقدية. كتاب تنزيه الأنبياء عن ما نسب إليهم حثالة الأغبياء، كتبه علي بن أحمد المعروف بابن خمير المتوفى 640 هـ من علماء القرن السادس والسابع الهجري. كما أنّ المؤلف حرّر هذا الكتاب في الرّد على الشبهات الواردة في عصمة الأنبياء، وناقش الشبهات الواردة حول بعض الأنبياء عليهم السلام، كـآدم وداود وسليمان وموسى ويونس والنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وجعلها تحت النقد والتحليل. ومن المؤلفات التي تميّزت في هذا المجال كالتالي: كتاب عصمة الأنبياء في القرآن الكريم للشيخ جعفر سبحاني، وكتاب عصمة الأنبياء والرّسل للسيد مرتضى العسكري، وكتاب عصمة الأنبياء في القرآن مدخل إلى النبوة العامة للسيد كمال الحيدري، وكتاب عصمة الأنبياء عليهم السلام لزين العابدين عبد علي طاهر الكعبي، وكتاب عصمة الأنبياء بين اليهود والمسيحية والإسلام لكاتبه حمود ماضي، وكتاب مراجعات في عصمة الأنبياء من منظور قرآني لعبد السلام زين العابدين.

في کتاب العصمة للمؤلف السيد علي الحسيني الميلاني: الشيخ المظفر في كتاب العقائد: المعصوم يجب أن يكون منزّهاً عما ينافي المروة، كالتبذّل بين الناس من أكل في الطريق أو ضحك عال، وكل عمل يستهجن فعله عند العرف العام. فهذا تعريف العصمة عند أصحابنا. انهم يجعلون العصمة من باب اللطف، ويقولون بأن العصمة حالة معنوية موجودة عند المعصوم بلطف من الله سبحانه وتعالى، هذا اللطف الذي عبّر عنه سبحانه وتعالى بقوله: "وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلّوكَ" (النساء 113). هذا اللطف والفضل والرحمة من الله سبحانه وتعالى يُمسك المعصوم عن الاقدام على المعصية، وعلى كل ما لا يجوز شرعاً أو عقلاً، مع قدرته على ذلك، وكذا عن الاقدام على كل ما يتنافى مع النبوة والرسالة، ويكون منفراً عنه عقلاً كما أضاف الشيخ المظفر. وعمدة البحث في العصمة أمران: الامر الاول: كيف تجتمع العصمة أو هذه الحالة المعنوية الخاصّة مع القدرة على إتيان المنافي. الامر الثاني: ما الدليل على العصمة المطلقة التي يدّعيها الامامية، أي إنهم يدّعون العصمة حتى عن السهو والخطأ والنسيان. هذان الامران عمدة البحث في العصمة. العصمة ومسألة الجبر أوضح علماؤنا أن هذه الحالة تجتمع تماماً مع ما ذهبت إليه الطائفة من أنْ لا جبر ولا تفويض بل أمر بين الامرين، وذلك بأن العصمة تمسك المعصوم وتمنعه عن أي مناف، ولكن لا تلجؤه إلى الطاعة، ولا تلجؤه إلى ترك المعصية أو المنافي. وهذا المعنى قد أشار إليه العلامة رحمه الله في تعريفه من جهتين: الاُولى: قوله بالمكلف حيث قال: العصمة لطف يفعله الله بالمكلف. فإنه يريد أن يفهمنا بأن المعصوم مكلَّف، أي إنه مأمور بالطاعة وترك المعصية، وأنه إذا أطاع يثاب، وإذا عصى يعاقب، ولذا جاء في القرآن الكريم: "فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهمْ وَلَنَسْئَلَنَّ لْمُرْسَلِينَ" (الاعراف 6)، يعني: إن المرسلين كسائر أفراد أُممهم مكلَّفون بالتكاليف، فلا يكون من هذه الناحية فرق بين الرسول وبين أفراد أُمته، وعلى الرسول أنْ يعمل بالتكاليف، كما أن على كل فرد من أفراد أُمّته أن يكون مطيعاً وممتثلاً للتكاليف، فلو كان المعصوم مسلوب القدرة عن المعصية، مسلوب القدرة على ترك الاطاعة، فلا معنى حينئذ للثواب والعقاب، ولا معنى للسؤال. وقد بيّنا بالاجمال هذا المطلب في بحثنا عن آية التطهير "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا" (الاحزاب 33). والجهة الثانية الموجودة في كلام العلامة رحمه الله قوله: بحيث لا يكون له داع إلى ترك الطاعة وفعل المعصية. ففي هذه العبارة إشارة إلى أن ترك الطاعة وفعل المعصية إنما يكون بداع نفساني يحمل الانسان على الاطاعة، أو يحمل الانسان على إتيان المعصية وارتكابها، وهذا الانسان قد أودع الله فيه سبحانه وتعالى مختلف القوى التي يستخدمها لاغراضه الصحيحة وغير الصحيحة، إلا أن العصمة تمسك المعصوم، بحيث لا يبقى له داع إلى ارتكاب المعصية أو ترك الطاعة والتكليف الشرعي.

ومن كتابه من عنده علم الكتاب قال الشيخ جلال الدين الصغير عن معنى الشهادة في القرآن الكريم: وطبيعة الأشياء تظهر لنا حقيقة أن الأمر المطلوب بالشهادة عليه كلما كان أكبر، كلما احتجنا إلى مواصفات عليا في ملكات العلم والحياة والعدالة، ولئن كان أمر العلم والعدالة بينا، فإن ثمة مشكلة تبدو أمام البعض في شأن حياة الشاهد، وهو يرقب شهادة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فمن الواضح أن الرسول قد أوكلت إليه مهمة الشهادة على أمم الأولين والآخرين لقوله تعالى: "فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا" (النساء 41)، وكانت من جملة أبرز مهمات نبوته الشريفة أنه قد أرسل شاهدا لقوله جل وعز: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا" (الاحزاب 45)) وكذا قوله تعالى: "إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ" (المزمل 15) فمن الذي سيقوم بدور الشهادة من بعده على أمته؟ فها هو عيسى عليه السلام ما إن يتوفاه الله إليه حتى يعلن انتهاء شهادته كما في قوله: "قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ" (المائدة 116-117) خصوصا وأن الشهادة على أمة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم تحتاج إلى مواصفات أعلى من مواصفات الشهداء السابقين في ملكات العدالة والعلم، وحيث أن العلم الموكل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس هو من سنخ العلوم البشرية العادية حتى يمكن تحصيله مع الجد والاجتهاد، وإنما هو فوق العلوم البشرية، بالشكل الذي من شأنه أن يكون حاكما على كل شئ بما فيها العلوم البشرية نفسها، كما أن العدالة المطلوبة من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هنا هي في مصاف العصمة، وهذا ما يقتضي أن يكون المتمم لدور الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في شهادته على أمته له من العلم ما للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وله من العصمة الواجبة في هذا المجال عين ما لدى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وحيث إن جهة الحياة لا يمكن تأمينها من خلال فرد واحد، لهذا لا بد وأن يتعلق الأمر بجهة، أفرادها يتساوون في هذه الملاكات من حيث الأصل، وهذه الجهة يمكن لها أن تستمر بأداء دور الشهادة، من خلال التعاقب الحياتي.

جاء في الموسوعة الإلكترونية لمدرسة أهل البيت عليهم ‌السلام التابعة للمجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام: هناك آراء متباينة حول منشأ العصمة، فمنها: ما ذهب إليه الشيخ المفيد والسيد المرتضى في أنّ منشأ العصمة لدى الأنبياء والرسل هو اللطف الإلهي بحقهم. وقد جارى السيد المرتضى رأي الشيخ الطوسي وابن ميثم البحراني في منشأ العصمة عند الأنبياء بأنّها تنبعث من ملكة باطنية، أي ميزة يختص بها الأنبياء لاجتناب المعاصي مع التمكن منها، حيث لا ترتفع قدرة العمل بالمعصية، وبالرغم من القدرة على المعصية فإنّهم لا يرتكبون المعاصي أبداً. وذهب العلامة الطباطبائي إلى أنّ نشأة العصمة لدى الأنبياء هو علمهم الرّاسخ في وجوب الطاعة والبُعد عن المعصية الذي لا يزول عنهم أبداً، وهو ما لم يكن قابلاً للتحصيل هذا أولاً، وثانياً لا يقع صريع الشهوات. وذهب الملّا صدرا إلى أنّ العصمة لدى الأنبياء موهبة إلاهية، يختص بها الله بعض عباده المخلَصين في مواجهة القوى الشيطانية لا سيما الوهمية، بما عصم الله عباده المخلصين الذين أيّدهم بالعقل القويم والهداية إلى الصراط المستقيم.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك