الصفحة الإسلامية

حتميات الثورة الحسينية


 

  الشيخ خيرالدين الهادي الشبكي||

 

            واحدة من الأحداث التي غيرت مجرى التاريخ عبر العصور المتعددة ولا تزال تعمل على التغيير في المجتمعات والنفوس المختلفة وعلى المستويات المتعددة هي ثورة الحسين عليه السلام الخالدة, ومن أبرز النقاط التي ساعدت الثورة في نهضتها هي الحتميات التي اختصت بها, والتي حددها الحسين عليه السلام بنفسه حتى قبل وقوع الثورة وهذا الامر بحد ذاته فريدٌ؛ بل هي من معجزات الثورة وكراماتها التي لم تتوقف عند حدٍّ معينٍ وقد انتشرت في الاوساط النقيَّة بشكل واسع, واستقبلتها أصحاب الضمائر الحية بكثير من الاهتمام حتى صارت من أولوياتهم باعتبار أن  سعادة الدنيا والآخرة متوقفة عليها.             وقد ظهرت الحتميات بشكل واضح في الكلمة التي وجهها الحسين عليه السلام إلى أخيه محمد بن الحنفية وإلى سائر بني هاشم, إذ قال عليه السلام: (فأما بعد: فإنه من لحق بي منكم استشهد ومن لم يلحق لم يبلغ الفتح), وهذه الكلمة على قصر ألفاظها تحمل دلالات كثيرة ومغزى عميق, فقد حدد الحسين عليه السلام مجموعة من الأمور التي ستكون وبشكل قطعي وقد دلَّ على ذلك صيغة الماضي في قوله عليه السلام(استشهد), فقد استبشر عليه السلام بشهادة جميع من لحق به قبل وقوع يوم عاشوراء وهذه الحتمية التي صدرت عن المعصوم عليه السلام حيَّر العلماء فكيف له عليه السلام أن يتنبأ بشهادتهم وهو لم يصل كربلاء أصلاً, وهذا الأمر يؤكد علاقة الثورة بالسماء وأن الأمر جرى بتخطيط إلهي وتنفيذ حسيني, وقد أشار عليه السلام إلى ذلك بقوله: (خُيِّر لي ...وأنا ملاقيه), أي أن الله اختار ذلك وامتثل الحسين عليه السلام وكان مخيَّراً غير مضطر إلا إنه لمَّا عٌرِضت عليه المسألة وافق عليها إيماناً وأحتساباً.             وأما الحتمية الثانية التي دلَّت عليها ثورة الحسين عليه السلام فهي حتمية الفتح, وقد ظهر ذلك في قوله عليه السلام كما تقدم: (ومن لم يلحق لم يبلغ الفتح), فالحسين عليه السلام يؤكد حتمية الفتح, والفتح عند الحسين يكون بمستوى الشهادة, لذلك نجده عليه السلام يقيِّد الفتح بالشهادة, والظاهر من كلامه عليه السلام أن الفتح لم يكن عسكرياً؛ بل لم يكن من الحكمة أن يقصد الحسين عليه السلام ذلك؛ وإنما قصد عليه السلام بالفتح فتح العقول والقلوب لصوت الحق, فقد كانت الامة في سبات حقيقي في ظلَّ استهتار يزيد وبني أمية بالثوابت الاسلامية واستخفافهم بمقدرات المؤمنين, فلما قامت ثورة الحسين بدأ الناس بالتفكير, وعمدت الشخصيات والعشائر إلى النهضة بوجه يزيد وحكومته الفاسدة, فتوالت الثورات حتى أسقطت دولة بني أمية بشعارات الثأر والرضا لأهل البيت عليهم السلام ومحاولة اعادة الاسلام إلى الوضع الطبيعي الذي كان عليه في أيام رسول الله صلى الله عليه وآله.             والحتمية الكبيرة الثالثة هي حتمية العلاقة بين الشهادة والفتح, وهذا يعني أنه لولا الشهادة المباركة التي أقدم عليها الحسين عليه السلام لما تحقق الفتح, وبذلك يتبيَّن لنا اصرار الحسين عليه السلام في التوجه إلى كربلاء والعراق على الرغم من أن هناك العشرات الذين نصحوا الحسين عليه السلام, إلا إنه كان يُجيب في كل مرةٍ: (شاء الله أن يراني قتيلا وأن يراهنَّ سبايا), ونستدل على ذلك بالعطاء الكبير الذي قدَّمه عليه السلام من أجل الاسلام والمسلمين ليستقيم لهم الأمر ويسلمون على أمور دينهم ودنياهم.             والحتمية الأخرى والمهمة التي نقتبسها من كلمة الحسين عليه السلام هي أن هذا الفتح من النوع الذي لا يتكرر, فكما هو معلوم أن هناك أحداث لن تتكرر, فمثلا معركة بدر لا تتكرر بمعنى أن المسلمين لو كانوا منكسرين وخاسرين في بدر كان بذلك نهايتهم فالأمر لا يتحمل المرة الثانية, وكذلك ثورة الحسين عليه السلام فلو لو يكن هذا الفتح الحسيني لكان على الاسلام السلام؛ لأن خلفاء بني أمية زاغوا بالإسلام إلى الانهيار الخلقي والسياسي والاجتماعي؛ بل في جميع جوانب الاسلام الحقيقي حتى بلغ بهم الامر إلى اقامة صلاة الجمعة يوم الاربعاء, وزادوا على ذلك فقد كانوا خلفاء بني أمية يعاقرون الخمر ويلعبون القمار ويبحون النساء ويسامرون بالليل حتى يصبحون وقد هتكوا جميع الحُرمات؛ لذلك كان الامر يستلزم صيحة موجعة تردهم وتوقض الامة عليهم ليقفوا بوجههم وهذا ما حصل بالقيام المقدس الذي قاده الحسين عليه السلام وقدم فيها كل غالي ونفيس.         

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك