قالت السيدة فاطمة بنت أسد صلوات الله عليها حينما أخذها الطلق بأمير المؤمنين عليه السلام وهي أمام الكعبة المشرفة في يوم الثالث عشر من شهر رجب الأصب: أي رب إني مؤمنة بك وبما جاء به من عندك الرسول، وبكل نبي من أنبيائك وبكل كتاب أنزلته، وإني مصدقة بكلام جدي إبراهيم الخليل، وإنه بنى بيتك العتيق، فأسالك بحق هذا البيت ومن بناه، وبهذا المولود الذي في أحشائي الذي يكلّمني ويؤنسني بحديثه، وأنا موقنة أنه إحدى آياتك ودلائلك، لما يسرت عليّ ولادتي. (بحار الأنوار ٣٥: ٣٦)
صلوات الله عليك يا فاطمة بنت أسد أي عظمة فيك؟ ليختارك الله لمهمة جعلت جدران الكعبة تنشق من عظمتها لتكون صدى لزغاريد السماء التي توشك أن تحتفي بأعظم مولود جاء ليعاضد أعظم خلق الله ومن ثم ليكون أخوه ووصيه ووليه ووزيره ونجيّه وفاديه بل نفسه التي لا يماثلها إلا وليدك يا فاطمة.
أي سر فيك يا فاطمة بنت أسد؟ بحيث أن الله انتخبك لتحملي وليداً ما كان له إلا أن يكون قبلة لأولياء الله وأصفيائه، بل الفيصل بين الهدى والضلال، والعدل والجور، والشجاعة والجبن، والمروءة والخسة، والشرف والضعة، والعزة والذلة، والخير والشر، والإيمان والكفر، والولاء والنصب!!
أي لغز فيك يا فاطمة بنت أسد؟ بحيث أن الطلق لا يأتيك إلا في طوافك حول البيت الحرام، ولا يكون إلا جوف البيت لتضعي المولود الذي سيجسّد حقيقة الإقبال على الله، فمن المحال أن يكون الأمر قد حصل اعتباطاً!! وأي اعتباط وأي جزاف ونحن نرى الجدار الصخري ينشق لتدخلي فيه؟!!
حدثيني يا أيتها الطاهرة المطهرة يا فاطمة بنت أسد فلقد حيّر أمرك العقول وأبهر الألباب، فمن غيرك حمل هذا التكريم والتشريف فكنت معه فريدة الدهر وواحدة الزمن، اللهم إلا إيّاك!!
الكعبة هي قبلة الناس يا فاطمة، فهل تم استدعاؤك من بيتك إلى بيت الكعبة لتضعي فيه ما يجسّد للكعبة معناها، ويفكك رمزيتها، ويجلّي حقيقتها؟
هل هي صدفة أن يكون وليدك يا فاطمة بنت أسد الذي احتضنته الكعبة هو نفسه محطم الأصنام التي دنستها، ومجندل أئمة الكفر الذين حجبوا نورها، ومسفّه أحلامهم، ومحطّم آمالهم..
لا صدفة مع الله يا بنت أسد، ولا اعتباط في تقديره، ولا مجازفة في تدبيره، بل كل ما في الوجود مخلوق بقدر منه، ولذا أخبرينا يا فاطمة ما الذي جرى في داخل الكعبة حال إهلال وجه وليدها؟ يوم أن تنوّرت الكعبة بنور قبلتها، هل سجد لها عبودية لله أم سجدت له إقراراً بكرامتها على الله، فلا شك أن المكرّمين في الثالث عشر من رجب ثلاثة، فلقد أكرمك الله في ان تضعي حملك المكرم في البيت المكرم، ولتنالي المكارم الثلاثة التي ما نالها احد غيرك، ولقد أكرم الله الكعبة بان جعلها موضعا لولادتك ومهبطاً لوليدك ومسجداً له، ولقد كرّم الوليد العظيم بأن تكوني أماً له صلوات الله عليه وعليك ما سجد لله ساجد وركع راكع وصلّى مصل وقنت قانت ووحّد موحد...
إن البيان ليقصر يا بنت أسد في بيان أي عظمة لمقامك الذي وللأسف الشديد غالبية محبي وليدك العظيم لا يعرفونه، حتى أضحيت المنسية التي لا تذكر، والغائبة التي لا تحضر في زياراتهم وأدعيتهم وأذكارهم!!
وإن البلاغة لتعجز وتقر بالعي في أي وصف يمكن أن يصف الوليد والوالدة، وحينما قال الرسول الأعظم صلوات الله عليه وآله لوليد: يا علي لا يعرفك إلا الله وأنا، فلا مندوحة من أن نجد البلاغة في كامل عجزها وعيّها تحاول أن تصوّر بكلماتها وتنميقاتها وتزويقاتها ما تعبّر به عن مكنون الحب وخالص الولاء وشديد الإنتماء.
فهنيئاً لك يا ابنة أسد هذا التشريف الإلهي العظيم وهنيئا للكعبة وليدها الكريم، وهنيئاً لك سيدي ومولاي يا ولي الله الأعظم الحجة المنتظر ولكم يا شيعة أمير المؤمنين ومحبيه ولادة نور الإمامة وحامي الرسالة خليفة الله في أرضه ووصي رسوله من بعده، الإمام علي بن أبي طالب صلوات الله عليه أسأل الله أن يرزقنا وإياكم حسن العاقبة على نهجه ويعيننا على الإستنان بسنته ونصرة شرعته والبر بشيعته.
جلال الدين الصغير
https://telegram.me/buratha