اتهم القضاء اللبناني الرئيس الليبي معمر القذافي و16 آخرين من أركان نظامه باختطاف مؤسس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى في لبنان الإمام موسى الصدر ورفيقيه، الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين، أثناء وجودهم في ليبيا في العام 1978 وحجز حريتهم، وبإثارة الحرب الاهلية في لبنان.
وقرر المحقق العدلي القاضي سميح الحاج، في قرارٍ اتهامي أصدره أمس، عشية الذكرى الثلاثين لاختفاء الصدر ورفيقيه، إصدار مذكرات إلقاء قبض بحق القذافي والقادة الليبيين: المرغني مسعود التومي، أحمد محمد الحطاب، الهادي ابراهيم مصطفى السعداوي، عبد الرحمن محمد غويلة، محمد خليفة سحيون وعيسى سعود عبد الله المنصوري، وإحالتهم على المجلس العدلي في لبنان لمحاكمتهم سنداً الى المادة 569/218 من قانون العقوبات والمواد 317 و463 و454/213 و392/213 من القانون نفسه والتي تراوح عقوباتها بين الاشغال الشاقة والاعدام. وسطر المحقق العدلي مذكرات تحرٍ دائم توصلاً لمعرفة كامل هوية القادة الليبيين المدعى عليهم عبد السلام جلود، محمود محمد بن كورة، أحمد الاطرش، عيسى البعباع، عاشور الفرطاس، علي عبد السلام التريكي، أحمد شحاته، أحمد مسعود صالح ترهون، ابراهيم خليفة عمر، محمد بن علي الرحيبي والموريتاني محمد ولد دادا، بصفتهم شركاء في الجريمة.
وأوردت حيثيات القرار الاتهامي ان الامام الصدر ورفيقيه «كانوا في زيارة رسمية الى ليبيا في 31 آب (اغسطس) من العام 1978 بدعوة رسمية من السلطات الليبية للاجتماع بالعقيد معمر القذافي. واستبقوا في ليبيا رغماً عنهم بالرغم من اصرار السلطات الليبية على انهم غادروا الى ايطاليا. بحيث تبين من التحقيقات التي أجرتها النيابة العامة في ايطاليا أن من دخل ايطاليا لم يكونوا الامام الصدر ورفيقيه، انما كانوا أشخاصاً مزيفين انتحلوا شخصياتهم» وأن «قرار المدعي العام الايطالي ثبّت عدم صحة التحقيقات الليبية، وأن التحقيق الايطالي شمل كافة ركاب الرحلة 881 من طرابلس الى الغرب الى روما على متن طائرة (اليطاليا) وأن أحداً من الركاب لم يشاهد الامام الصدر أو أي رجل دين على متن الطائرة. كما ان الامام الصدر لم يرتد أي زي مدني».
وتحدث القرار الاتهامي عن نقاشٍ حاد حصل خلال الاجتماع بين الإمام الصدر والقذافي. وأن الأخير أصدر أمراً لمساعديه بأن «يأخذوهم» وأن المساعدين أقدموا حينها على اخفاء الامام الصدر ورفيقيه منذ ذلك الوقت حتى تاريخه.
وأكد أن «الحكومة الليبية تتحمل تبعات اخفاء وخطف الصدر ورفيقيه الموجودين على اراضيها. وهي اشتركت في المؤامرة المحاكة ضدهم لتغطية هذه الجريمة المتمادية. وإن ما فعله القذافي والمدعى عليهم الآخرون أثار الحرب الأهلية وحض على الاقتتال الطائفي بين اللبنانيين، ما يقتضي اتهامهم بالجرائم المذكورة أعلاه وإحالتهم على المجلس العدلي لمحاكمتهم».
يذكر ان الادعاء على القذافي وملاحقته أمام القضاء اللبناني كان تسبب بأزمة دبلوماسية بين البلدين مازالت مستمرة منذ خمس سنوات.
من جانبها دعت ليبيا الجامعة العربية والحكومة اللبنانية إلى التدخل لمنع ما وصفته بمحاولة بعض المغرضين الإساءة إلى العلاقات الليبية ـ اللبنانية عبر توجيه الاتهام إلى الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي وبعض مساعديه بالتورط في عملية الاختفاء المثيرة للجدل التي تعرض لها الإمام الشيعي موسى الصدر خلال آخر ظهور علني له في ليبيا عام 1978.
واعتبر عبد المنعم الهوني، مندوب ليبيا الدائم لدى الجامعة العربية، أن بلاده غير معنية مطلقا بما تردد أمس عن إصدار القضاء اللبناني المختص في قضية اختفاء الصدر للائحة اتهام رسمية يتهم فيها العقيد القذافي وليبيون آخرون . وقال الهوني لـ«الشرق الأوسط» إن تحركات القضاء اللبناني قد تؤدي إلى تدهور العلاقات الليبية ـ اللبنانية، مشيرا إلى أن الشعب الليبي لن يسكت على أي إهانة موجهة للقذافي أو أي محاولة لربط ليبيا بملف اختفاء الصدر.
واتهم مندوب ليبيا لدى الجامعة العربية بعض الشيعة في لبنان، من دون تسميتهم، بمحاولة تسميم علاقات الشعبين الليبي واللبناني عن طريق إثارة هذه القضية بشكل موسمي، مضيفا: «اعتدنا على هذه الترهات من هؤلاء في هذا الوقت تقريبا من كل عام، لكننا لا نعيرهم أي اهتمام».
وأوضح الهوني أن ليبيا طلبت سابقا من الجامعة العربية ودولا ذات علاقة بملف هذه القضية تشكيل لجنة محايدة لتقصي الحقائق فيما يتعلق بملابسات اختفاء الصدر، مشيرا إلى أن بلاده لم تتلق إلى الآن أي رد رسمي على هذا المقترح.
وأضاف «إذا كان البعض في لبنان حريصا هكذا على كشف مصير الصدر فلماذا تجاهلوا طلبنا بتشكيل هذه اللجنة؟ ولماذا لم يعلنوا موقفهم إزاءها؟».
وقال الهوني إن الإمام الشيعي موسى الصدر كان صديقا للثورة الليبية ولبعض مسؤوليها، وهو ما يدحض ـ على حد تعبيره ـ أي محاولة لتحميل ليبيا مسؤولية اختفائه.
وأضاف «نحن معنيون أيضا بمعرفة ما حدث للصدر لأن اختفاءه الغامض أتاح لبعض الأصوات الشيعية أن تتهمنا جزافا رغم أن التحقيقات التي أجرتها السلطات الليبية والإيطالية تؤكد أن الصدر غادر ليبيا بمحض إرادته إلى العاصمة الإيطالية روما».
ولمّح الهوني إلى أن بعض الشيعة في لبنان مستفيدون من تغييب الصدر وبالتالي يجب أن توجه إليهم أصابع الاتهام بدلا من ليبيا.
وقال «في أي جريمة السؤال المنطقي هو: من المستفيد منها، ليبيا ليست مستفيدة من إخفاء أو تغييب الصدر وليست لنا مصلحة في هذا الغياب مطلقا».
وشدد الهوني على أن الصدر كان يحظى بتقدير كبير في ليبيا باعتباره زعيما وطنيا وسياسيا لبنانيا ذا بعد قومي وعربي لا يمكن إنكاره، مؤكدا أنه ما كان ليذهب أساسا إلى ليبيا لو كانت لديه شكوك في معاملته معاملة كريمة واستقباله بما يستحقه.
وأكد الهوني حرص بلاده على إقامة علاقات تقوم على الاحترام والمصالح المتبادلة مع الدول العربية، لافتا إلى أن ليبيا تقف على مسافة واحدة من جميع الفرقاء اللبنانيين.
يشار إلى أن محكمة لبنانية منحت في شهر فبراير( شباط) الماضي مهلة للقذافي مدتها شهران للمثول أمام جهات التحقيق، وتم إرسال أوامر استدعاء رسمية إلى القذافي عبر القنوات الدبلوماسية.
https://telegram.me/buratha
