قضى بيتر هاردي، المحلل السياسي في بي بي سي، الشهرين الأخيرين في إعداد تحقيق عن الوهابية وهو التفسير الإسلامي السائد في المملكة العربية السعودية. وفي الجزء الأول الذي تبثه الخدمة العالمية لبي بي سي، يبحث هاردي فيما إذا كانت الوهابية قد ساهمت مع البترودولار في ظهور التطرف.
يقول لورنس رايت الحائز على جائزة بوليتزر عن كتاب له عن تنظيم القاعدة: "إن جوهر الوهابية هو التطهر. إنهم مهتمون فقط بالتطهر وهذا ما يجعلهم قمعيين".
ويرفض الأمير تركي بن فيصل، الرئيس السابق للمخابرات السعودية والسفير السابق في لندن، بقوة هذا الاتهام ويقول: "من وجهة نظرنا في المملكة لا يوجد شئ اسمه الوهابية. إنه سراب".
لم يهتم السعوديون قط بلافتة "وهابيون" التي كانت تاريخيا، مصطلحا مسيئا يستخدمه الذين ينتقدونهم. وهم شديدو الحساسية لما يوجه إليهم من اتهامات بأنهم استغلوا العوائد الضخمة للنفط لتحويل مذهب ظهر في بيئة صحراوية إلى قوة عالمية.
الاتهام والاتهام المضاد
خلال الشهرين الماضيين تحدثت مع مسؤولين في الحكومة السعودية والجميعات الخيرية السعودية، وجميعهم اتفقوا على ان الحملة الموجهة لهم ظالمة. لقد استمعت إلى عدد من الخبراء العالميين الذين تجمعوا في بلدة ساحلية ريفية في هولندا، لمحاولة تعريف الوهابية والسلفية. واستمعت إلى عدد من كبار المحققين الأمريكيين وهم يصفون شكوكهم العميقة في الجمعيات الخيرية السعودية، وشعورهم بالإحباط وهم يتتبعون خيوط التمويل.
وقال لي المدعي الأمريكي باتريك فيتزجيرالد لماذا أصبح على قناعة بأن الجمعية الخيرية السعودية التي تتخذ لها مقرا في شيكاغو هي واجهة للقاعدة. وقد أغلقت السلطات الأمريكية الجمعية عام 2002. وبعد عامين خضعت جمعية خيرية سعودية اخرى هي جمعية "الحرمين" للتدقيق. وتوصلت السلطات السعودية والأمريكية إلى أن 10 من فروعها "تمول الإرهاب". إلا أن المحققين الأمريكيين كانوا يعجزون عادة عن تحويل شكوكهم إلى يقين عن طريق العثور على أدلة قاطعة. وهذا ما يزيد من تشكك المسلمين السعوديين والأمريكيين في الاتهامات التي توجهها الحكومة الأمريكية.
ثقافة الكراهية
لقد فحصت دور الكتابات الوهابية، التي تستخدم في المدارس السعودية ويتم تصديرها إلى العالم كله، والتي تروج للشك في- وكراهية غير المسلمين. وطمأنني السفير السعودي في واشنطن، إلى ان سلسلة من الخطوات قد اتخذت في المملكة من أجل إصلاح نظام التعليم وغرس قيم التسامح.
إلا أن رجل التعليم السعودي حسن المالكي ليس مقتنعا بعد بما يقال عن هذه الخطوات الإصلاحية. وقد قال لي: "إنهم يدرسون للطلاب أن كل من يختلف مع التفسير الوهابي إما كافر أو منحرف ويجب أن يتوب أو يقتل". وأضاف أن هذا يعد اعتداء على نصف المجتمع السعودي، حيث تتعايش الطائفتان السنية والشيعية مرغمين مع المؤسسة الدينية الوهابية.
وقد قمت بزيارة الجمعية العالمية للشبان المسلمين، وهي جزء من المؤسسات الإسلامية الممولة جيدا التي أسسها الملك فيصل في الستينيات والسبيعيات.
شبكات الناشطين
وقد بنت تلك المؤسسات المساجد والمدارس وقدمت المساعدات الإنسانية للمسلمين المحتاجين. إلا أن هناك دليلا على أنه مع مرور الوقت، أصبح جزء من فروعها المحلية منغمسا في الشبكات المسلحة. ويعتقد برنارد هايكل، الأستاذ في قسم دراسات الشرق الاقصى بجامعة برنيستون، أن السعوديين انشأوا مؤسسات سرعان ما فقدوا القدرة على السيطرة عليها.
وقد بلغ التمويل السعودي للإسلام السياسي ذروته في الثمانينيات عندما مول السعوديون بالتعاون مع الأمريكيين وغيرهم، الجهاد ضد القوات السوفيتية في أفغانستان. لقد كانت الحرب في أفغانستان الوعاء الذي خرج منه تنظيم القاعدة. يقول البروفيسور هايكل: "لقد خرج الجني من الزجاجة، ولم يتمكن السعوديون من إعادته إليها مرة أخرى".
موقع الـ بي بي سي
https://telegram.me/buratha