الخطبة الثانية من خطبة الجمعة، 4 من ذي الحجة 1436هـ الموافق 18 سبتمبر 2015م لسماحة العلامة الشيخ محمد صنقور بجامع الإمام الصادق عليه السلام بالدراز:
أما بعدُ أيُّها المؤمنون: فإنَّ المتابعَ حين يقفُ على أدبيَّاتِ الجهات الرسميَّة وأدبيَّاتِ الكتابِ الواقعينَ في دائرة الجهاتِ الرسميَّة، وأدبيات الجمعياتِ السياسيَّة والفعالياتِ الشعبية وكذلك الشخصياتِ المشتغلة بالشأنِ السياسي أو الحقوقي فإنَّه يجدُ مساحاتٍ واسعةً مشتركةً بين خطاباتِ وأدبيَّات كلِّ هذه الجهات.
فكلُّ هذه الجهاتِ تؤمنُ بحسبِ أدبيَّاتها بضرورةِ الرعايةِ بل والحمايةِ لحقوقِ الإنسانِ الإنسانيةِ والسياسيةِ، فهي تُؤمنُ بحقِّه في الحريةِ والعدالةِ الاجتماعيةِ، وحقِّه في العيشِ الكريمِ، وحقِّه في المساواةِ، وحقِّه في التعليم والعمل، وحقِّه في النقدِ والتعبيرِ عن رأيِّه بالوسائِل السلميَّة، وحقِّه في الرقابةِ، وحقِّه في أنْ يكونَ شريكاً في اتَّخاذِ القرارِ، وحقِّه في التبوءِ لأيِّ منصبٍ إداري.
وكلُّ هذه الجهاتِ تتحدَّثُ عن ضرورةِ التعايشِ بين أبناءِ الوطنِ، وضرورةِ الحفاظِ على اللُحمةِ الوطنيَّةِ، وضرورةِ الأمنِ والاستقرارِ للجميعِ، وضرورةِ السيرِ بخطىً حثيثةٍ في مسارِ الإصلاحِ السياسيِّ والحقوقي، وضرورةِ الحمايةِ للمكتسباتِ والعملِ على التنميةِ المستدامة.
وكلُّ هذه الجهاتِ تتحدَّثُ عن نبذِ العنفِ والتطرُّفِ، ونبذِ الطائفيةِ والخطاباتِ التحريضيَّةِ، ونبذِ الفسادِ والاستحواذ، ونبذِ التهميشِ والإقصاءِ والتمييزِ بين مكوِّناتِ الوطن على أساسٍ طائفيٍّ أو عرقي، ونبذِ الاضطهادِ الشخصيِّ أو الدينيِّ، ونبذِ الازدراءِ بأيِّ مكونٍ سياسيٍّ أو اجتماعي.
هذه هي المضامينُ والشعاراتُ التي تطفحُ بها أدبيَّاتُ مختلفِ مكوِّناتِ الوطِن بما فيها الجهات الرسميَّة، إذن أينَ يكمُنُ الخلل؟! ولماذا تُراوحُ المشكلةُ مكانَها؟!
الواضحُ انَّ منشأَ الخللِ هو عدمُ الجديَّةِ في التفعيلِ لهذهِ الشعاراتِ والمضامين إذ لا ريبَ انَّه لو تمَّ العملُ بجدٍّ على تفعيلِها لكنَّا جميعاً بخير، ولكان الوطنُ ومستقبلُه ومستقبلُ أبنائِه بخير، ولكنَّا في منأىً عن نقدِ الآخرينَ الذين لا يملكونَ ما يملكُه أبناءُ هذا الوطنِ من اخلاصٍ لوطنِهم وحرصٍ شديدٍ على أمنِه واستقرارِه واستقلالِه وسيادتِه، وحرصٍ شديدٍ على نموِّه وازدهارِه وحمايةِ مقدِّراته وطاقاتِه البشريِة والاقتصادية.
فمكمنُ الخللِ هو الافتقادُ للجدِّيةِ والابتلاءُ بداءِ الانفصامِ بين الشعارِ والتطبيق، وثمةَ منشأٌ آخرُ هو الخشيةُ من التفعيلِ لهذه الشعاراتِ لهواجسَ يمكنُ التبديدُ لأسبابِها بيسرٍ لو اقتنعنا جميعاً بضرورةِ الانتقالِ والتحوُّلِ من هذا الوضع الذي نحنُ عليه إلى وضعٍ وواقعٍ آخر يتناسبُ ويتناغمُ ومقتضيات المضامينِ والشعاراتِ التي يتحدَّثُ الجميعُ عن ضرورةِ التمثُّل بها.
إنَّ الطريقَ الأقصرَ والأقلَّ كلفةً والأقدرَ على معالجةِ مشكلةِ البلادِ من جذورِها دونَ رجعةٍ هو التفعيلُ للشعاراتِ المذكورة والتي يرتضيها الجميعُ بحسبِ أدبيَّاتِهم، والجلوسَ للحوارِ لغرضِ التبديدِ للهواجسِ والمخاوفِ التي ليس لأكثرِ أسبابِها واقع. وأما الواقعيُّ منها فإنَّ عزائمَ الرجالِ قادرةٌ على التجاوزِ لها بيُسرٍ.
إنَّ بقاءَ الحالِ على ما هي عليه لا يحمَدُه العقلاء، ولا يُنهي الأزمة بل يؤكِّدُها ويُضاعفُ من تبعاتِها ويُلقي بظلالِه الثقيل على مجملِ الأوضاع الاقتصاديَّة والتنمويَّة والمجتمعيَّة.
وفي الختامِ أُجدِّدُ من منطلقِ الإخلاصِ للوطنِ الدعوةَ إلى اطلاقِ سراحِ سجناءِ الرأيِ دون استثناءٍ وفي طليعتِهم سماحة الشيخ علي سلمان فإنَّ اطلاقَ سراحِ هؤلاءِ يُعيدُ التفاؤلَ إلى أجواءِ الوطنِ ويخلقُ أرضيةً صالحًةً للبحث الجادِّ والبنَّاءِ عن المخارجِ المُفضيةِ للسموِّ بالوطن إلى حيثُ يطمحُ الجميع.
فليكن الاستئنافُ لمحاكمة سماحةِ الشيخِ علي سلمان فرصة لإلغاء كلِّ التهم الموجهةِ إليه فيكون ذلك رسالةً ايجابيَّة يتمُّ البناءُ عليها والتأسيسُ لواقعٍ ينتهي بالأزمة إلى حيثُ الانفراج التامِّ والكامل والقائم على قواعدَ ثابتةٍ ورصينة.
.............
https://telegram.me/buratha