المقالات

أخلقة الدوائر


حسن الهاشمي

مادمنا ندعي إننا على أمة الإسلام سائرون، وعلى إثر نهجه ماضون، لابد أن نتحلى بالأخلاق الإسلامية، التي هي بلا شك أخلاق إنسانية نبيلة مرموقة إنما بلغت ما بلغت من العلو والشرف بفضل سيرة الرسول والأفذاذ من ذريته وصحبه المخلصين، وطالما طفق الكتاب العزيز بوصف سيد المرسلين بالخلق العظيم، وطالما وصف الرسول بعثته بأنها جاءت لإتمام مكارم الأخلاق، والذي ينتسب لتك المدرسة لابد أن يقتبس منها ما يؤكد انتسابه هذا ولو بنسبة معينة، ومازالت الأخلاق الفاضلة تهتف بالإنسانية أن تتقمصها لكي ترتقي الكمالات ودونها خرط للقتاد. ونحن في زمن الديمقراطية ظهرت في أوساطنا نقيضها من الارستقراطية حيث نرى بعض الموظفين في الدوائر الحكومية وهو يجلس على كرسي الوظيفة وكأنه سلطان مارد! وطالما يجتر الظلم من قوم عاد وثمود ويتكبر على المراجعين ويستضعفهم ويستهين بهم، ويتصور أنه يحسن صنعا وأنه في منأى عن لوعة المظلوم وسخط الرب، والغريب أنه ومع كل هذا الإجحاف مع أبناء جلدته تراه يدعي الانتساب لمدرسة الرسول الأعظم وكأنما لم يقرأ سيرته الوضاءة! والحال أنه كان قائدا لأمة الإسلام وليس موظفا بسيطا في دائرة من دوائر الدولة!. وجاء عن أنس أنه قال: كنت مع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم، وعليه برد غليظ الحاشية، فجذبه أعرابي بردائه جذبة شديدة، حتى أثرت حاشية البُرد في صفحة عاتقه، ثم قال: يا محمد إحمل لي علي بعيريّ هذين من مال اللّه الذي عندك، فإنك لا تحمل لي من مالك، ولا مال أبيك، فكست النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ثم قال: المال مال اللّه، وأنا عبده، ثم قال: ويقاد منك يا أعرابي ما فعلت بي؟! قال: لا. قال: لِمَ؟ قال: لأنك لا تكافئ بالسيئة السيئة، فضحك النبي، ثم أمر أن يحمل له على بعير شعيراً، وعلى الآخر تمراً.هكذا كان سيد المرسلين المثل الأعلى في حسن الخلق، وغيره من كرائم الفضائل والخِلال، واستطاع بأخلاقه المثالية أن يملك القلوب والعقول، واستحق بذلك ثناء اللّه تعالى عليه بقوله عز من قائل: (وإنّك لعلى خلق عظيم).ولأننا لسنا ضربا من الخيال، ولأن فلسفة الوظائف في النظم والدساتير إنما دونت لإسداء الخدمة للمواطن وليس للتحكم بمصيره وإذلاله والتعالي عليه، فإننا بحاجة إلى ثورة أخلاقية في دوائر الدولة ترجعنا إلى أصولنا وأخلاقنا وتراثنا، وعلى جميع الموظفين العاملين في الدوائر الحكومية التحلي بالأخلاق الفاضلة، والابتعاد عن سوء الخلق، والابتعاد عن الرشوة والابتزاز والتكبر والاستهانة بحقوق الآخرين، فالإنسان إذا لم يلاحظ نفسه يتحول إلى طاغوت! والخطاب موجه إلى المسؤول من رأس الهرم إلى آخر شخص في الدولة، نحن بحاجة إلى ثورة أخلاقية في المدارس والجامعات والأسواق... ولابد من وجود نظم وقوانين تحفظ حقوق المواطن وتصون كرامته وهيبته لاسيما إذا راجع إحدى الدوائر الحكومية .. إننا بحاجة ملحة للعودة إلى الأخلاق الفاضلة .. المواطن العراقي بات اليوم يتأرجح بين التأزم السياسي ونقص الخدمات وجفاء المعاملة من بعض الدوائر الحكومية!! وعلى المسؤول أن يتحسس المعاناة التي يواجهها المواطن ولاسيما الفقير والمسن والمريض الذي يتقلب من أزمة إلى أزمة تزيده هما على همه وغما على غمه! والمسؤول مطالب بالذهاب إلى الأحياء الفقيرة والاستماع إلى مشاكل الناس ليقوم بحلها لا أن يجلس في برجه العاجي أو يتحكم بالمصائر والناس بحاجة إليه! فالتخفيف عن المواطن يتحقق بالمواصلة معه وتقديم الخدمات له ومعاملته بأخلاق طيبة لا فضة وببشر لا بعبس، طبعا ضمن ما يتيحه له القانون والأخلاق، وليعلم إن المسؤولية التي ترفع صاحبها إلى مصاف الأنبياء والعظماء هي تقديم الخدمة للناس لا التسلط عليهم وجرهم إلى متاهات المجهول. ولا بدع فالأخلاق الفاضلة هي التي تحقق في الإنسان معاني الإنسانية الرفيعة، وتحيطه بهالة وضّاءة من الجمال والكمال، وشرف النفس والضمير، وسمو العزة والكرامة، كما تمسخه الأخلاق الذميمة، وتحطّه إلى سويّ الهمج والوحوش، وليس أثر الأخلاق مقصوراً على الأفراد فحسب، بل يسري إلى الأمم والشعوب، حيث تعكس الأخلاق حياتها وخصائصها ومبلغ رقيها، أو تخلفها في مضمار الأمم، وقد زخر التاريخ بأحداث وعبر دلّت على أنّ فساد الأخلاق وتفسخها كان معولاً هدّاماً في تقويض صروح الحضارات، وانهيار كثير من الدول والممالك: وإذا أصيب القوم في أخلاقهم*** فأقم عليهم مأتماً وعويلا.حسن الخلق هو حالة تبعث على حسن معاشرة الناس، ومجاملتهم بالبشاشة، وطيب القول، ولطف المداراة، لا فرق في ذلك سواء أكان من الأب حيال أولاده وأهله أو من الموظف حيال مراجعيه أو البائع حيال المشترين، وكما عرّفه أحد عظمائنا حينما سُئل عن حدّه فقال: تلين جناحك، وتطيب كلامك، وتلقى أخاك ببشر حسن.من الأماني والآمال التي يطمح إليها كل عاقل حصيف، ويسعى جاهداً في كسبها وتحقيقها، أن يكون ذا شخصية جذّابة، ومكانة مرموقة، محبباً لدى الناس، عزيزاً عليهم، وإنها لأمنية غالية، وهدف سامي، لا يناله إلا ذوو الفضائل والخصائص التي تؤهلهم كفاءاتهم لبلوغها، ونيل أهدافها، كالعلم والأريحية والشجاعة ونحوها من الخلال الكريمة، والتي نأمل أن يتقمصها المسؤول في الدولة العراقية، ولا يحصل ذلك إلا من خلال انفجار قنبلة أخلاقية في دوائرنا لتقضي على كل فاسد متقطب الوجه وتبقي على كل صالح بشر المحيا والطلعة والخصال، هذا هو قدرنا طالما ننشد الدولة المدنية التي تحافظ على كيان البشر من النيل والانتهاك.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
صراحة صارخه فهل من اذان سامعه؟ تمتع ببرودة النكا
2010-07-20
ليست نكات بل لطاميات فهاتني اذنيك وصدق وقفت أحداهن على شبيك تكأكأ عليه طالبوا توقيع المسؤول الجوازي الرابض خلف الشباك ومحظوظ من يمكنه الاطلاع على وجهه من شدة التكأكأ والتدافع والتوسلات الصوتية والهمسيه تقدم لها شرطي وعرض لها ان يحصل لها على توقيع الرابض خلف الشبيك بمبلغ 15 ألف دينار لا غير؟ والباقي من الخبر في حلقات أخرى ألا تبكون كثيرا وتضحكون قليلا؟ بالمناسبه مر على الحادث قرابة السنه وكان في منطقة مقدسه؟ وتمنع الاسئله لطفا لئلايتوقف الرزق الســـــــــم؟ الاكفان ليس بهاجيوب؟؟
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك