علي محمد البهادلي
بعد أن كتبت الجمعية الوطنية الدستور الدائم للعراق تضمنت إحدى فقراته أن النظام السياسي في العراق هو نظام برلماني ، ولا شك أن النظام البرلماني فيه حسنات ، لكنه في الوقت نفسه فيه سيئات ، ومن ضمن سيئاته أن الكتلة البرلمانية الأكثر عدداً لا يمكنها تشكيل الحكومة إلا بأغلبية صعب تحققها ، وهذا ما يضطرها إلى الدخول في توافقات وتنازلات وغض النظر عن كثير من السلبيات ، فمثلاً ، إن أعضاء القيادات السياسية التي تتسنم مواقع المسؤولية في البلد والوزراء وأعضاء مجلس النواب كل هؤلاء يتمتعون بالحصانة ، وهذا ما يجعل الجهات المسؤولة عن أمن البلد والجهات الرقابية بل القضاء عاجزين عن محاسبة أي من هؤلاء إلا بعد أن ترفع عنه الحصانة ، وبما أن رفع الحصانة يحتاج إلى عدد من أصوات مجلس النواب حددها الدستور ، لذا يصعب رفعها ؛ لأن كتلة الشخص الذي يراد رفع الحصانة عنه ستمتنع عن رفعها ، مما يشكل عقبة في اكتمال النصاب القانوني ، وهناك شيء آخر هو خضوع عملية المحاسبة للمساومة السياسية بين الكتل . لم يقتصر الأمر على أصحاب الحصانة ، بل تعدى ذلك إلى وكلاء الوزارات والمدريين العامين وأعضاء مجالس المحافظات ، وقد شكل هذا الأمر كارثة جرت الويلات على الشعب العراقي ، فكلنا يعلم مدى الضرر الذي ألحق بالشعب العراقي جراء ذلك فمثلاً وزارة التجارة لم تزود المواطن الفقير بمفردات البطاقة التموينية ، وقد تعثرت الوزارة في وصول مادة السكر إلى المواطنين لمدة سبعة أشهر ، وقرب حلول موعد الانتخابات البرلمانية وصلت مادة السكر بقدرة قادر ، ووزارة الكهرباء تتوالى وعودها بزيادة " الميكاواط " والشعب لم يرَ منها سوى " الشعواط " المتدفق من سكراب المولدات والديزلات ، ووزارة الإسكان تعد بالقضاء على أزمة السكن ولم نرَ منها غير مجمعات سكنية توزع لأصحاب البطون المتخمة ، فهل تعثر هذه الوزارات في تقديم خدماتها للمواطنين هو محض إشكالات فنية وبعض الأخطاء هنا أو هناك ؟ أم أن الفساد المنظم في تلك الوزارات قد تسيد الموقف وأخذ ينهش بجسد الدولة ووزاراتها وبالتالي في مستوى الخدمة المقدمة للمواطن .إن ما نمر به هذه الأيام هو فترة من الممكن استغلالها واستثمارها ، إذ إن مجلس النواب لم تنعقد جلسته الأولى ، والحكومة الحالية بدأت تلفظ أنفاسها الأخيرة ، والسياسيون منشغلون في تشكيل الحكومة الجديدة وتوزيع المناصب السيادية ، وسط الاختلافات الحادة والمتأزمة يرافق هذه الحالة ضعف الكتل ، ليس بسبب قلة حجمها لكن بسبب التقارب في عدد المقاعد التي حصلت عليها في مجلس النواب ، مما يجعل الجهات الرقابية تتحرك بسلاسة في ملاحقة الفاسدين ؛ لأن أي موقف مساند للفاسدين سيُحسَب على تلك الكتل وهو ما لا تريده ، إذ هي الآن في مقام تلميع الصورة أمام الرأي العام والظهور بمظهر المدافع الأول عن آمال وتطلعات الشعب العراقي وليس المدافع عن الفاسدين . لقد بلغ عددالأشخاص ممن هم بدرجة مدير عام أو أعلى من الذين صدرت بحقهم مذكرات إلقاء القبض ، حسب الموقع الإلكتروني لهيئة النزاهة ، أكثر من 100مدير ، وأغلب هذه المذكرات لم تفعل ، ربما بسبب فني أو بسبب الضغوط السياسية التي تواجه الجهات الرقابية ، بيد أن هذه الفترة كما قلنا فرصة ذهبية يجب أن تستغلها الجهات الرقابية ، لأن المديرين العامين ووكلاء الوزراء هؤلاء أغلبهم قد جاؤوا على وفق المحاصصة وكانت الجهات التي رشحتهم لهذه المناصب تسندهم إذاما حصلت مساءلتهم ، فمن يحميهم اليوم ؟! أؤكد مرة أخرى أن الجهات الرقابية إذا استطاعت الآن تسيد الموقف وإثارة المدفون وحرق الأخضر واليابس في مراتع الفاسدين ، فإن الجهات السياسية لا سيما في مجلس النواب والحكومة المقبلة لن تستطيع الوقوف بوجه إجراءات هذه الهيئات مستقبلاً ، وسوف يكون موقفها موقف المهاجم القوي الذي ينقض على فريسته من موقع المتمكن وكما قيل في المأثور : (( اِغتنموا الفرص فإنها تمرُّ عليكم مرَّ السحاب )) .
https://telegram.me/buratha
