المقالات

عجائب الاكتشافات الصيفية


/ حافظ آل بشارة

كلما شهدت الساحة السياسية متغيرا جديدا أو تحالفا او حلحلة للجمود السائد في الاجواء استبشر الناس وهم لايستبشرون بتشكيل الحكومة لانه تحصيل حاصل ، بل يأملون تأسيس قيم سياسية وادارية جديدة ، يتجاوز بها الحاكمون أطواق الفشل والفساد التي احاطت بهم ، لم يعد ممكنا العثور على رمزيات قوية لاعادة التعبئة الجماهيرية في الشارع المحبط فقد استنفدت جميع اللافتات موضوعاتها الفئوية والمناطقية والمذهبية ، كان بعض المتسلقين يقولون للناس ان العراق متشض طائفيا او قوميا او مناطقيا ، وان صيانة وحدته بحاجة الى جهود وتضحيات ، ولكن الحقيقة كانت بالعكس تماما فالعراق موحد وتمزيقه يحتاج الى جهود كبيرة ، ازدادت مظاهر الوحدة الوطنية بعد الانتخابات لتكذب الادعاءات السابقة فالشعب العراقي شعب موحد لأنه يعاني كله من فقدان الكهرباء في الصيف اللاهب ، ويعاني كله من الارهاب والبطالة والفقر وأزمة السكن وأزمة الخدمات الصحية والتصحر والجفاف اليست هذه عناصر توحيد ؟ والنخبة السياسية ليست ممزقة كما يشاع في الاعلام التعبوي بل هي اكثر نخب العالم وحدة وتماسكا وهي دهن على دبس وعناصر الوحدة بين اعضاء النخبة واضحة فكلهم اثرياء وكلهم يتقاضون رواتب عظيمة ولديهم حمايات لاهثة وكهرباء دائمية وتبريد يجعلهم (مجرشين) آناء الليل وأطراف النهار فان ملوا من اجواء العراق فالسفر الى اوربا اسهل عندهم من السفر الى المحمودية ، طلبا للراحة والاستجمام بدون أي خرق دستوري ، وأغلبهم يحملون جنسيات بلدان أخرى ومحميون من الداخل والخارج والاعلى والاسفل ، فالشعب موحد لأن مصيبته واحدة ويتقاسم النوائب بعدالة ، والنخبة موحدة لانها تقتسم الغنائم بصمت ومن لا يشكر المخلوق لا يشكر الخالق ، يمكن اعتبار هذا الصيف صيفا سياسيا فقد تم تسييس درجات الحرارة وتسييس الكهرباء الوطنية وتسييس المولدات الاهلية ، هذا الصيف متآمر ومع انصباب عرق الضحايا الغزير افرز الصيف حقائق جديدة ، وحدة العراق كشعب معذب مقابل وحدة النخبة السياسية كمجموعة مترفة ، هذا الصيف لم يصهر جلود العراقيين فقط بل انصهرت تحت شمسه كثير من الخدع السياسية ، اغلب الاحزاب والواجهات لم تعد قادرة على تعبئة هذا الشعب وتفويجه لمكاسبها ، فالحر صهر جميع الشعارات التي ترفعها النخبة (المجرشة) بردا وسلاما ، الشعب العراقي كشف اوهام التعبئة الطائفية ، فالتجربة الراهنة قدمت الكثير من الحقائق حول هذا الموضوع الغامض ، فالتعبئة الطائفية لا وجود لها الا في الاعلام والمعركة الاعلامية عبر الاثير وعلى صفحات الصحافة ومنابر المساجد ، وعندما ينزل اصحاب الصراع الى الشارع ليترجموا التعبئة الطائفية الى مكاسب سياسية عامة وانتخابية تتحول التعبئة الطائفية الى تعبئة حزبية يدخل فيها حزب لينافس حزبا آخر وربما داخل الطائفة نفسها ، وفي المستوى الثالث تتدحرج التعبئة الى مستوى اضيق لتتحول الى تعبئة لقائد ضد قائد آخر في حزب واحد احيانا ، وعلى مستوى الفرد الحزبي هناك صراع ذاتي ازدواجي شيزوفريني ، فرد تائه قلق متذبذب خائف محبط ، آمن الجميع اذن أن التعبئة الطائفية رحلت و على صعيد الواقع لا توجد نخبة طائفية متماسكة أو قومية موحدة وقادرة على فرض خيارات محددة بل ان الصراع السياسي داخل الطائفة الواحدة والقومية الواحدة اشد ضراوة واخطر مآلا . هذا الصيف شهد سقوط تقاليد التعبئة الدعائية وكان افلاس العصابات الارهابية وتوقف تمويلها من وراء الحدود ابرز علامات هذا السقوط . لكن مسيرة افراز المفاهيم الجديدة ستستمر حتى لو جاءت الكهرباء الوطنية مع تهميش المولدات الاهلية وفرض المحال ليس محالا .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
احمد
2010-06-21
جزاك الله خيرا ووفقك لما فيه الخير والصلاح..فانت من الكتاب القلائل في الوكالة ممن يتحدث بدين وضمير,ما يؤدي بك الى الموضوعية والتجرد,ثم الابتعاد عن الفئوية والحزبية.اتمنى لصوتك واصوات امثالك ان تكون هي العليا,وكلمتكم هي المسموعة,فمقالاتك ومقالات الياسري هي التي تدفع الكثيرين لدخول الوكالة.لذلك نجدها تتهاوى وتتراجع لغلبة الصوت النشاز فيها.اتمنى لك كل الخير وبارك الله فيك.
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك