المقالات

تصحيح أوهام التبعية /


حافظ آل بشارة

هناك ملفات عراقية خالدة مفتوحة على الدوام قبل ملف الحكومة وبعده واثناءه ، منها ملف علاقات العراق مع دول الجوار ، قصة العراق مع جواره قصة لا مثيل لها جديرة بالتدوين والتوثيق ، فكل جار معاصر للعراق هو تأريخيا واحد من المحتلين القدامى ، فتركيا الحالية هي وريثة الاحتلال العثماني ، وايران الحالية هي وريثة الاحتلال الفارسي القديم ثم الصفوي الاحدث ، وسورية هي مهد نمو وتطور الشجرة البعثية الخبيثة التي تدلت اغصانها المشتعلة تنثر النار على العراق ردحا من الزمن ، والسعودية هي وطن الشريف حسين رمز الثورة العربية الذي انجب ملوكا يوزعهم على المنطقة باشراف لندن و فيصل من حصة العراق والعراق من حصة فيصل ، وهي ايضا مهد الوهابية المتطرفة وغاراتها البدوية على مدن العراق وعتباته المقدسة ، هذه ليست ذكريات سارة لهذا البلد مع جيرانه ، كل جار يشعر الآن بأن العراق مجرد جزء من تأريخه الاستعماري او العدواني ، هذه التصورات التأريخية تجعل الجيران يستخفون بالعراق واستقلاله وحقوقه ، ومع ذلك اذا كان من حق الجيران الخضوع لاوهام الهيمنة فلا يحق لهذا البلد ان يكون ضحية لتلك الاوهام ، المشكلة كامنة في بلد له قابلية والوقوع تحت تصورات الآخرين والتأثر بها ، العالم اجتاز تسييس الانتماءات فأصبحت تلك الحكاية اضحوكة في تقاليد الشعوب ومنظومتها الثقافية المتجددة ، اما في العراق فما زال المرض فعالا لصالح أوهام دول الجوار ، المشكلة ان الجمهور يتلقى هذا التسييس بقدر غير كاف من الغضب والرفض ، يساند تلك الاوهام أصوات تنطلق من خارج الحدود لتحول تلك الاوهام الى اهانات عندما يقال ان السني العراقي محسوب على السعودية ، والشيعي محسوب على ايران والتركماني محسوب على تركيا ، والكردي محسوب على ذكرى دولة مهاباد الانفصالية ، عندما يكون العدو ساذجا تكون اكاذيبه ساذجة وغير محبوكة وثتير الضحك ، قال كاتب اعرابي من اهل الخليج الامريكي ان اهالي جنوب العراق اصبحوا يتكلمون الفارسية وعملتهم التومان ! تصوروا مواطنا اسمه كاطع صيهود المحمداوي يرتدي العباءة والعقال فجأة يقرر ترك لغته العربية الام ليتكلم الفارسية ! لو كانت الجريدة الناشرة تحترم نفسها لما نشرت هذه الكذبة الصلعاء التي ليس لها غطاء ، يقسمون العراقيين تقسيم القطيع بين العواصم التي ترى نفسها متدادا لأمبراطوريات قديمة ، أما العراقيون فلأسباب غير معروفة يقفون عاجزين عن استلهام وتذوق معاني الهيمنة المماثلة في تأريخهم ، حذفوا من ادمغتهم ذكرى سحابة هارون الرشيد التي يخاطبها بالقول اينما تمطرين فخراجك لي ، بغداد كانت سيدة حقيقية ومالكة حقا أم باطلا للمشارق والمغارب ، لم تكن دول الجوار الحالي في ذلك الزمن سوى ولايات خانعة تابعة لبغداد وهي قلب العالم ، كانت مجرد أقاليم : نجد والحجاز ، الشام ، ديار بكر ، الاناضول ، بلاد فارس ، اقاليم بغدادية ادارة وخراجا وعسكرا وثقافة هيمنة عراقية حقيقية وليست وهما ، قابلة للاستحضار عند الضرورة فلماذا لانعتبرهم تابعين لنا فنقلب معادلة أوهام التبعية لصالحنا ونتصرف كما يتصرفون ؟ صحيح ان هذا النوع من التفكير يبدو اقرب الى التحشيش التاريخي ويجعل الناقد يقول بأننا أمة فاشلة تعيش على امجاد الماضي ولديها تصورات واوهام ولكن أرقى وهم من أوهامنا هو هذا التأصيل لقضية تبعية الآخرين لنا وليس تبعيتنا لهم ، مادامت الاوهام مرفوضة فلماذا اوهامهم حق واوهامنا باطل ؟ ان اوهامهم هي التي صنعت الفتنة التي كادت تلتهم العراق ، ان وضع قوانين لتنظيم علاقات العراق بجواره الاقليمي بتكافؤ وعدالة وانصاف وعدم تدخل ، يجب ان يسبقه تصحيح الاوهام واعادة الثقة الى الذات الوطنية حتى يشعر العراقي انه رمز أمة متبوعة وليست تابعة. أهل هذا البلد جديرون باللوم اكثر من جيرانهم لأن لهم قابلية التأثر بأوهام التبعية بدلا من نشر حقائق التفوق التأريخي لاسكات الآخرين .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
احمد عبد الله
2010-06-23
على مر تاريخنا تأتي فترات يكبو فيها العراق ومن ثم ينهض كالاسد من بين الركام....وان شاء الله عن قريب سينهض هذا الاسد وينفض غبار السنوات الماضيه في عيون كل من له يد في تأخير العراق ودماره
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك