المقالات

مشانق وزارة الكهرباء


حافظ آل بشارة

الغليان الصيفي العراقي جاء مبكرا هذه السنة فأطل علينا بنسيمه الجهنمي منذ أواخر شهر ايار ليسجل انتقال العراق الى منظومة الدول الاستوائية ، حرارة تصل الى خمسين درجة في بداية حزيران ، وفي بعض الايام الجهنمية يختلط اللفح الاستوائي مع غبار كثيف جدا اذا اخرج يده لم يكد يراها ، وفي الليل الذي يجتمع فيه الحر والعجاج يظهر البشر وكأنهم مخلوقات خرافية على حافة الفناء يجودون بأنفسهم مترددين بخطو وئيد ووجوه مرهقة شاحبة على السلالم بين داخل البيت المظلم الملتهب وبين السطح المغبر الساخن فويل لمرضى الربو من عذاب يوم عظيم تراهم سكارى وماهم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ، في مثل هذه الايام يدرك سكان البلد المشوي ان المحنة اخطر وابعد مدى واوقع اثرا ، أي بلاء هذا ، سقطت سمعة المهفة ثم سقطت مكانة المروحة السقفية ، وبعدها سقطت مبردة الهواء التي اصبحت تنفخ على الضحايا بخار ماء ساخن اذا جاءت الكهرباء سهوا ، ومن يلجأ الى الاغتسال لتبريد جسمه يجد الماء وقد تحول الى حميم آن ، فهو بحاجة الى تبريد قبل ان ترشه على جلدك المشوي ، كان سكان هذا البرزخ العراقي المرعب سابقا يتذكرون شيئا اسمه وزارة الكهرباء ، ولكنهم في ايام الشوايات الاخيرة نسوا هذا الشيء واصبح بالنسبة لهم مخيفا ، قيل لنا ان الوزارة متهمة بالفساد قلنا : حاشاها ، حاشاها ، بل نحن الفاسدون ، كم هي موازنة الوزارة لهذه السنة وزعوا نصفها الى موظفيها كبارا وصغارا واعتذروا منهم مقابل أن يحققوا لنا ست ساعات يوميا من الكهرباء الوطنية ، وبعد المقترح تضائل تجهيز الكهرباء في بغداد الى مايقارب الصفر ، كان بودنا ان نسمع من هذه الوزارة أحدا يقول لنا عظم الله لكم الاجر ، بدل ذلك راقبنا تحولات تلك الوزارة تسير بالمقلوب ، من يشاهد اعمدة الكهرباء عندنا سيراها وقد تقطعت اسلاكها وتنصلت عوارضها ولم تعد تلك الاعمدة واقفة بل هي بين راكع وساجد ومترنح ، بعضها بلا اسلاك ، مرعبة المنظر في الظلام ووسط العواصف الترابية ، كان القمر يلفظ انفاسه الاخيرة وسط عاصفة ترابية ليلية تشوي الوجوه ، كان ضوؤه شحيحا والظلام مخيما في ذلك الشارع البغدادي وعمود الكهرباء ينتصب وسط الظلام كأنه مشنقة ، ازداد التشابه بين عمود الكهرباء والمشنقة في اعماق الظلام بعد ان صرحت وزارة الكهرباء بأنها ستعاقب الذين يتجاوزون على الشبكة الوطنية بعقوبات تصل الى الاعدام ، فوزارة الكهرباء اصبحت بعد هذا التصريح مؤسسة ارهابية ، فهي تتولى القضاء وهي المحامي وهي الجلاد واعمدتها هي المشانق ، ولكن فقرة واحدة في بيانها الارهابي لم تكن واضحة فما هو المقصود بالتجاوز على الشبكة الوطنية هل المقصود سرقة الاسلاك او سرقة الاعمدة ؟ ولماذا يسرقونها ؟ انها مفيدة اذ يمكن ان تحط عليها العصافير وتستريح ، الحمد لله الذي رزقنا وزارة كهرباء قمعية بدل ان توفر لنا التبريد في هذا الجحيم تعدنا بعقوبة الاعدام اذا تجاوزنا على الشبكة حفاظا على راحة العصافير فهنيئا للعصافير ، وعندما يذهب اهالي المعدومين لتسلم الجثث من دائرة الطب العدلي سيجدون مع كل جثة لائحة الحكم فهذا معدوم لانه فجر سيارة مفخخة ، وهذا معدوم لانه يعمل في شبكة ارهابية ، والثالث معدوم لانه تجاوز على شرف شبكة الكهرباء الوطنية ، هذا فن رفيع في العمل السياسي ، فالصراع بين الشعب والوزارة وصل الى طريق اللاعودة ، ومن الصعب السكوت على هذه الوزارة وقد مات كثير من الناس عندما وصلوا مرحلة الشوي والتفحم وهم في بيوتهم ، لا يمكن اقناع ابناء العشائر بالتخلي عن ثاراتهم وقد رحل الكثير من كبارهم تحت لفح السموم والغبار الليلي والوزارة ضالعة في الجريمة ، هذه هي الاسباب التي جعلت الوزارة تحكم بالاعدام على سكان هذا البلد السعيد وتصيبهم بالهلع وتجعلهم يرون في كل عمود كهرباء مشنقة ، انه فن خاص يستند الى قاعدة اعدمك قبل ان تعدمني ومن لم يمت بصيف الوزارة مات بفتوى الاعدام الصادرة عنها ، ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
Ali albawi
2010-06-17
هل يقرأ السيد رئيس الوزراء ما يكتب عن وزارة الكهرباء ووزيرها ؟ أو هل لدى السيد رئيس الوزراء مستشار أو أكثر ينقل له مصيبة الناس بهذه الوزارة اللعينة و بوزيرها ال...؟؟ المفروض أن يحس السيد رئيس الوزراء و مستشاريه بمعاناة الناس حتى يتحركوا لأنقاذ الناس !! أنا أضيف الى مقالة الكاتب المحترم موضوع المخصصات التي تصرف لموظفي الكهرباء ظلما و عدوانا !! و هي بالمليارات شهريا !! العدل و المنطق يدعو الى ايقاف صرف هذه المخصصات لأنها صرف بدون وجه حق !! أين دائرة النزاهة و ديوان الرقابة المالية من الحالة ؟
ابو حيدر الموسوي
2010-06-16
بارك الله في غيرتك على المحروقون بنار الأرهاب وبنار الكهرباء اخي صاحب المقال انضر الى صلفهم يهددون الناس بزيادة اجور الكهرباء يسرقونا مرتين مرة يسرقون ميزانية الوزارة ومره يسرقون الشعب بفواتير الكهرباء التي ماعادت تاتينا حتى في احلامنا فهم قتلة وسراق ولعنة الله على من يدافع عنهم وعن كل فاسد والساكت عن جرائم المفسدين شيطان مثلهم وتبت يدا ابي لهب وتب
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك