علي حسن الشيخ حبيب
في هذا الجزء سوف نركز الحديث على قصة النبي ادريس علية السلام الذي ورد ذكرة في القرآن {واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صدِّيقاً نبياً } ،كان اسمه أُخنوخ وهو من أجداد نوح عليهما السلام على ما ذكر في سفر التكوين من التوراة، وإنما سميَ بأدريس لكثرة اشتغاله بالدرس كما اوردة السيد الطباطبائي في تفسير الميزان...
وورد ايضا ذكره في قوله تعالى { ورفعناه مكاناً علياً } أن المراد بالمكان العلي الذي رفع إليه درجة من درجات القرب إذ لا مزيَّة في الارتفاع المادي والصعود إلى أقاصي الجو البعيدة أينما كان...
وقد سرد السيد الطباطبائي في تفسيرة الميزان هذا البحث الروائي عن قصة ادريس علية السلام :-
حيث لخصته بما يلي :-
(ومن الروايات الواردة عن الباقر عليه السلام . أنه كان بدء نبوة إدريس عليه السلام أنه كان في زمانه ملك جبار، وركب ذات يوم في بعض نزهه فمرّ بأرض خضراء نضرة أعجبته فأحب أن يمتلكها وكانت الأرض لعبد مؤمن فأمر بإحضاره وساومه فيها ليشتريها فلم يبعها ولم يرض به فرجع الملك إلى البلدة وهو مغموم متحير في أمره فاستشار امرأة له كان يستشيرها في هامة الأُمور فأشارت عليه أن يقيم عليه شهوداً أنه خرج عن دين الملك فيقتله ويملك أرضه ففعل ما أشارت إليه وغصب الأرض...
فأوحى الله إلى إدريس أن يأتي الملك ويقول له عنه: أما رضيت أن قتلت عبدي المؤمن ظلماً حتى استخلصت أرضه خالصة لك وأحوجت عياله من بعده وأجعتهم؟ أما وعزتي لا نتقمن له منك في الآجل ولأسلبن ملكك في العاجل، ولأخربن مدينتك ولأذلن عزك ولأطعمن الكلاب لحم امرأتك...
فأتاه إدريس برسالة الله وبلّغه ذلك في ملاء من أصحابه فأخرجه الملك من مجلسه ثم أرسل إليه بإشارة من امرأته قوماً يقتلونه، فانتبه لذلك بعض أصحاب إدريس وأشاروا عليه بالخروج والهجرة فخرج منها ومعه بعض أصحابه ثم ناجى ربه وشكى إليه ما لقيه من الملك في رسالته إليه فأوحى إليه بالخروج من القرية، وأنه سينفذ في الملك أمره ويصدّق فيه قوله، ثم سأل أن لا تمطر السماء على القرية وما حولها حتى يسأل ذلك فاجيب إليه...
فأخبر إدريس بذلك أصحابه من المؤمنين وأمرهم بالخروج منها فخرجوا وتفرقوا في البلاد وكانوا عشرين رجلاً وشاع خبر وحيه وخروجه بين الناس، وخرج هو متنحياً إلى كهف في جبل شاهق يعبد الله فيه ويصوم النهار ويأتيه ملك بطعام يفطر به عند كل مساء ويكثر من الدعاء على قومة بحبس المطر عنهم فحبس الله عنهم المطر عشرون سنة...
فأوحى الله إلى الملك الذي كان يأتيه بالطعام أن يمسك عنه فأمسك عنه ثلاثة أيام حتى بلغ به الجوع فنادى: اللهم حبست عني رزقي من قبل أن تقبض روحي فأوحى الله إليه يا إدريس جزعت أن حبست عنك طعامك ثلاثه أيام ولم تجزع من جوع أهل قريتك وجهدهم منذ عشرين سنة ثم سألتك أن تسألني أن أُمطر عليهم فبخلت ولم تسأل فأدّبتك بالجوع فاهبط من موضعك واطلب المعاش لنفسك فقد وكّلتك في طلبه...
فهبط إدريس إلى قرية هناك ونظر إلى بيت يصعد منه دخان وإذا عجوز كبيرة ترفق قرصتين لها على مقلاة فسألها أن تطعمه فقد بلغ به جهد الجوع فقالت: يا عبد الله ما تركت لنا دعوة إدريس فضلاً نطعمه أحداً ، وقالت أنها لا تملك غيره شيئاً فاطلب المعاش من غير أهل هذه القرية، فقال لها: أطعميني ما أُمسك به روحي وتقوم به رجلي حتى أطلب، قالت: إنهما قرصتان واحدة لي والأُخرى لابني فإن أطعمتك قوتي متُّ وإن أطعمتك قوت ابني مات ، وليس ها هنا فضل قال: إن إبنك صغير يجزيه نصف قرصة فأطعمي كلاً منا نصفاً يكون لنا بلغة فرضيت وفعلت....
فلما رأى ابنها إدريس وهو يأكل من قرصته اضطرب حتى مات، قالت أُمة: يا عبد الله قتلت ابني جزعاً على قوته فقال: لا تجزعي فأنا أُحييه لك الساعة بإذن الله وأخذ بعضدي الصبي وقال: أيتها الروح الخارجة عن بدنه بأمر الله ارجعي إلى بدنه بإذن الله وأنا إدريس النبي، فرجعت روح الغلام إليه
فلما سمعت أُمه كلام إدريس وقوله: أنا إدريس ونظرت إلى ابنها حيّاً قالت: أشهد أنك إدريس النبي وخرجت تنادي بأعلى صوتها في القرية: أبشروا بالفرج فقد دخل إدريس في قريتكم، فمضى إدريس حتى جلس على موضع مدينة الجبار الأول فاجتمع إليه أُناس من أهل قريته واسترحموه وسألوه أن يدعو لهم الله الغيث ..
قال: لا، حتى يأتيني جباركم هذا وجميع أهل قريتكم مشاة حفاة فيسألوني ذلك
فانطلقوا إليه وأخبروه بما قال وسألوه أن يمضي إليه هو وجميع أهل القرية مشاة حفاة ويسألوه أن يسأل الله أن تمطر السماء، فأتوه حتى وقفوا بين يديه خاضعين متذللين وسألوه أن يسأل الله أن تمطر السماء عليهم، فعند ذلك دعا إدريس أن تمطر السماء عليهم فأظلَّتهم سحابة من السماء وأرعدت وأبرقت وهطلت عليهم من ساعتهم حتى ظنوا أنه الغرق فما رجعوا إلى منازلهم حتى أهمَّتهم أنفسهم من الماء). انتهى البحث الروائي
وفي الكافي بإسناده عن الصادق عليه السلام: في حديث يذكر فيه مسجد السهلة: أما علمت أنه موضع بيت إدريس النبي الذي كان يخيط فيه...
وفي الدر المنثور أخرج ابن المنذر عن عمر مولى غفرة يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن إدريس كان يرفع له وحده من العمل ما يعدل عمل أهل الأرض كلهم فأعجب ذلك ملك الموت فاستأذن الله في النزول إلى الأرض وصحبته فأذن له فنزل إليه وصحبه فكانا يسيحان في الأرض ويعبدان الله فأعجب إدريس ما رآه من عبادة صاحبه من غير كسل ولا فتور فسأله عن ذلك وأحفى في السؤال حتى عرفه ملك الموت نفسه وذكر له قصة نزوله وصحبته....
فلما عرفه إدريس سأله ثلاث حوائج له: أن يقبض روحه ساعة ثم يردها إليه فاستأذن الله وفعل، وأن يريه النار فاستأذن وفعل، وأن يريه الجنة فاستأذن وفعل فدخل الجنة وأكل من ثمارها وشرب من مائها فقال له ملك الموت: أخرج يا نبي الله فقد أصبت حاجتك، فامتنع من الخروج وتعلق بشجرة هناك، وقال: { وما هم منها بمخرجين } ولست أخرج من الجنة بعد دخولها فأوحى الله إلى ملك الموت خصمك عبدي فاتركه ولا تتعرض له فبقي في الجنة..
قال القفطي في كتاب إخبار العلماء بأخبار الحكماء في ترجمة إدريس : يسمّى ادريس عليه السلام بهرمس ، اختلف الحكماء في مولده ومنشأه وعمَّن أخذ العلم قبل النبوة فقالت فرقة: ولد بمصر وسموه هرمس الهرامسة، ومولده بمنف، وقالوا: هو باليونانية إرميس وعرّب بهرمس، ومعنى إرميس عطارد، وقال آخرون: اسمه باليونانية طرميس، وهو عند العبرانيين خنوخ وعرّب اخنوح، وسماه الله عز وجل في كتابه المجيد إدريس....
وقالت فرقه أُخرى: إن إدريس ولد ببابل ونشأ بها وأنه أخذ في أول عمره بعلم شيث بن آدم وهو جد جد أبيه لأن إدريس ابن يارد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث...
قال الشهرستاني: ولما كبر إدريس آتاه الله النبوة فنهى المفسدين من بني آدم عن مخالفتهم شريعة آدم وشيث فأطاعه أقلهم وخالفه جلهم فنوى الرحلة عنهم وأمر من أطاعه منهم بذلك فثقل عليهم الرحيل من أوطانهم فقالوا له: وأين نجد إذا رحلنا مثل بابل؟ وبابل بالسريانية النهر....
وأقام إدريس ومن معه بمصر يدعو الخلائق إلى طاعة الله عز وجل، وتكلم الناس في أيامه باثنين وسبعين لساناً، وعلّمه الله عز وجل منطقهم ليعلّم كل فرقة منهم بلسانها، وجمع له طالبي العلم بكل مدينة فعرَّفهم المدنية، وقرّر لهم قواعدها فبنت كل فرقة من الأُمم مدناً في أرضها، وكانت عدة المدن وعلّمهم العلوم، وهو أول من استخرج الحكمة وعلم النجوم فإن الله عز وجل أفهمه سر الفلك وتركيبه ونقط اجتماع الكواكب فيه وأفهمه عدد السنين والحساب ولولا ذلك لم تصل الخواطر باستقرائها إلى ذلك...
المصادر
1-تفسير الرحمن السيد عبد الاعلى السبزواري
2-تفسير الميزان للسيد الطبطبائي
3-التفسير الكبير للفخر الرازي
4- الملل والنحل الشهرستاني
5- كتاب إخبار العلماء بأخبار الحكماء.
https://telegram.me/buratha
