المقالات

الفضائيات العربية والعراقية.. رفقا بالمرأة.. والمجتمع


بقلم: علي الفحّام

نكاد نتفق جميعا أن للمرأة حق المساهمة في بناء المجتمع، وممارسة دورها الايجابي التنموي والفكري والريادي، لتتخطى مرحلة القصور الذاتي لديها وتصحح حالة قصور الرؤية العامة اتجاهها، ومن لا يريد إطلاق اليد في تغيير واقع المرأة الاجتماعي والسياسي والفكري، لتتمكن من مغادرة خانة التخلف والانكسار والمهانة، ونسيان عهود الرق والعبودية، وإلغاء التبعية للجنس الآخر؟.. ولأن المرأة كائن يستطيع التأثير في الآخرين وبوسائل مختلفة؛ أكثر من الرجل؛ لذا كانت موضع اهتمام الأديان والأعراف والتقاليد والأيدلوجيات، ما بين محافظ عليها ومحرر لها، وحسب منظور كل طرف منهم. فمعظم الأديان السماوية حاولت الحفاظ على المرأة في عصور البساطة والبدائية، التي عاشتها البشرية في فترة نزول الأديان وبعث الرسالات السماوية، والتي حثت على تعليمها، ولو بالشيء اليسير، وتحريرها من رق العبودية وتحصينها من الرذيلة، ومن خطر الانزلاق وراء الموبقات، وكذلك الأعراف والتقاليد القبلية والعشائرية، ورغم النظرة الدونية التي أطرت بها المرأة، فأنها تعتبرها في مواضع أخرى، الشرف، والعرض الذي يجب أن لا يمس بأي حال من الأحوال. والشيء ذاته مع العقائد والمدارس الفكرية الحديثة، والمنظمات التي تحاول الوصول إلى المجتمع، عبر الوصول أولا إلى المرأة.. فمثلا منظمة التربية والثقافة والعلوم ( اليونسكو ) التابعة للأمم المتحدة، توجه رعايتها وتوجهها نحو تعليم المرأة، منطلقة من رؤيا أن تعليم المرأة هو الأساس لتعليم الأسرة، وتهيئة وإعداد الأطفال في المستقبل، أي باعتبار أن الأسرة المتعلمة، تعد نواة المجتمع المتحضر. وهناك العديد من الجهات الداعمة لهذا التوجه، منها: صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة، والمعهد الدولي للأبحاث والتدريب من أجل النهوض بالمرأة، واللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة. والمرأة المتوشحة ثوب الثقافة والعلم باتت تقنع الكثيرين، بأن معادلة التوزيع الاجتماعي للمهام ما بين الرجل والمرأة، قابلة الآن للتعديل وفق منظور القدرة والكفاءة بديلا لمنظور الجنس، والمرأة بدخولها قطاعات العمل المختلفة، أسقطت الكثير من قيم اللامساواة الجنسية، وتحولت من جبهة المناهضة إلى ميدان إثبات الذات والأحقية بولوج اغلب ميادين العمل، والصحافة والإعلام من هذه الميادين التي اقتحمتها المرأة العربية في أواخر عقود القرن الماضي، مع حاجة تلك المؤسسات، المُلحة إلى المرأة أسوة بالرجل، لان هنالك برامج وأفكار وأطروحات فكرية أو فنية تعد بمثابة الثوب النسائي الذي لا يليق بالرجل ارتدائه، فالبرامج الاجتماعية وبرامج الطفل والمرأة مثالا حيا لما ذكر، وغدا صوت المرأة في أثير الإذاعات الراديوية يضفي جذبا وحلاوة في آذان المستمعين، وأعمدة الصحافة الخاصة بالمرأة والطفل والمطبخ لا تجازف الأقلام الأخرى بمنافسة المرأة على الكتابة فيها. حينها حافظت المؤسسات الإعلامية الرسمية بالبلدان العربية على مظهر وسمعة المرأة العاملة لديها ولو بشكل ظاهري، وكانت تشترط المهنية، الثقافة العامة، حسن السمعة، معايير للقبول والاستمرار بالعمل لديها، إلا أن اتساع ساحة المنافسة وامتلاء الفضاء بعديد الفضائيات التجارية والموجهة والمحملة بالثقافات الدخيلة والمنحرفة في بعض منها، وتفرد أهل الغواية بالمتلقي، واستغلال حالة الإحباط والانكفاء لدى الشعوب العربية التي تعيش عصر مصادرة الحريات السياسية والفكرية، أدى إلى اختزال الحجم الحقيقي للمرأة، ببرامج وافكار وصور تعري جسدها وتعرض مفاتنها، بقصد استغلال المشاهد فكريا، عبر التشبث به لأطول فترة ممكنة، وتحولت حاليا المعايير المهنية والثقافية والخلقية إلى معايير إظهار المفاتن وإرضاء القائمين على القناة، وكنتيجة لهذا الانحدار الخلقي والمهني، استوعبت الفضائيات والإذاعات العراقية والعربية أعداد كبيرة من النساء وبمختلف الاختصاصات، وربما طغى الكادر النسوي من حيث العدد على الكادر الذكوري، لأسباب انخفاض الأجور والطاعة العمياء وتنفيذ الأوامر، وان كانت مخلة بالآداب العامة، والاهم هو تلبية الرغبات الشخصية لبعض إدارات تلك الفضائيات.. والقسم الآخر من إدارات الفضائيات من يفرض سياسات تسهم في شد المشاهد وتبقي قناته في دائرة المنافسة، على حد اعتقاده، من قبيل تهيئة برامج تتخطى حدود الذوق العام وتندرج ضمن قاعدة "المحظور مرغوب" كبرنامج الشعر الشعبي الماجن على قناة الفيحاء، برامج النكت الجنسية على قناة أورينت، وهناك من يطلب من هن التحدث بلكنة لبنانية متميعة كإدارة قناة الشرقية، أو من يثقف على اختلاط الجنسين وما وراء ذلك من شبهة، كما في برامج قناة السومرية ومنها عراق ستار! ومن ينتقي ملابس ضيقة ومتهتكة تظهر أجزاء مغرية من أجساد مذيعاته كما يحصل في قناة السومرية أيضا، بالضبط برنامج صباح الخير، وأتعجب هنا ما الذي أبقينه هؤلاء الفتيات لأزواجهن أو غرف نومهن!! بالتأكيد إن الجهات التي تقف وراء استغلال المرأة في الأوساط الإعلامية من إدارات ومؤسسات، تسعى إلى تحقيق عدة مآرب، منها ما هو تجاري، على طريقة الانتشار والتسويق، ومنها ما هو تنافسي وإن كان بطريقة تتعدى شرف المهنة وأخلاقيات العمل، ومنها ما هو ثقافي، أي تعميم الظاهرة وجعل المجتمع معتاد ثم متقبل لها، وعلى طريقة حرق المراحل إلى أن يتم الوصول إلى نهاية المطاف.. حينها سنجد في وسائل الإعلام، أن المرأة مجردة تماما على شاشات الفضائيات وأغلفة المجلات والصحف العربية، وهذا فعلا تم خلال الفضائيات التي تناولت فضائح الفنانات العربيات، وكانت معظمها فضائح مخلة بالآداب، كفضائح هيفاء وهبي والراقصة دينا أو الصحف التي تنشر صور فتيات الغلاف بهيئة غير محتشمة، وهي لا تحتاج إلى تحديد، لان معظم المجلات والصحف حاليا، تنشر أخبار وصور الفنانات والراقصات العربيات شبه العاريات، على الغلاف أو في الصفحات الأخيرة، والآن هناك أفكار جديدة: على شكل مجموعة من الفضائيات منها قناتي تعارف ودردشة، تبث مقاطع ترغيب للاتصال بهواتف فتيات على استعداد لإقامة علاقات عاطفية.. ورغم غواية هذه الجهات المنحرفة لأعداد كبيرة من الفتيات للعمل في قنواتها ومؤسساتها أو متابعة برامجها، إلا أن العائلة العراقية استيقنت خطورة ظاهرة استغلال المرأة وتسويقها إلى الآخرين، ملمعة شكلا ومظهرا وبلا مضمون أو هدف.. واتسمت ردة فعل العائلة بالقوة اتجاه هذا الاستهتار الأخلاقي والاستخفاف بعادات وتقاليد المجتمع العراقي، الذي عرف بعفة نسائه وغيرة رجاله، ورفضه لكل أشكال الانحلال والتهتك الأخلاقي.. إذ أصبحت معظم العائلات تتحفظ على مشاهدة هكذا قنوات تبتذل المرأة، وتقدمها بطريقة دعائية وضيعة، وينأى أفرادها عن مشاهدتها أو إقصائها من قائمة القنوات المفضلة.ولعل قنوات الالتزام والاعتدال وعلى قلتها حاليا، مقارنة بقنوات الشذوذ والانحراف، كانت ولاتزال متنفسا لمن ضاق ذرعا من الإعلام التجاري الفاضح، والساعي إلى إخراج الفرد والمجتمع من طباعه وسليقته، إلى عادات وطبائع غربية منحرفة، بحجة التعولم ومسايرة العصر.. وكأنهم ينتقون من العولمة ما هو أفضل، من اختلاط مشبوه بين الجنسين وخلاعة وتهتك، وينبذون ما لا يليق، من تكنولوجيا وديمقراطية وحرية حقيقية!! أحمد الله تعالى على اجتهاد المخلصين ووعي الصالحين اتجاه مكر الماكرين من أهل الغواية والانحراف، وصد مخططاتهم التخريبية والهدامة، والتي ما انفكوا يحاولون التغلغل إلى دائرة عفة المرأة المسلمة من جهة، والى ملكة غيرة الرجل المسلم من جهة أخرى، وهم يتباكون دوما على حرية المرأة وسفورها، وهذا إعلامهم ينطق بأفكارهم المنحرفة، لم يخطو بالمرأة والمجتمع نحو التقدم والرقي بقدر تقهقرهم بالمرأة والمجتمع وعلى حد سواء، إلى مراتب التخلف والابتذال.. أخيرا أدعو إدارات قنوات أهل الغواية خصوصا من يدعي العراقية منها، العودة إلى انتمائه الوطني، كونوا أحرارا في دنياكم، واتركوا مستنقع الرذيلة وفكوا خيوط الغواية وارفعوا شبك الانحطاط من حول رقاب نساء وشباب وطنكم، من المعتقدين بخبائث عملكم، على أنها الحرية والتمدن المنشود.. اللهم لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا. انك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
ماهر الخزرجي
2010-05-27
أحسنت يا أخ علي, هل الأسم علي عبد الزهرة الفحّام - النجف ؟
ابو محمد
2010-05-26
احسنت اخي الحيدري من النجف الاشرف وقد كنت اريد ان اشير الى هذا الموضوع وعتبي على ابناء كربلاء الشهادة مثل هذا الامر كما لاتنسى ان الحرة قناة خطرة في مثل هذه البرامج منها سابقا بين جيلين و هن ومساواة وبرامج الحوارات حول الشاذين وهم يعلمون ان العراقي ينظر لمن يتكلم بصوت هاديء على انه نشاز فضلا عن الشذوذ والعياذ بالله واخيرا ماتعرضه من اراء للمدعو احمد القبنجي سليل العائلة الطاهرة للاسف الشديد الذي يحاول عبر مايسمى بالحداثوية اظهار ان الاسلام ناقص ... الخ لكن الشعب واعي انشاء الله ونحتاج جهود المفك
الحيدري
2010-05-25
كونوا أحرارا في دنياكم ...نعم ولاتستهتروا وتبحثون عن الرذيلة واظهارها بدلا من نشرها بين اوساط المجتمع المسلم الذي تكالبت عليه اغلب القوى الشريرة لهدم ماتبقى من صرح للفضيلة..قبل قليل شاهدت على الحرة عراق تقرير من كربلاء لمهرجان بمسمى"مهرجان الفن"تم عرض لوحات فنية فيما كانت بدايته اغنية مبتذلة عن الحب في مدينة ابي الاحرار (ع)ونهايته مثل بدايته,سؤالي للحرة كم مهرجان للفن الملتزم وكم مهرجان للكتاب الثقافي والعلمي اقيم في كربلاء الشهادة ولم تسلط عليه الضوء الحرة!والحر تكفيه الاشارة
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك