المقالات

المعارضة المغبونة


محمد رضا عباس الموسوي

ظهرت نتائج الانتخابات مرة أخرى وبدأت معها مسرحيات التوافقات السياسية وصراع القوى المهيمنة على الساحة. هذا المشهد لم يكن ليختلف كثيرا عن سابقه فلا زالت رغبات غالبية الشعب العراقي غير متحققة ولم يزل الخطاب السياسي لا يتعدى مرحلة الكلام نحو مرحلة التطبيق. ولا زال التغييب واضحا لطبقة واسعة من أبناء هذا الشعب كانت قبل زمن ليس بالبعيد مغيبة بين مطرقة وسندان الحاكم/ الدكتاتور. هذه الطبقة لم تكن أقل من أن توصف بالمعارضة بل لا نكاد ننصفها إذا أطلقنا عليها لقب المعارضة الصامتة أو معارضة الظل لأنها كانت في كثير من الأحايين فعالة إلى درجة لم تكد تصل إليها المعارضة الرسمية.

 ولو أخذنا على سبيل المثال المعارضة الشيعية الداخلية والتي كانت أوسع وأقوى جبهة تعرض لها نظام الدكتاتور قبيل الاجتياح الأمريكي فسنجد مثالا مغيبا عن ساحة الإعلام أرعب الدكتاتورية الصدامية لسنوات عدة حيث أمن تأثير المعارضة الرسمية (أو فلنقل معارضة الخارج) عليه ففترة نهاية الثمانينيات تمخضت عن انتفاضة كادت أن تطيح بعرشه لولا (الحكمة الأمريكية/ العربية) التي حالت دون ذلك فكانت المقابر الجماعية بداية لنهاية الدكتاتور نقطة قوية تضاف إلى معارضة الداخل وتساؤلا يبقى الى الآن دون إجابة من قبل المعارضة الرسمية/ الخارج: لماذا لم تنه المعارضة ما بدأت الانتفاضة؟؟ فالمعارضة الداخلية انتظرت المدد الموعود من الخارج ولكن بلا فائدة ف(غودو) الخارج لم يعد وبدلا من ان يتخلص الشعب من الدكتاتور أحكم الاخير قبضته على الشعب من جديد راسما خطا أحمر امتد على طول المحافظات السبعة جنوبي بغداد يضع الدكتاتور على دباباته خطوط الطائفية بأبشع ألوانها. ولكن ما يثير الاستغراب أنه سرعان ما انتفضت المعارضة من الداخل مستفيدة من الحصار الاقتصادي الذي ألقى بظلال ثقيلة على مرتزقة البعث فسلة القائد/ الضرورة بدت خالية وجيوبه كادت تصبح خاوية الا من ((بضعة مليارات)) بدأ يصرفها ببذخ على قصوره في حين يتضور العراق من الجوع. وكانت الحركة الفكرية الشيعية سمة بارزة لهذه الفترة أيضا وعادت النشاطات الاسلامية تتشكل من جديد مشكلة حضارة جديدة / قديمة ضغطت على الدكتاتورية المنهارة لتطرز أعمالها بمسيرات الاقدام نحو كربلاء والتي رد عليها الدكتاتور الحاكم ردا خجولا لا يكاد يرقى اليها لتظهر متزامنة معها معارضة مدوية جديدة وبأسلوب جديد لم يدرك الحاكم خطورته الا بعد ان ارتقى قياداته المنابر وهنا ترائت لمخيلته السبعينيات فقرر أن يغير من أسلوب الرد فاعتمد الغدر والتصفية الجسدية. ولكن هذه المرة لم تكن المعارضة من صنع القيادات بل لربما العكس فالقيادات الجديدة وجدت القاعدة الشعبية جاهزة هذه المرة متفقة معها على الكثير من المبادئ فقد نمت جميعها في الظل. وهكذا دواليك، لقد استمرت المعارضة حتى بعد تصفية بعض القيادات جسديا وظلت ملحمة الأربعين تتجدد بقراءات جديدة وهذه المرة لم يجد الدكتاتور من يستند عليه فقواته (منخورة) بالمعارضة الداخلية و(رجال الأمن) يتسابقون على تقديم الاجازات (من أجل أداء الزيارة وهنا برز السؤال المحير (من بقي ليكتب التقرير؟؟؟) شيئا فشيئا استطاعت المعارضة أن تفكك النظام الأمني وأسوار الحراسات المشددة واتجهت نحو كربلاء لتعلن أنها منتصرة. وهنا ... ومع شديد الأسف وقف الجميع ساكتين ... لم يتحدث أحد بشأن انهيار الصنم من الداخل. فلو كان الصنم على سابق عهده لما استطاعت أي دبابة مهما بلغت قوتها الحصانية أن تهزه ولكن (أمريكا المنقذة) لم تأت لتنقذ العراق بل جاءت لتنقذ ما تبقى من هيبتها المنكسرة أمام المعارضة الصامتة/الظل/الداخل فدخلت وارادت أن تسحب الصنم واذا به يتلاشى بمجرد أن لفوا الحبل حوله ذاك لأنه كانت في الحقيقة منخورا منذ عقد من الزمن.. فهل يأتي الوقت الذي تنصف فيه الحكومة (وهي معارضة الخارج السابقة) معارضة الداخل التي كانت الاساس لانهيار الدكتاتورية قبل 9/4/2003؟ أم هل أنها ستستمر بمحاولة ادارة دفة الحكم لوحدها معتمدة على جيلي شباب الستينيات والسبعينيات من القرن المنصرم اللذين ورغم خبراتهم العالية وجهودهم المشكورة سيبقون (شباب زمن فات) وهل ستحاول أن تتعرف على اساليب المقاومة الداخلية وخبراتها وهي التي كانت على تماس مباشر بأنظمة النظام القمعية واكتشفت طرقا لتفكيكها والمرور عبرها. وهل ستنظر المعارضة العجوز إلى المعارضة الشابة ببعض من الاحترام خصوصا أنها الوريث الرسمي لها؟؟؟ وهل تدرك القيادات التي تدير دفة الحكم في البلاد الآن أن أبنائها الذين ولدو وترعرعوا في المنفى لن يكون لهم الحظ الأوفر لتسنم القيادات المستقبلية خصوصا وأنهم لم يحتكوا بالتحديات السابقة أم أنهم سيكابرون ويقولون تلك المقولة المظللة القديمة (هذا الشبل من ذاك الأسد) غير مدركين أن وريثهم الوحيد والشرعي الذي سيكمل رسالتهم هو المعرضة التي نشأت يوما على آثارهم. أسئلة تجيب عليها الأيام ولكن المهم قبل هذا أن يفهمها سياسيو هذا البلد.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
نبيل البغدادي
2010-04-16
تسلم ايدك ويسلم السانك على هذا المقال الرائع بس وين اللي يمشي مع الحق على اساس استعمال العقل السياسي وليس الهمجية السياسية التي يتبعها اليوم الكثير من السياسيين والدول الاخرى . فوفقك الله يا اخي العزيز واتمنى من الله ان تتعض الدول بالذي يحصل الان في الدول بسبب مايقوم به السياسيون من اجل المصالح الشخصية ولا ينضروا الى المصلحة العامة خدمة للبلد ومن الله التوفيق والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
ابو حسنين النجفي
2010-04-16
بارك الله فيك يا اخي المعاصر هذا هو الحل السليم والذي سيكون في العقل السليم اشد على سدك حررنا من قيد الماضي فقد اختنقنا وكلنا امل بشباب المستقبل فهم من سيرجع لنا حقنا القديم فقد كبرنا وضاق صدرنا وتشتت افكارنا ولا تنسوا بعض الوقت الركون الى الفكر القديم ففيه العبر وفيه الحنكه وفقكم الباري تعالى لما فيه خير وصلاح
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك