المقالات

الفدرالية ... حماية العراق من التقسيم..!!

1589 06:58:00 2006-10-06

( بقلم : جواد السعيد )

لم يعد الوضع العراقي الجديد خافيا على أحد حيث لامفر من الأصرارعلى تنفيذ ماجاء به الدستور العراقي في هذه المرحلة العصيبة وهو قيام عراق ديمقراطي أتحادي فدرالي، في الوقت الذي تجهد فيه بعض القوى التي انخرطت في العملية السياسية مؤخرا في عرقلة تنفيذ مواد الدستور وإفشال المسيرة الديمقراطية وبالتالي انفراط عقد العملية السياسية ،وتحاول هذه القوى إلغاء ماجاء به الدستور من مواد تحدد شكل نظام الحكم في العراق وهذه القضية تهدد مستقبل الشعب العراقي بكل مكوناته ونذير شؤم لتقويض الجهود المخلصة وتدمير العراق على كافة المستويات،واذا كان لابد من تدارس الوضع فهو لايتعدى أحد الخيارات المتوقعة التالية:- الخيار الأول: وهو العودة الى نظام الحكم المركزي والذي أثبت من خلال ممارسته أنه نظام سبب المآسي للشعب العراقي بسبب تسلط الأقلية على السلطة في البلاد وتفردها وأنتجت الدكتاتورية التي تعدى بطشها الى خارج العراق كما أدخلتنا في نفق مظلم بعد أن كانت هي المسؤولة الأولى عن دخول القوات المحتلة وسوغت لأمريكا السيطرة على العراق وضياعه، وهذا الخيار تدعو إليه الأقلية التي فقدت السلطة وبعض المغرربهم تحت شعار وحدة التراب العراقي والتخويف من التقسيم وهم بدعوتهم هذه إنما يدعون الى إلغاء الدستور وكافة ما جاءت به العملية السياسية الجديدة والدفع بإتجاه تقسيم العراق. وفي هذا الوضع القائم لايمكن العودة الى نظام بمثل هذه المواصفات إضافة الى مجئ الفصائل العراقية المناوءة لهذا النظام ومسكها زمام الأمور وقيادة البلاد وفقا للنظام الديمقراطي الذي حدده الدستور، فالعودة أذن الى هكذا نظام حكومي شمولي أصبح في حكم المستحيل.الخيار الثاني: وهو مايطرح الآن من إقامة عراق موحد وفق تقسيمه الى أقاليم فدرالية تتمتع بالأدارة المستقلة نوعا ما وترتبط بالحكومة المركزية في بغداد وهذا المشروع نص عليه الدستور العراقي الجديد الذي صوت له أكثر من 80% من الشعب العراقي وأقره مجلس النواب المنتخب ووافقت عليه المكونات العراقية الرئيسية وهم الأغلبية الشيعية والكرد وبعضا من السنة اضافة الى التركمان والأثنيات الأخرى، ولهم مبرراتهم التي دعتهم لتبني هذا المشروع التي هي أقوى حجة و أشد إقناعا من مبررات خصومهم الداعين الى عودة نظام الحكومة المركزية.

ولكن على الرغم من هذا فأن هناك معارضة لهذا المشروع من قبل بعض ممثلي المحافظات الغربية ادعاء منهم أنه سيؤدي بالنتيجة الى تقسيم العراق الى دويلات أو الى ثلاث دول سيكون فيها الخاسرالأكبر السنة العرب كما يدعون، وتخوفهم هذا يعود الى أسباب عدة منها أسباب داخلية وأخرى خارجية بدوافع من دول عربية تساندهم وتقدم لهم العون وتمنيهم بحكم العراق ثانية.الخيار الثالث: وهو الخيار المر الذي ينبئ بظهور عصر الدويلات وتقسيم العراق، وهذا قد يدفع به بعض السياسين خصوصا الداعين الى الخيار الأول من حيث يشعرون أو لايشعرون من خلال تشددهم واصرارهم على رفض مشروع الفدرالية مطلقا ورفض الأعتراف بالقوى السياسية التي تقود البلاد حاليا وعدم الأقرار بمشروعيتها بل رفض كل المشاريع الداعية الى حفظ وحدة العراق ومنها الفدرالية ورفض كل ما تقدمت به هذه القوى الكبيرة من اقتراحات الى الفئة المتمردة التي لا تقبل إلا بالعودة الى حالة الحكم الشمولي السابق ولذلك فهي تسعى وبجد الى اشاعة الأضطرابات والفوضى والعمل على عدم تمكين الحكومة الحالية من السيطرة على البلاد وهذه القوى السياسية تدفع بإتجاه الحرب الأهلية ظنا منها أنها سوف تربح الحرب ومن ثم العودة الى الحكم الفردي سيما وأن الداعين الى الحرب الأهلية يعتقدون بأنها ستكون بين السنة والشيعة بعد أن أعلن الكرد أنهم سوف لن يتدخلوا فيها. وخيار التقسيم هذا اذا وقع انما يقع في أشد الحالات مرارة وهي الحرب الأهلية والتي لايمكن أن تنتهي إلا بالتقسيم واذا وقع هذا التقسيم سوف لن تكون هناك فيه فئة رابحة والجميع سيخسر ولكن بنسب متفاوتة وفق الحساب الستراتيجي ولا أحد يعلم كيف ستكون هذه الدول؟ وكم عددها ؟وماهو مصيرها؟ ولمن سيكون ولائها؟

ومن خلال استقراء الحالة العراقية بشكل صحيح يتضح لنا أن الشئ المعلوم هو أن المكونات الرئيسية الثلاث للشعب العراقي وهي الكرد في الشمال والسنة في الغرب وبعض من محافظات الوسط والأغلبية الشيعية في الوسط والجنوب واذا افترضنا أن التقسيم سيقع على هذا الأساس فنرى أن ظهور الدويلات سيكون على النحو التالي:

1- دولة الكرد والتي تمتد على القسم الشمالي والشمال الشرقي من العراق (إقليم كردستان) وستكون دولة حبيسة وفق مصطلحات الجغرافية السياسية وهذه الدولة الحبيسة وأن توفرت فيها مقومات الدولة وأركانها مثل الأرض والشعب والحكومة إلا أنها ليس لها عمق ستراتيجي مع جيرانها بل كلهم تقريبا يكنون لها العداء وهم ايران وتركيا وسوريا وكذلك الدولة العربية السنية اذا ما أقيمت في جنوب الدولة الكردية وعليه فهي دولة تولد ميتة والقادة الكرد يدركون ذلك على الأقل في الوقت الحاضر ويدركون أيضا أن امتدادهم الطبيعي هو العراق وأضف الى ذلك أنهم مستفيدون من الدولة العراقية الموحدة فدراليا بشكل واضح من خلال اشتراكهم في المراكز القيادية في الدولة وحصولهم على جزء من الثروات الوطنية،كما أن القيادات الكردية تعلم علم اليقين أن التحالف الأمريكي التركي من القوة بحيث لاتفرط فيه أمريكا لصالح الكرد مهما قدموا الكرد من مجال للتعاون مع الولايات المتحدة. أما اذا أقيمت هذه الدولة فسوف ترمى من كافة الجهات وتحارب بكل قوة من جيرانها وسوف تعاني من مشاكل عديدة وبذلك فأن عواقب الكرد غير حميدة اذا ما استقلوا لوحدهم،وخسارتهم هنا واضحة وجلية.

2- الدولة العربية السنية في الغرب وهذه الدولة ستكون ضعيفة جدا وفقيرة مجدبة وحالها كحال أخواتها الأردن وسوريا وإن كان لها امتداد ستراتيجي قوي وهو الدول العربية السنية ولكنها لا تؤمن لها العيش بشكل مستمر ومستقر على الأرض بل ستبقى مضطربة وقادتها يحاولون تهيج الرأي العام لغرض تبني مشروع المقاومة والجهاد تحت ذريعة توحيد العراق وهي بذلك ستكون مصدر قلق دائم للدولتين العربية الشيعية في الجنوب والكرد في الشمال وستكون مرتعا خصبا لحركات الأرهاب والحركات السلفية المتطرفة والحركات القومية التي تسعى للوصول الى السلطة بأي ثمن، وبذلك فهذه الدولة إن قامت فهي تقوم عل الخسارة السياسية والأقتصادية التي تصل الى حد الأفلاس والعودة بأهلها الى حالة البداوة والرعي والغزو لتأمين إحتياجاتهم.

3- الدولة العربية الشيعية وتمتد من الوسط والجنوب وهنا تتركز الثروات والقوى البشرية والمسطحات المائية والزراعة والأنفتاح على العالم عن طريق البحر وتنفتح جغرافيا على ايران والكويت والسعودية ودول الخليج ولها من القوة بحيث تمكنها من بناء دولة عصرية حديثة بما تمتلكه من امكانات اقتصادية كبيرة وموقع جغرافي واستراتيجي مهمين، وخسارة هذه الدولة هي أقل من خسارة الدولتين السابقتين أذ يمكن تحديدها بخسارة سياسية على مستوى العراق لأن الشيعة يشكلون الأغلبية ووفق النظام الديمقراطي أن حكم العراق سيكون بأيديهم فلماذا يقبلون بالجزء؟ ولهذا فأن قادتهم يعرفون هذه الحقيقة ويدركونها وقد تتعرض هذه الدولة الى الأبتزاز والضغط من قبل الدولة السنية العربية في الغرب بغلق منافذ المياه والتحكم بها بسبب سيطرتهم على مجاري الأنهار، كما قد تعترض الولايات المتحدة الأمركية على قيام هكذا دولة بسبب الألتقاء العقائدي بين شيعة العراق وشيعة ايران الذين تعتبرهم امريكا عدوها الأول مما يشكلون خطرا كبيرا عليها سيما اذا تنامى التيار الأسلامي الشيعي،كما تجهد الدول العربية السنية لمحاربتها بكل ما أوتيت من قوة وإنهاكها لدرجة عدم تمكينهم من الأستفادة من الثروات المودعة فيها، أضف الى ذلك أن الوجودات الشيعية في المناطق السنية مثل سامراء والموصل وبلد والدجيل وكركوك وغيرها قد تحاصر الى درجة كبيرة ولا تجد من يحميها، وهذه خسارة للشيعة أيضا.

هذا اذا تم التقسيم بهذا الشكل المتوقع وهي ثلاث دول ضعيفة لاتقوى على الصمود والوقوف بوجه أبسط الأزمات في المنطقة.

أما اذا ارتأت الولايات المتحدة الأمريكية شكلا آخر لهذه الدول المتوقعة الظهور فسيكون الوضع أخطربكثير وسوف تتولد مشاكل لاتقبل الحلول بشكل يسير وقد تستمر الى أجيال وعقود عديدة، ومن المشاريع الأمريكية المتوقعة للعراق هي إعادة توطين الفلسطينين في العراق لتكون عملية توازن طائفي في العراق بين السنة والشيعة ومنع نمو التيارالأسلامي الشيعي واستعمالهم أدوات لقمع الشيعة في العراق اضافة الى حل مشكلة اللاجئين الفلسطينين وعدم عودتهم الى الأرض المحتلة وتخفيف الضغط على اسرائيل.

وهنا يتضح لنا جيدا الفائدة القصوى لطرح الفدرالية في الوقت الحاضر كحل يدرأ خطر التقسيم وأن كل الذين لايرغبون بل يعارضون فكرة المشروع الفدرالي سوف يرغمون على مشروع التقسيم هذا اذا لم يكن لديهم علم بذلك أو لم يكونوا جزء من مشروع التقسيم الذي تعمل عليه أطراف دولية وعربية عديدة ومن مخططهم هو دفع الشعب العراقي الى الحرب الأهلية، بغض النظرعن التصريحات الغوغائية لبعض السياسين وتمشدقهم بشعار وحدة العراق والصيحات الأعلامية المغرضة للشعب العراقي.

ومن هنا يتضح لنا أن أصحاب مشروع الفدرالية من قادة الكرد و بعض القادة الشيعة هم الأحرص على وحدة العراق وبقاءه كيانا واحدا ووطنا موحدا وهذا نابع من إخلاصهم لقضية العراق وشعبه بعد أن فهموا وتوصلوا الى نتيجة مهمة وحقيقة أكيده أنه لا يمكن العودة الى الحكم المركزي لتجربته الفاشلة في العراق وتيقنوا أن اندلاع الحرب الأهلية التي يسعى لتأجيجها الحاقدون على العراق هدفهم منها هو تقسيم العراق واختفاءه من الخارطة السياسية العالمية ولهذا فأن القيادات الشيعية الدينية والسياسية على وجه الخصوص إلتزمت ضبط النفس الى أعلى الدرجات ولم ترد على الأعتداءات والمذابح التي يتعرضون لها كل يوم وهي لازالت متسامحة حتى أتهمت بأشنع التهم وظن أعدائهم أنهم ضعفاء، كما أنهم أدركوا جيدا أن تقسيم العراق الى دويلات شر ما بعده شر يصيب الجميع. جواد السعيد

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك