محمود الربيعي
أحوال الناس آخر الزمان 4 المجتمع الإنساني عصر الظهور في تصور الرسول والإمام سلوك الناس آخر الزمان وفق رؤية إسلامية الحلقة الرابعة لبشرية غير مجتمعة على نظام مشترك بالنظر الى إعتبار أن الإسلام هو آخر الأديان السماوية فإن نظامه وفق الرؤية الإسلامية يصلح لأن يكون مشروعاً متكاملاً للدولة يقوم على أساس العدل بين مختلف الناس ويضمن حقوقهم وحرياتهم وسعادتهم ويؤسس للتعايش السلمي فيما بينهم ويحترم تنوعهم. وبتعبير أدق فإن قوانينه من هذا المنطلق تكون صالحة للجميع وذلك بسبب شموليتها التي تقوم على أساس تحقيق المصالح العامة دون مساس بالحريات العقائدية للناس وعليه ستكون الشريعة الإسلامية هي الأوفر حظاً للحفاظ على الحقوق الفردية والإجتماعية. وفي نظرنا أن سعادة المجتمع لاتتحقق إلاّ بالنظرية الإسلامية التي تصلح تماماً للحياة والحكم وإدارة الأمم والشعوب، وإن أية نظرية أخرى ستكون قاصرة عن القيام بمثل ماتقوم به نظرية الخالق ولسبب بسيط أنه ليس للخالق مصلحة ليستفيد منها كما هو عليه عند المخلوق. المواجهة بين جبهات الفساد والإصلاح ليس من السهل أن نبني دول يحكمها العدل وتتمتع شعوبها بالحرية، فالناس ليسوا سواسية في تبني المبادئ والوفاء بالإلتزامات،كما أن الشعوب عادة ماتكون الضحية،كما أنه لايمكن أن يكون الناس كلهم ملائكة فإن منهم الكذّاب والخائن، وإن منهم المجرم، وعلى هذا الأساس كان لابد من وجود صراع بين جبهتين، جبهة لاتعرف غير الفساد طريقاً لها، وجبهة صالحة لاتجد غير طريق الصدق في العمل والنوايا. غياب مظاهر الفضائل وتعاني المجتمعات عموماً من غياب الصدق والنزاهة والأمانة، كما تعاني من مظاهر تفشي الكذب والإحتيال والخيانة، وتعاني أيضاً من إنتشار الفساد على مستوى الأفراد و الجماعات وعلى مستوى المؤسسات والشركات والدوائر الرسمية وغير الرسمية أيضاً. ولايختلف الأمر كثيراً في معاناتهم من غياب مكارم الأخلاق التي تعود عليها الناس كالمحبة والكرم والضيافة والمساعدة والتعاون والتضحية والإيثار والتي حل محلها البخل والجفاء والسلبية والأنانية والحسد والبغضاء. قلة الإهتمام بآراء الخبراء وإزدياد مساحة الإهتمام بآراء الجهلة والمشكلة هنا لاتكمن في في النواحي العلمية والأكاديمية، ففي هذا المجال قد يعمل كُلٌّ في مجال إختصاصه، لكن الخطر يكمن في السياسات العامة للبلدان ومراكز القرار في الدول التي يتزعمها رجال ليس من إختصاصهم الحكم والسلطة. إن صعود قيادات هزيلة فاسدة عن طريق الأحزاب والمنظمات أو عن طريق الإنقلابات والتآمر والتزوير الى مراكز قيادية مهمة في المجتمع سيشكل خطراً حقيقياً على ذلك المجتمع. إعطاء فرص الخطابة ومظاهر القيادة لغير البالغين وهذا الأمر لايخص المنابر الدينية فقط بل وكذلك المنابر السياسية فمن المؤسف أن يرى الإنسان شبّاناً مراهقين يعتلون المنابر وهم بَعْدُ لم يكملوا حتى دراساتهم الأولية، ولم تكن لم خبرة من قبل، ولازالوا في أعمار لم تكتسب ولم تستكمل مراحل المعرفة بشؤون الحياة، ولم يستوعبوا بعد دروس الحياة الصعبة، وليست لديهم معرفة بالدين والسياسة، ولربما كانوا ممن يحسنون إثارة الفتن والمشاكل، وأن يروجوا للأحزاب والمنظمات التي أحتضنتهم دون أن تكون لهم فائدة. إن المنبر الديني والسياسي يجب أن يكون لائقاً بأهل الخبرة والكفاءة من الشيوخ وأهل الحل والعقد، ومن الذين خبروا الحياة، ونزلوا معتركها، وتعرفوا على فنون إدارتها، وتمكنوا من معرفة الناس والإحاطة بشؤونهم ومصالحهم وكيفية دفع الضرر عنهم وهذا لايمكن أن نجده عند مراهقي السياسة. إنتشار ظاهرة الكذب بين التجار إن تأثير ظاهرة الكذب في التجارة تعد خيانة للأمانة وإفساد إجتماعي كبير يقوم على أساس سرقة المال، وهو تعبير عن التدني الخلقي. والمصيبة كل المصيبة عندما يستشري الكذب ليكون ظاهرة عامة تصاب بها المؤسسات والشركات والدول مما يدعو الى إنتشار الفساد وحدوث الأزمات وتفاقم المشاكل وهو أمر ليس بالسهل إذ يتعلق بمعايش الناس وأسباب رزقهم، فتصوروا أن تاجراً يروّج لبيع بضاعة فاسدة كالأدوية أوالأغذية. ماذا سيحدث؟ إن من المؤسف أن يلجأ بعض التجار الى تحصيل قوتهم من المال الحرام ومن المعاملات اللاشرعية سواء في تحصيل المال أو في تقبله أو في طريقة صرفه أوالتعامل به. ضعف الكيانات الأسرية إن ضعف قيادة الآباء للأبناء، وتجاوز الأبناء على هيكلية الأسرة يعد نوعاً من الخروقات داخل العملية الإجتماعية، كما يسبب مشاكل وإضطرابات في توجيه النظام الأسري وقد يكون ذلك ناتجاً عن تبادل المواقع الوظيفية بين الرجل والمرأة داخل الأسرة. وإن من أحد المشاكل التي تظهر نتيجة لهذا الإختلال في التوازن الأسري هو تولد حالات من الإزدواجية تظهر عند الأبناء عندما يتعاملون بشكل سئ مع الآباء وبشكل حسن مع الأصدقاء. وفي غيبة الطوسي قال (صلى الله عليه وآله وسلم): إي والذي نفسي بيده يا سلمان إن عندها يكون المنكر معروفا والمعروف منكرا واؤتمن الخائن ويخون الأمين ويصدق الكاذب ويكذب الصادق قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟ من علامات آخر الزمان عندما: أولاً: يكون المنكرمعروفاً والمعروف منكراً: وهذا الإنقلاب في السلوك والتفكير يكون عندما تتغير جميع الملامح العامة في الثقافة الإجتماعية وعندها يصبح السارق بطلاً في نظر الناس، والقاتل شجاعاً، والمعتدي على الأعراض مهاباً، بينما يصبح الشريف وضيعاً، ويفقد الناس عندئذ الحماية بعدما تسود شريعة الغاب ويحل الحرام محل الحلال. ثانياً: يؤتمن الخائن ويخون الأمين ويصدق الكاذب ويكذب الصادق: ويُنْبِئ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم عن تلك المرحلة من نهاية التاريخ في آخر الزمان عندما ترجح كفة الخائن لإنه يصبح في ذلك الوقت مصدر الربح بينما يُخَوّن الأمين الذي يقف حاجزاً بوجه المصالح غير الشرعية. قال: إي والذي نفسي بيده يا سلمان فعندها إمارة النساء ومشاورة الإماء وقعود الصبيان على المنابر ويكون الكذب طرفا والزكاة مغرما والفيء مغنما ويجور الرجل (على) والديه ويبر صديقه ويطلع الكوكب المذنب، قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟ ومن علامات آخر الزمان أيضاً أولاً: إمارة النساء: وهنا حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس تقليلاً لشأن المرأة ومنزلتها الإجتماعية بقدر ماهو إشارة الى مدى التغير الذي يصيب الأخلاق بحيث يتبادل الرجل والمرأة مواقعهما داخل الأسرة فيكون هو الذي يدبر شؤون المنزل بينما ينتظر عودة زوجته. والأكثر من ذلك أن تتقلد المرأة مواقع السلطة والحكم، وحماية الرجال في الخدمة العسكرية، وتتقلد المناصب الوزارية والمناصب الرفيعة والمشاركة في التجارة والسياحة والفن بينما يبقى الرجل في الصفوف الخلفية وهذا الأمر بطبيعة الحال يكلف المجتمع تبعات عديدة إذ يتسائل المتسائل ماجدوى كل هذا التغيير في الحياة الإجتماعية! ثانياً: مشاورة الإماء: جاء في الصحاح في اللغة ألأَمَةُ: خلاف الحُرَّةِ، والجمع إماءٌ وآمٍ. وفي هذه العلامة تنبيه الى قلة إهتمام الرجال أو العقلاء بالمطالب العقلية التي تترتب على قيادتهم وإختيار مستشاريهم وأمناءهم بينما يلجئون الى من ليس لها حظ في التجربة والخبرة كالإماء. ثالثاً: قعود الصبيان على المنابر ويكون الكذب طرفاه: وفي مقاييس اللغة الصبي يدلُّ على صغر السّنّ، وفي لسان العرب والصبيُّ الغلامُ، والجمع صِبْيَة وصِبْيانٌ. وهي إشارة الى إشراك المراهقين في أوساط الخطابة الدينية والسياسية والسماح لهم بإعتلاء منابر الخطابة وكأن المجالس جفت من أهل العقول والخطابة وهو أمر يدعو الى الحَيْرة، إذ كيف يأمن الناس من الصبيان إذا تكلموا وهم الأحوج الى التربية والتوجيه، وماذا يتوقع من الصبيان غير ترويج الكذب الذي يمرره القائمون عليهم والذين يقفون خلف الستار. رابعاً: تكون الزكاة مغرما والفئ مغنماً: وقد أشرنا الى ذلك في الحلقة الثانية وهي أن يَرَى رَبُّ المال أن إخراج زكاته غَرامةٌ يَغرَمُها، والفَيْءُ كما ورد في لسان العرب ما رَدَّ اللّهُ تعالى علَى أَهْلِ دِينِهِ من أَمْوالِ مَنْ خالَفَ دِينَه، بلا قِتالٍ. إِمَّا بأَنْ يُجْلَوا عَن أَوْطانِهِم ويُخَلُّوها للمسلمين، أَو يُصالِحُوا على جِزْيةٍ يُؤَدُّونَها عَن رُؤوسِهم، أَو مالٍ غَيْرِ الجِزْيةِ يَفْتَدُونَ به مِن سَفْكِ دِمائهم، فهذا المالُ هو الفَيْءُ. في كتاب اللّه قال اللّه تعالى: فَما أَوْجَفْتُم عليه من خَيْلٍ ولا رِكابٍ. أَي لم تُوجِفُوا عليه خَيْلاَ ولا رِكاباً، نزلت في أَموال بَنِي النضير حِينَ نَقَضُوا العَهْدَ وجُلُوا عن أَوْطانِهم إِلى الشام، فَقَسَمَ رسولُ اللّهِ صلّى اللّه عليه وسلم أَموالَهم مِن النَّخِيل وغَيْرِها في الوُجُوه التي أَراهُ اللّهُ أَن يَقْسِمَها فيها. وقِسمةُ الفَيءِ غيرُ قسمةِ الغَنِيمة التي أَوْجَفَ اللّهُ عليها بالخَيْلِ والرِّكاب. وأَصلُ الفَيْءِ: الرُّجُوعُ، سُمِّيَ هذا المالُ فَيْئاً لأَنه رَجَعَ إِلى المسلمين من أَمْوالِ الكُفّار عَفْواً بلا قِتالٍ. والمَغْنم: الفيء. يقال: غَنِمَ القَوم غُنْماً، بالضم. خامساً: ويجور الرجل على والديه ويبر صديقه: ويحدث ذلك بسبب التربية السيئة داخل الأسرة وإبتعاد الناس عن الدين وهجرانهم للقرآن، فتكون المرأة عندئذ هي الآمر والناهي ويكون الرجل حينئذ متفرجاً في الوقت الذي سيحتل الصديق المنزلة الأكبر بإعتباره محطة الراحة والإجتماع على المنكر. سادساً: ويطلع الكوكب المذنب: وهذه العلامة دائما ترتبط بحدوث كوارث طبيعية وأحداث عنف تتسبب في موت ودمار الآلآف من الناس، وهي إشارة الى حلول الغضب الإلهي. قال (صلى الله عليه وآله وسلم): إي والذي نفسي بيده، يا سلمان عندها تشارك المرأة مع زوجها في التجارة ويكون المطر قيظا ويغيظ الكرام غيظا ويحتقر الرجل المستمر فعندها يقارب الأسواق إذا قال هذا: لم أبع شيئا وقال هذا: لم أربح شيئا فلا ترى إلا ذاما لله، قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟ ومن علامات آخر الزمان أيضاً أولاً: تشارك المرأة زوجها في التجارة: ففي الوضع الطبيعي يكون الرجل قيّماً ومسؤولاً عن النفقة، بينما تقوم المرأة بتدبير شؤون المنزل، ولذلك كان على الرجل العمل والإنفاق. فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم أشار الى حدوث إختلال في هذا التوازن لتضاف مشكلة إجتماعية الى جملة المشاكل الأخرى التي يعاني منها المجتمع. ثانياً: ويكون المطر قيظاً: وفي لسان العرب القَيْظُ: صَمِيمُ الصيْف، وقال ابن الأَعرابي: لا مَقِيظَ بأَرض لا بُهْمَى فيها أَي لا مَرْعى في القيظ. وفي حديث أَشراط الساعة: أَن يكون الولد غَيْظاً والمطر قَيْظاً، لأَن المطر إَنما يُراد للنبات وبَرْدِ الهواء والقيظُ ضدّ ذلك. وهو نوع من الغضب الإلهي. ثالثاً: ويغيض الكرام غيظاً: وفي لسان العرب غاضَ الماءُ يَغِيضُ غَيْضاً ومَغِيضاً ومَغاضاً وانْغاضَ: نقَص أَو غارَ فذهبَ، وفي الصحاح: قَلَّ فنضَب. ويقال: غاضَ الكِرامُ أَي قَلُّوا، وفاضَ اللِّئام أَي كَثُرُوا. وفي الحديث: إِذا كان الشِّتاء قَيْظاً وغاضَت الكِرام غَيْضاً أَي فَنُوا وبادُوا. رابعاً: ويحتقر الرجل المستمر فعندها يقارب الأسواق إذا قال هذا: لم أبع شيئا وقال هذا: لم أربح شيئا فلا ترى إلا ذاما لله: وهي إشارة الى عدم القناعة فيما يحصل عليه الإنسان من الربح رغم يكون له من المردودات التي تكفيه وتزيد عن حاجته، ورغم كثرة مايبيع ويترتب على ذلك من الأرباح. قال (صلى الله عليه وآله وسلم): إي والذي نفسي بيده، يا سلمان فعندها يليهم أقوام إن تكلموا قتلوهم وإن سكتوا استباحوهم ليستأثروا تفثهم وليطأوا حرمتهم ولتسفكن دماؤهم ولتملأن قلوبهم رعبا فلا تراهم إلا وجلين خائفين مرعوبين مرهوبين، قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟ ومن علامات آخر الزمان أيضاً أولاً: يليهم أقوام إن تكلموا قتلوهم وإن سكتوا استباحوهم: وهذه العلامة تشير الى مدى الظلم الذي يسود المجتمعات آخر الزمان حيث يتسلط الظالمون على مقاليد الحكم ليحكموا بغير ماأنزل الله سبحانه وتعالى من كتم للأفواه ومنع للحريات تصل الى حد القتل وإستباحة الأموال والأعراض. ثانياً: ليستأثروا تفثهم وليطأوا حرمتهم ولتسفكن دماؤهم ولتملأن قلوبهم رعبا فلا تراهم إلا وجلين خائفين مرعوبين مرهوبين: وفي لسان العرب التفث هي الحوائج. والمعنى العام هو الإشارة الى الطغيان والعدوان والتجاوز على الحرمات من الأملاك والحريات والأرواح حيث يشاع الخوف وتمتلئ القلوب بالرعب والرهبة وتصبح الحياة في مثل هذه المجتمعات نوعاً من أنواع السجن والمعاناة. خاتمة يتضح لنا مما سبق إمكانية حدوث تغير واسع في الحياة المجتمعية عند الإنسان آخر الزمان، كما ويحدث تغيير في مسارات السلوك البشري يدعو الى القلق نتيجة إنتشار مظاهر الفساد في السلطة والحكم وفي التربية والتعليم وفي الأفكار. وعندها سوف ينتشر الخوف والفقر، وتكثر الحروب، وتزداد نسب الجرائم، ويُخشى من وقوع الغضب الإلهي، وفي مثل هذه الظروف فإن على المؤمنين بالله أن يكونوا حذرين مما قد يقع من البلاء، وعليهم أن يبذلوا جهودهم من أجل أن لايكونوا من الفئة التي يسخط الله عليها.اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha
![](https://telegram.org/img/t_logo.png)