المقالات

عطسة انتخابية


بقلم/ معن الموسوي

بينما كنا جالسين أنا وصديقي في أحد مقاهي المدينة المزدحمة بزبائنها وسط الضجيج المستمر من قطع الدوملة وهي تضرب بقوة ونقاشات (المنركلين) والمدخنين وصوت التلفاز العالي بمختلف المسلسلات التركية التي تلقى ترحيبا من المشاهدين في هذه المقاهي ... كنت أهرب من جو السياسة الذي أعيشه تحت قبة (عفوا) سقف بيتي والذي ترغمني قنواتنا الفضائية أن نعيش في هذا الجو المشحون بأصوات المرشحين وحرف السين الذي يكثر استخدامه هذه الأيام في ســين وسوف والاستحقاقات القادمة وتطلعات هذا الشعب الفقير في وجوه مرشحيه ، لم أفلح في الهروب من هذا الجو إذ قابلني صديقي ومحدثي في المقهى بمقارنة بين المرشحين وأيهما الأفضل وعن حملاتهم الدعائية الانتخابية فأحد المرشحين ظهرت له دعاية في القناة الفلانية والآخر قد علق بوستر عملاق وآخر بوستراته صغيرة وآخر شعاراته جميلة وتسقيطاتهم وكيف أن المرشح فلان من الكتلة الفلانية قد صرح بأن الكتلة الأخرى قد سرقت وفشلت ولديها أجندة خارجية ووووو... الخ ،

 ووصل صديقي المحلل المغمور إلى استنتاج . . .إن فترة الدعاية الانتخابية هي أكثر الأوقات والفترات في الأربع سنوات التي يكون فيها النائب المستقبلي والحالي الطموح إلى فترة أخرى تحت البرلمان قريب من الناس وعندما تنتهي الحملة ويفوز سوف لا نراه يتمشى بيننا أو يجالسنا لأنه سيكون في سيارته المظللة وسط رتل من السيارات المصفحة وسط حمايته الذي يتحولون إلى جدران كونكريتية بينه وبين عامة الناس ، واستنتجت أنا من نقاش صاحبي ومن السباقات والتصريحات الانتخابية والدعايات للمرشحين بأن الحكومة فاسدة أو فاشلة أو حكومة محاصصة. . . إنها من أكثر الأوقات أيضا للمصارحة ويحسب لكل ما يقال على المرشحين بأنه دعاية انتخابية، فحتى لو أراد المسكين وأعني المرشح (لأنه حاليا محتاج وفقير إلى أصواتنا وعيناه تتجه صوب صناديق الاقتراع وحلمه بالكرسي البرلماني ) أن يناقش أو يتكلم بموضوع علمي أو اجتماعي تحسب عليه بأنه دعاية انتخابية أيضا كما فعلت إحدى الجامعات قبل فترة (كما سمعت) بأنها منعت أحد الأساتذة والأكاديميين من إلقاء محاضرة علمية في مؤتمر أو ندوة علمية كونه مرشحا وهذا يدخل في باب الدعاية الانتخابية وأن الحرم الجامعي هو حرم مقدس وقاعة الدرس هي للعلم وليست للسياسة ، إذن فهل نحرم الأستاذ مثلا إذا كان مرشحا وهو مدرس أو أستاذ في إحدى الكليات من إلقاء محاضراته اليومية كونه مرشحا وسوف يؤثر على الطلاب بأسلوبه المتقن في إيصال المادة العلمية مغلفة بدعاية انتخابية وهل نفهم من هذا بأن كل ما يطلقه هذا المرشح الذي كان قبل أيام إنسانا عاديا يطرح ما يشاء في أي مكان وأن كل ما يصدر منه الآن هو دعاية بل حتى في مشيته وطريقة جلوسه ونظراته إيحاء لجذب الانتباه إليه وربما إيقاع الناس في شباك حملته الدعائية.

وبينما الأفكار تتقافز في راسي وتزدحم دخل أحد المرشحين وهو شخصية اجتماعية معروفة في مدينتي وسلم بطريقته المعتادة على الجميع والأنظار منجذبة إليه ولسان حالهم يقول (هاي دعاية انتخابية) فنظر إليه صديقي المحلل وقال لي انظر كيف يتودد إلينا الآن وحال وصوله إلى مقعد البرلمان فلن يعرفنا أو ينظر إلينا وصار صديقي يقنعني بأن كل ما يفعله هذا الإنسان المرشح الآن هو دعاية فتواجده في المقهى التي اعتاد الجلوس فيها طيلة سنة كاملة هو دعاية وتناوله النركيلة والشاي مع عامة الناس هو دعاية وتبادله لأطراف الحديث معهم هو دعاية وحضوره إلى المناسبات الاجتماعية هو دعاية أيضا إلى أن سمعنا فجأة صوت عطسة قوية لصاحبنا المرشح فالتفت إليه الناس ليترحم له وهو قول مؤثور ومعتاد (يرحمكم الله) بعد العطس كون أن هذا الفعل قد دفع عن هذا الشخص بلاءا عظيما ، فنظر إلي صديقي وقال لي بصوت ملئه الغل على هذا المرشح : انظر حتى هذه العطسة هي عطسة دعائية وانتخابية يريد بها المرشح أن يكسب تعاطف الناس معه كونه عطس وربما يكون قد أصابته أنفلونزا وبعد أيام يخرج علينا من شاشات التلفاز ويقول إني مصاب بأنفلونزا ومتعب من جراء خدمتي وتواصلي مع الناس وقضاء حوائجهم أو ربما يقول أن إحدى الكتل أو الكيانات السياسية المنافسة له في الانتخابات قد دست له طعاما ملوثا بأنفلونزا وبائية (لا سمح الله) أو حتى يقول إن أحد المرشحين المنافسين لي في دائرتي الانتخابية قد تعمد إلى العطس أمامي أو ربما دفع بشخص مصاب بأنفلونزا ربما وبائية أيضا (لا سمح الله) وعطس أمامي وأصابني بهذه الأنفلونزا ومنعني من إكمال حملتي الدعائية الانتخابية وأن أكون قريب من الناس في اللقاءات والندوات الجماهيرية التي أشرح فيها برنامجي الانتخابي وأوضح موقفي من الحكومة الحالية لأكسب تأييدهم وأصواتهم ، فنهضت وأنا اصرخ بوجه صديقي : كفاك يا أخي إن الرجل لم يفعل شيئا سوى العطس وهو الآن أمامك بصحة جيدة هل هذا معقول؟ فتبسم بوجهي وقال اهدأ فأنت لا تعرف كثيرا عن العطسات الانتخابية!!!؟ فاستطردت وقلت له أستميحك عذرا الآن لأني سوف أرجع إلى صومعتي وأنام .. أخشى أن يفسر ذهابي إلى بيتي هو مقاطعة للانتخابات!

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك