المقالات

مع السائرين في مسيرة الأربعين


حيدر قاسم الحجامي كاتب وصحفي عراقي

تتواصل مسيرة الحشود المليونية السائرة نحو مدينة كربلاء في ذكرى أربعين الإمام الحسين بن علي (ع) ، الذي قضى شهيداً على يد الطغمة الأموية الفاسدة بعدما ثار رافضاً استلاب الأمة تحت لباس ديني زائف ، هذه الجموع البشرية التي تواصل إحياء طقس ديني مقدس لدى أبناء الطائفة الشيعية المسلمة امتد تأثيرها لتكون تظاهرة إنسانية شاملة بعيدا عن الانتماء المذهبي او الديني او المناطقي ، تظاهرة مليونية عفوية نظمتها ضمائر حرة عاشقة للحرية ثائرة على واقع متخلف رافضة لصراع مكوناتي تريد جهات مجهولة ومعروفة إدامته بين أبناء الشعب العراقي كي تستمر هي -أي تلك الجهات - في فرض أجندتها السياسية في السيطرة على مقدرات هذا الشعب ونهب ثرواتهِ او عرقلة مسيرتهِ الجديدة التي يحاول رسمها في إقامة نظام سياسي ديمقراطي متوازن وبناء دولة مدنية مستقرة ، ان هذه التظاهرة يمكن للمتابع للشأن السياسي العراقي ان يلحظ فيها إبعاد سياسية وثقافية مهمة ،منها ان هذه التظاهرة تعكس توجه ديني عام لدى أبناء الشعب العراقي بمختلف مكوناته وهو ما يرتب على المختصين في الشأن السياسي قراءة الواقع السياسي من هذا الإطار والتعامل على استثمار هذا التوجه نحو القيم في إرساء قواعد الفضيلة وتعزيز مسارات الحكم العادل وإشاعة العدل الاجتماعي كونها قيم دينية مترسخة وهي قواعد أساسية في تشكيل فلسفة تضمن نظام حكم مقبول شعبياً يعبر عن تواجهات واسعة وهذا لا يعني إقامة دولة دينية مغلقة بل دولة تحترم الدين وتحترم توجهات الشعب وتستمد من قيم الدين ما يعزز ترسيخ العدل ، وكذلك البعد الإنساني في طقس المسيرة الحسينية وتواجد كل مكونات الشعب العراقي بسنتهم وشيعيتهم ومسيحهم وصابئتهم بكوردهم وعربهم وتركمانهم وهذا تجمع قومي وديني يعكس رؤية شعبية ناضجة نحو تأصيل روح المحبة والتسامح الديني، وما إحداث الصراعات إلا حوادث شاذة تحاول خرق نسيج اجتماعي متماسك لايمكن ان يتجزأ على أسس دينية ولايمكن ان يكون التنوع عاملاً في تأجيج الصراع وبالتالي فان هذا التواجد المتنوع في إحياء طقس يخص مذهب معين يأتي كرد قاسي على المنظرين لقيام الحرب الأهلية بين المكونات بسبب هذا التنوع بل يجب استثمار حالة التواصل الشعبي الفاعل في حل المشاكل العالقة عبر الحوار الواضح والجاد ، كذلك يأتي كرسالة واضحة للقائمين على شؤون ادراة الشأن العراقي بفاعلية الجهد الشعبي وكيف يمكن التوجه لاستثمار هذه الطاقة الشعبية في إطلاق مشاريع التنمية، وكيف يمكن ان يساهم الشعب في دعم حركة الدولة في بناء مؤسساتها وتعزيز روح العمل الجاد في بناء مستقبل أفضل ، فهذا التنظيم الشعبي في تقديم المساعدات وإقامة المواكب التي امتدت في كل إنحاء العراق وقصاباته دلالة واضحة على رغبة شعبية في المساهمة في مشاريع تخدم المواطن نفسهِ وهذا الجهد الشعبي الفاعل في دعم الأجهزة الأمنية وإسنادها كشف عن رغبة شعبية في تعزيز التواصل بين الجماهير والأجهزة الأمنية في بسط الامن وتوفير أجواء أمنة ، وهذه رسالة لايمكن لأي سياسي او إداري من تغافلها بل علينا التوجه الفاعل لاستثمار حالة التفاعل الشعبي في تعزيز مسارات الدولة وإشعار الفرد الواحد بان دورهِ مهم ومحوري في عملية التنمية وفرض الأمن وهو شريك أساسي في هذا البلد وهذا يضمن تعزيز روح الانتماء لدى الفرد ورفع درجة المسؤولية تجاه الوطن ، كذلك فان مسيرة الأربعين يشارك فيها الشاب والشيخ والمرأة والطفل والمتعلم والمثقف والأكاديمي والتربوي والفلاح والعامل وكل تنوعات المجتمع ،وهذا التواجد يعزز فرص النخب المثقفة وأصحاب الرسالة الإنسانية لاستثمار هذه المسيرة في بث رسائل ترفع الوعي الشعبي وتنشر القيم الثقافية بين أبناء الشعب مثل التشجيع على احترام القانون ورفض الفساد بكل إشكاله ورفض القمع وتقييد الحريات العامة ، وكذلك تشجيع المواطن على المطالبة بحقوقهِ المشروعة خصوصاً اذا ما وظفنا قيم الإمام الحسين (ع) ومواقفهِ الرافضة للظلم وتضحيته ِ في سبيل الإصلاح السياسي والديني والاجتماعي والثقافي وتصحيح المسارات المنحرفة للدولة مهما كانت تلك الدولة متغطرسة ومنتهكة للحقوق ، لكن الموقف الشعبي سيكون الأقوى ولهُ الغلبة في النهاية لان الاردة الشعبية ستهزم الانحراف الفردي والفئوي ، هذه رسائل بسيطة يمكن استلهامها من هذه العطاءات الحسينية الكبيرة التي مازالت بحاجة الى أقلام واعية كي توضحها للأمة لتكون قاعدة فكرية ناهضة تمكن الأمة من الاستفادة منها ، وكذلك رد بسيط للمتقولين على هذه الحركة الشعبية الواسعة .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك