كريم الوائلي
احسب ان من المفيد ان اشير ابتداء الى تجارب العمل السياسي الجبهوي في العراق ، ومن ثم استقراء مشروع سماحة السيد عمار الحكيم رئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي من منظور مقارن ، فقد درجت الاحزاب السياسية النمطية العراقية قبل اعلان العراق الجديد عام 2003 الى اعلان جبهات لأئتلافات سياسية في مراحل وظروف مختلفة ، وبعد تأسيس الدولة العراقية عام 1921 حصلت تجارب لجبهات عمل ساسي بين احزاب اتفقت على ابرام ميثاق سياسي لاسقاط سلطة واقامة اخرى بوسائل عسكرية انقلابة ولم تتمكن تلك الاحزاب من تحقيق ما ورد في ميثاقها الجبهوي وذلك لفقدان الثقة بين الاطراف المؤتلفة ولاعتمادها الانقلابات العسكرية ، وعلى الرغم من وجود درجة من التفاهم بين الضباط الانقلابيين وبين الاحزاب السياسية العاملة في الساحة وقتذاك إلّا ان ذلك التفاهم لم يرقى الى درجة الشراكة الحقيقية ، وبعد سقوط الحكم الملكي اثر انقلاب عام 1958 واعلان الجمهورية الاولى جرت محاولات ائتلافية عديدة كان آخرها ما كان يسمى بالجبهة الوطنية والقومية التقدمية التي انتهت نهاة مأساوية . وقد منيّة التحالفات السياسية بين الاحزاب قبل تحرير العراق من الدكتاتورية عام 2003 بفشل ذريع ويعود السبب في ذلك الى شيوع ثقافة المغامرات السياسية والالتزام العاطفي بالايدولوجيات ، ذلك الالتزام الذي اضفى على الجهات المؤتلفة نوع من المراهقة السياسية التي دفعت بالتجارب الجبهوية الى التفكك ومن ثم الصراع الدام الذي ينتهي بتسقيط الاضعف ، وقد دفع الشعب العراقي نتيجة تلك الجبهات وما ترتب عليها من ابادة الشيء الكثير . ان فقدان الثقة بين الجهات المؤتلفة وغياب النظام الدستور للدولة والتناقض الايديولوجي بين الاحزاب وشيوع روح التآمر والمراهقة السياسية واعتماد السلاح الرسمي للمؤسسة العسكرية في حل النزاعات والخلافات وتبعية الاحزاب المؤتلفة الى محاور دولية متصارعة والتضاد الحاد بين الاحزاب وبين العقائد الدينية للشعب العراقي ، كل ذلك جعل طريق التحالف الجبهوي بين الاحزاب التقليدية السائدة في الساحة السياسية مغلقا ومأيوسا منه ، وبحلول عام 2003 وانتهاء مرحلة سياسية من تاريخ العراق السياسي تم اسدال الستار على تلك التجارب ولم تعد هناك اية فرصة لاستنساخها في العراق الجديد . وعلى الرغم من ان المجلس الاعلى الاسلامي العراقي قد انتهج الاسلوب التحالفي في اوقات سبقت سقوط النظام الدكتاتوري في العراق إلّا ان تلك التحالفات تمت في اجواء سياسية صحية وسليمة وعلى اسس التكافؤ وتبادل الثقة ووحدة الهدف والمصير وتماثل الضروف الزمكانية والسياسية وتوفير المشتركات الوطنية عند الاطراف المتحالفة وكذلك تأييد شعبي واسع وموثوق فيه ، والاهم من كل ذلك هو احالة الخلافات والاختلافات بين القوى المؤتلفة الى نظام سياسي تعددي دستوري يضمن انهاء المعادلة الظالمة والمختلة في الحكم والسلطة واحقاق حق الاكثرية المهمشة ، وذلك ما كان الامام شهيد المحراب محمد باقر الحكيم (قدس) يؤكده ويشير اليه في كل مناسبة ومؤتمر بين الشركاء السياسين ويكاد يكون العمل الأئتلافي والجبهوي في المشروع السياسي للمجلس الاعلى الاسلامي العراقي دائم الحضور في كل محطاته الجهادية . ان اعلان مشروع الجبهة الوطنية من قبل سماحة السيد عمار الحكيم يكتسب كل مقومات النجاح ، كما ان نتائجه الايجابية مضمونة تماما كون ان هذا الاعلان جاء بعد توفر كل الاشتراطات والممكنات الموضوعية ولا سيّما رشد العملية السياسية وبلوغها مرحلة متقدمة من النضج ، أي ان اعلان مشروع الجبهة الوطنية جاء في مناخ سياسي يمكن وصفه بربيع العراق السياسي .مشروع الجبهة الوطنية جاء متسقا مع الاصطفافات والتحالفات الطبيعية في اي مشروع سياسي يشهد تحولات جذرية كبرى ، مثل ما هي عليه التحولات الجارية الان في البلاد ، واعلان سماحة السيد عمار الحكيم للجبهة الوطنية الواسعة مع كل القوى ذات المصلحة قي تجذير تجربة العراق الديمقراطي التعددي الجديد وفي هذا الضرف بالذات هو نتيجة طبيعية ، بل هو نتيجة حتمية ، وتؤكد التجارب السياسية المماثلة ان كلما يتصاعد الصراع السياسي يتسع الطيف التحالفي ويقل عدده ، ويجب علنا ان لا ننخرط في الدهشة عندما تتساقط اوراق الخريف السياسي فلن يمضي وقت طويل حتى يحل الربيع السياسي وتتجه البلاد نحو المزيد من الاستقرار الامني والتنمية وسيادة القانون .ان انعقاد الجبهة الوطنية سيكون على اساس برنامج مشترك او ميثاق وطني ، ومن المؤكد ان هذا الميثاق سيلبي حاجات استكمال بناء واقرار ما تبقى من تشريع القوانين الضرورية وبناء مؤسسات دولة المواطنة وحماية الدستور وتنشيط المشاركة السياسية على الاسس التي تم الاتفاق عليها دستوريا وصيانة المنجزات الوطنية المتحققة ودرء خطر التآمر السياسي على ارادة الشعب العراقي بكل مكوناته وازالة آثار البعث الصدامي الكارثية وضمانة منعه من الاعتداء على حياة وممتلكات المواطنيين ، فالجبهة الوطنية التي تضم القوى الوطنية الفاعلة والمخلصة هي استحقاق وطني مشروع ويتفق مع النمط الديمقراطي وبالتالي فأن مشروع الجبهة ليس موجها ضد مشروعية الآخرين او تهميشهم او تسقيطهم ، وقد مارست كل القوى السيسية العاملة اليوم في العراق هذا الاستحقاق المشروع .
https://telegram.me/buratha