كريم الوائلي
الكتابة عن الدولة العراقية الحديثة ليس سابقة لاوانها ، بل على العكس من ذلك تماما ، فالدولة العراقية كيان قائم بالفعل ومكتسب الشرعية وتتوفر فيه كل مستلزمات وركائز واساسيات الدولة الحديثة ، ومن الخطأ الفادح التشكيك بحقيقة وجود الدولة العراقية ، بل ان التشكيك بحقيقة الدولة العراقية الحديثة وانكارها او الادعاء بأنهيارها او بذوبان كيانها يستبطن اغراض واهداف خطيرة جدا يتعيّن التصدي لها وافشال المرامي الكامنة خلفها ، وقد ارتبط انكار الدولة العراقية الحديثة بالمتخرصين المعادين للعراق ، ومن الانصاف ان نذكر بأن الدولة العراقية هي من اقدم واعرق دول العالم ، ومن السائد في البحوث والدراسات الخاصة بالتاريخ والآثار المصرية التي نطلع عليها بين الحين والآخر الاشارة الى دولة الفراعنة للفترة (1570-1070 ق 0م) على وجه التحديد بوصفها فترة انشاء ((دولة حديثة)) في حين نجد ان الدولة ، وفق مبررات تلك الدراسات ، تنطبق على مجموع الدول التي اقيمت على ارض العراق القديم ولعصور موغلة في القدم ، ومن الجدير ذكره ان الحضارة العراقية يغلب عليها التدوين والتنصيص في حين تغلب على الحضارة الفرعونية العمارة والمنشآت ، والقاريء لملحمة كلكامش يستشف مقومات الدولة في العراق القديم واضحة ولا سيما وجود الملمح البرلماني ، القانوني والتشريعي ، ونحن اذ نسوق هذه الحقيقة نرمي من وراء ذلك الاشارة الى الاشكالية التي يقع فيها بعض الكتاب والمتصدين لماهية حالة الدولة العراقية المعاصرة وهو اشكال يقع في الخلط بين حقيقة وجود الدولة العراقية الحديثة وبين الدعوة الى تحديثها واعادة ما فقد من هيكليتها والبدء بأستكمال اسس دولة المواطنة التي يتطلع إليها العراقيين ، ومعلوم ان العناصر الاساسية للدولة هي منظومة الحكم او الحاكمية والجماعة او الشعب والارض ، ولكي تكتسب احترام الدول الاخرى والشرعية الدولية فأنها تحتاج الى الاستقلال التام والسيادة كاملة على ارضها وسمائها وثرواتها الطبيعية ومياهها الاقليمية واحقيتها بحماية شعبها وامتلاكها للمؤسسات الوطنية والقانونية التي تعبر عن وجودها وهيبتها .ومن الغريب ان نقرأ بين فترة واخرى في الصحف والمجلات العراقية دعوات غير مبررة الى ((اقامة دولة عراقية حديثة)) وهذه الدعوة تنتقص من المنجز العراقي الذي اظهر كيان دولة عراقية حديثة ومعاصرة منذ تأسيس الدولة العراقية في عام 1921 واقامة الحكم الملكي ويجب التفريق بين تأسيس دولة واقامة حكومة واريد من وراء ذلك الاشارة الى ان الحكومات العراقية المتعاقبة هي التي اساءة لمفهوم الدولة العراقية والحقت الضرر البالغ بأركانها ومفهومها ومضامينها وذلك لتنصلها عن تطبيق ما ورد في دساتيرها ، على ما في تلك الدساتير من نواقص واخفاقات ، وكذلك تخليها عن تعهداتها ومسؤولياتها في تحديث الدولة تماشيا مع مستحقات العصر واقامة العدل والمساوات .ان الدعوة الى تحديث الدولة العراقية يعني فيما يعنية ادخا ل فواعيل جديدة سياسية واقتصادية وقانونية وثقافية على منظومة الدولة العراقية وهذا ما حدث بعد اسقاط النظام الدكتاتوري عام 2003 حيث كتب دستور جديد ودائم وتم التصويت عليه واقيمت المؤسسات الدستورية ومناقلت السلطة وفق سياقات ديمقراطية وسلمية واحرز المواطن العراقي حريته في اختيار الحكومة التي يريدها من خلال سن قانون انتخابي ومن ثم تعديله من قائمة مغلقة الى قائمة مفتوحة وفق المقاييس الدولية ، وحازت الاقليات على المزيد من حقوقها واحترمت الحريات العامة وتأسست منظمات المجتمع المدني واطلقت المبادرات الاولية نحو تفعيل الاقتصاد وتحريرة من القيود وسن قانون مجالس المحافظات والاقاليم وتوفرت الحرية للاداء الثقافي والاعلامي الحر ، غير ان ذلك كله لا يعني اكتمال مضامين الدولة العراقية المعاصرة والمنشودة ونعني بها دولة المواطنة التي لا تفرق بين مواطن وآخر طبقا لأنتمائه للاغلبية السكانية او السياسية .ان الدعوة الى دولة المواطنة شيء واستكمال تحديثها وتفعيلها على ارض الواقع شيء آخر اذ ان مرتكزات وهيكلية الدولة حالة مكتسبة الوجود والشرعية غير ان اداءها مترد جراء المعوقات الكثيرة التي تعيق التعديلات الدستورية وتحديث مضامين القوانين المشتقة منه بما يتناسب مع التحولات المنجزة والارتقاء الى مستوى المراحل التي اجتازتها العملية السياسية الان والتي وصلت مع قرب اجراء الانتخابات العامة الى منعطف حاد ومصيري يضع العراق على اعتاب مرحلة تحوّل جديدة لقد اظهرت السنوات الستة الماضية ، ومن خلال التطبيقات الواقعية والمباشرة الى وجود ثغرات حقيقية سواء كان على مستوى سن القوانين والتشريعات او على مستوى آليات وسياقات العمل التنفيذي للحكومة ، وعلى الرغم من ان الاطراف العراقية ذات الصلة تتفق على ان الدستور ليس وثيقة او عقد عصي على التعديل ، إلّا ان استمرار التحولات الوطنية واعادة الاصطفافات السياسية على انماط جديدة لاسباب افرزتها مستجدات الفاعل السياسي المتسارعة اوجد ممانعة للتعديلات الدستورية وذهب البعض الى تغيير انقلابي على مجمل بنود الدستور الى درجة الاجهاز على المنجز الديمقراطي المتحقق وبالتالي تعويق بناء دولة المواطنة .ان الذي نعنيه ببناء اسس دولة المواطنة هو استكمال الاستقلال والسيادة المنجزتان وادخال عوامل القوة والمهنية على المؤسسات الحكومية ودحر الفساد الاداري والمالي وتحقيق الامن والاستقرار وخلق ثقافة الانتماء الوطني واحترام المال العام وهزيمة الارهاب وتجذير القوانين واحترامها وفك قيود الاقتصاد الوطني واطلاق القطاع الخاص وتقويته وازالة آثار الماضي الاستبدادي وتشريع بقية القوانيين التي تصون الثروة الوطنية وتحميها واقرار حقوق الشهداء والسجناء والمعتقلين السياسيين وتعويض المتضررين من الانظمة البائدة ومن الاعمال الارهابية والمهجرين وتخليص الثقافة الوطنية من الوصايات التقليدية ، والاهم من ذلك كله الحاق الهزيمة التامة بالارهاب التكفيري ومنتهجي الجريمة السياسية من ذيول النظام البائد وحرمان الفاشية من اية فرصة للعودة الى العمل السياسي وتقويض اركان الدولة العراقية من جديد وتشغيل ماكنة القمع والاستبداد .
https://telegram.me/buratha
