المقالات

الوحدة الوطنية..والبعد التاريخي


جواد الشلال

عندما تقرأ التاريخ القريب تعيش المرارة المزعجة وذلك لخضوع العراق لاحتلال عثماني زاد على الأربع قرون ذاق به شعب العراق الويل والثبور وعظائم الأمور وأصبح الوطن محطة للصراع القومي والطائفي لفترات طويلة وندرك من خلال ثنايا القراءة ان العراق لم يكن سوى مشهد جغرافي مختفي اجتماعيا ووطنيا بين طيات التخلف والوجع إلى حدود سوداء بل قاتمة السواد ..ولم يكن في العراق شيئا سوى اسمه حسب ..ويدور الزمن بثقل كئيب ليتسلم العراق احتلال جديد بعد ان طرد الاحتلال القديم وكأنها دورة الاحتلالات التي لا تنتهي وكان في هذا الزمن تعم العالم علامات النور والتقدم والازدهار ولكن في واقع الاحتلال الجديد للعراق تبدأ حركة الحياة العراقية بالاحتجاج والرفض والثورة ...وربما تلك إشارة أولية لتحديد الهوية الوطنية العراقية التي أصبحت حلما وأملا ينشده الجميع من أبناء الوطن منذ تلك الحقبة والى زمننا هذا ...فلجأت القوات البريطانية المحتلة بتشكيل حكومة عراقية بإرادة ملكية بريطانية ونظم آلياتها المندوب السامي البريطاني بمعنى سلطة من اختيار التاج البريطاني يديرها ملك عربي ولم تكن هويته عراقية من حيث الولادة والنشأة والانتماء ...وورثت تلك السلطة ذات الأصول العربية بلادا اقل ما يقال عنها أنها خراب في خراب فلا نخب سياسية أو ثقافية أو اقتصادية ولا يوجد نظام تعليمي محدد وواضح المعالم بل اغلب المتعلمين هم من خريجي المدارس العثمانية فكانت الأمية بكل فروعها تكاد تكون مطبقة على الشعب العراقي وبات على الملك الصحراوي ان يعمل على بناء دولة جديدة على أسلاب جغرافية اجتماعية ليس لها اثر منظم في الواقع وبالتأكيد ان يراعي البناء أسس واقع اجتماعي قبلي يدين بالولاء إلى شيوخ القبائل ويرتبط بعلاقات الولاء إلى العشيرة فقط بكل تفاصيلها فأصبحت الحكومة إمام إشكالية غريبة وان خيارات الحلول تكاد ان تكون معدومة وساهمت تلك الإشكالية بإسقاطاتها على حركة الحياة السياسية والاجتماعية في بناء تيارات تعمل وفق مناهج ورؤى تكرس بشكل أو أخر نزع الهوية الوطنية العراقية وتعمل على قيام رؤى جديدة وفق معايير النهج الاممي والقومي ....فكان التيار الاشتراكي يعمل ضمن الأسس والقواعد التي بمقتضاها يروم دولة الشيوعية العالمية تكون هويتها مستوردة من الخارج وتحاول ان تمحو الهوية الوطنية الخاصة بالعراق بل تحاول ان تلغي كل قيم وتراث ذلك البلد وتحويلها ووسمها بأنها وباء يمزق ويشل حركة التقدم والبناء الشيوعي وكان له في المقابل المدرسة الإسلامية التي كانت تنتقد بأنها تفتقد إلى نمط التجديد ومحاكة التطور وهي حركة ذات أسلوب تقليدي محافظ وتعمل وفق منهج إسلامي ينشد بناء الأمة الإسلامية التي تذوب بها الهويات الوطنية ويزدهر بها مفهوم الخلافة الإسلامية مع مراعاة عدم غفلتنا عن حركة التجديد والإصلاح التي رافقت تلك الحركة ....ومن ثم ظهر طرف جديد بشكل لافت للانتباه هو التيار القومي وكان لهذا التيار النصيب الأعظم والمساحة الأوسع بما لحق بالعراق من تشظيات هائلة في مفهوم الهوية الوطنية بدواعي قومية وتسخير كل الممتلكات الوطنية من قوة بشرية واقتصادية وعسكرية للأمة وعدم مراعاة الشعور الداخلي للمواطن بان العراق وخيراته هي له ..لكن هناك الكثير من المشاركين معه في منافع البلد والمبتعدين عنه في المصائب زاد من إشكالية تمزيق الهوية الوطنية وبات يدرك المواطن بأن السلطة في الدولة العراقية تحولت إلى منظومة أقارب تتحكم بوجدان وضمير شعب يحتاج أصلا إلى رابط الانتماء والولاء بشكل حقيقي إلى بلد.

اذا نستنتج من ذلك ان أزمة الهوية الوطنية في صميمها هي أزمة سياسية بامتياز مع لحاط جوانب أخرى اقل حدة وهي نتاج مرحلة عقيمة وقاسية وقاسية من التدخلات والاحتلال الأجنبي وبناء الدولة وفق الرؤى الاجنبيه ناهيك عن الثقافة السياسية ألناشئه للسياسيين العراقيين آنذاك ...وانقيادهم إلى اعتماد نظريات أجنبية مختلفة سواء كان ضمن دور السلطة المباشر أو من خلال الأروقة التي تتحكم بها قوى ذات نفس طائفي أو قومي أو قوى ذو القربى وأحيانا قوى تتحكم بها السفراء والقناصل ..وبالتالي ازدادت صورة الهوية الوطنية العراقية عتمته وتشعبا وانحرفت باتجاهات فرعية غاية في الصعوبة والتعقيد ..حتى الانتصارات التي يحققها شعبنا في مجالات الحياة تجد في هوامشها نفس قومي أو طائفي أو عشائري وكأنها تفقد إبعاد الجانب الوطني الذي يريد أبناء الشعب الاعتماد عليه اذا توفرت تلك الفرصة ومما يزيد إرباك المشهد الوطني في الوقت الحاضر ان العديد من القوى السياسية الفاعلة تجتر التاريخ ذاته وبتزويق لفظي جديد للوطنية العراقية وهويتها وتعيد علينا الحكاية من جديد وتحاور وأحيانا تستغفل وتسطح جزء من العقل العراقي الجمعي والذي لا يزال يصدق ويتوارث تلك المفاهيم بشكل جدي ويدافع عنها بعصبية كبيرة ...مما يترتب علينا ان نعود للسباحة في مضمار الإشكالية من جديد..وتبتعد بشكل ملحوظ عن خط النمط الحقيقي والواقعي التي تعتمد على إرساء ثقافة العقد بين الفرد والدولة لتأطره بشكل قانوني مبرمج وتضيف إليه روح المشاعر التي تعتمد مبدأ الانتماء للوطن والولاء له والمساهمة في بناءه ليجد له مكانا في نادي الدول المتحضرة والمتقدمة اجتماعيا وعلميا وسياسيا وحضاريا .اذا بناء مثل هذا البرنامج نعتقد انه ليس سهلا ولكنه ليس مستحيلا أيضا فبناء دولة المؤسسات الحقيقية ودولة القانون المستقل والصارم كفيل بتحويل الهوية الوطنية إلى واقع ملموس يبحث عنه الجميع ويلتف حوله ويحميه

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك