السيد عامر الحسني
لم يكن كرار شخصية سياسية معروفة , ولم يكن من الذين تخرجوا من جامعة أو مدرسة أو معهد , انه ببساطة طفل لم يتجاوز الرابعة عشر من العمر , تكلم ببساطة وسلاسة عن مأساته ومأساة والدته وما يمرون به من شظف العيش في دولة العراق . تكلم كرار في برنامج تلفزيوني في قناة بلادي (قصة من بلادي) حينما قامت القناة بإجراء تحقيق حول عائلته المتكونة من أم وأخت اصغر منه . لقد تكلم كرار ذلك الفتى الواثق من نفسه عن الوضع السئ الذي يعيشه مع والدته في بيت تعصف به الرياح من كل مكان بعد أن تعرض لحادث حريق بسبب مدفأة أكل الزمن عليها وشرب كان يتسرب منها الوقود .كرار هذا الصغير هو المعيل الوحيد لأمه واخته الصغيرة بعد أن أعدم النظام البعثي والده بسبب مشاجرة مع السؤول البعثي عام 1998 .
تكلم كرار بكل ثقة عن معاناته في هذا الزمن القاسي تخللته دموع طفل برئ أبكى كل من شاهده . ومن خلال كلامه تبين بأنه قد ورث الإباء من والدته والتي تكلمت أيضاً عن صبرها وعن عزة النفس التي تتحلى بها حيث بقيت أيام لم يدخل بيتهم شئ يأكلونه ولم تشتكي حتى لأقاربها أو لجيرانها وهو ما أكده مختار المنطقة في مدينة الصدر .
ما أوضحته أم كرار هو رفض لجنة السجناء السياسيين اعتبار والد كرار من الشهداء مما أدى إلى حرمانها من راتب يقيها مذلة السؤال لأن زوجها الشهيد وببساطة لم يعتبر سياسياً لعدم انتماءه لأي حزب , ولأنه وببساطة أيضاً وحسب تقييمهم قام (بعمل متهور) عندما تشاجر مع مسؤول حزب البعث الذي جاء الى بيته لسوقه لحضور تجمع لحزب البعث .
ظهر كرار في اللقاء الحزين وهو يصف الوضع الراهن وبكل دقة , ذلك الوضع الذي يعيشه الآلاف من الأسر الفقيرة التي تعيش في الشوارع الخلفية والتي لا يراها المسؤولون .
لقد فضح كرار النفاق السياسي والأعلام المتزلف الذي لم يقل الحقيقة عن الكثير من ظواهر المأساة التي تعيشها الكثير من الأسر الشيعية الفقيرة التي أعدم عيشها الكريم الحكم المتهور لجناح الانبار وعانة . لقد اتهم كرار حكم دولة القانون الذي أضفى الشرعية على مجرمي النظام البائد وترك أولاد الأبطال الذين رفضوا النظام وشرعيته في أبنية يطلق عليها مجازاً بيوت .
سأله مقدم البرنامج عن الأعمال التي مارسها كرار ذو الثلاث عشر سنة , فقال وبكل ثقة بأنه عمل في البلدية يكنس شوارعها وافتخر بان العمل ليس منقصة . وسأله المقدم مرة أخرى بان العراق بخير , فقال كرار أي خير وأنت في باحة دار ليس له سقف . وقال كرار كلمته الأخيرة عندما سأله المقدم لمن يناشد لحل أزمة عائلته , فقال وبكل أباء بأنه لا يناشد سوى الله .
هل عرفتم قمة الإباء الذي وصل له كرار الذي نعجز ان نجاريه فيه .تحية لكرار ولوالدته التي علمته وأرضعته صفة الإباء والتي تعلمتها من أهل البيت عليهم السلام .أفلا يستحق أن يكون كرار من رجال العراق الأبطال , أم عند الآخرين اعتراض ؟
ملاحظة :البرنامج كان على قناة بلادي يوم الاثنين 11 كانون الثاني 2010 . دعوة للقناة أن تعيد عرضه مرة أخرى.وتحية للعاملين على البرنامج .
https://telegram.me/buratha
