المقالات

لماذا الحسين عليه السلام؟!


حسن الهاشمي

عدة طوائف من المسلمين يتعاملون مع شخصيات وحوادث تأريخية ربما تكون متناقضة في توجهاتها ومواقفها حيال مباديء الإسلام والمسلمين، منهم من يعتقد بالإمام الحسين عليه السلام بأنه إمام مفترض الطاعة وهو يمثل الإسلام الحقيقي حيث أنه الصائن لنفسه الحابس لها في ذات الله الذي لا يريد من نهضته ضد يزيد سوى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإصلاح في أمة جده وأبيه، والبعض يعتقد إن يزيد بن معاوية من بسطت يداه في الحكم فهو الخليفة لرسول الله وله الولاية على سائر المسلمين وكل من يخرج عليه كأنما خرج على إمام زمانه وهو مخطأ في نظرهم حتى لو كان ذلك الإمام الحسين عليه السلام وإن كان يزيد شاربا للخمور وراكبا للفجور ولاعبا بالقرود وقاتلا للنفس المحترمة ومادام هو خليفة فهو مفروض الطاعة حتى لو شيدت خلافته على جماجم المستضعفين، وطائفة ثالثة يعتقدون إن الإمام الحسين عليه السلام ويزيد بن معاوية كلاهما على صواب وكلاهما قد رضى الله عنهما وكلاهما صحابيان مفترضان الطاعة، وهذا هو أغرب المواقف كيف يجتمع النقيضان في الموقف والمباديء في خانة المحبة والأسوة، فهل يمكن الإقتداء بتقوى ونبل ومباديء الإمام الحسين عليه السلام وفي الوقت نفسه الإقتداء بمجون وانحراف وكفر يزيد بن معاوية، وقد قيل في محله استحالة اجتماع النقيضين في وقت واحد ومكان واحد.وانعكس مواقف كل من الإمام الحسين عليه السلام ويزيد بن معاوية على معسكريهما، ففي ليلة العاشر من المحرم سنة 61هـ كانت خيام الحسين عليه السلام تعج برجال مؤمنين ما بين قائم وقاعد وراكع وساجد ومتهجد وداع وكان لهم دوي كدوي النحل من تلاوة القرآن والدعاء والتضرع لله سبحانه وتعالى، بينما معسكر يزيد بن معاوية كانت خيامه تعج بقرع الطبول والدفوف وأصوات الغناء والعربدة والسكر والفجور والمجون، وحينما تكون تصرفات المرء دالة على شخصيته وكينونته وطالما هي التي ترسم ملامح تلك الشخصية إزاء المواقف التي تبدر منها في تعاملها مع مفردات الحياة سلبا أو ايجابا، ولربما تنعكس على مسيرة حياته فتكون حاكية على تحركه الإجتماعي وتعامله الأسري والفردي، ولا يحتاج المرء إلى مزيد من الدقة والإدراك لكي يميز بين المتقي السائر على نهج الحسين الحافظ لحقوق المجتمع والطامح لإحقاق الحق والعدالة، والسائر على سفسطة يزيد الماحق للحقوق والساعي لنحر العدالة على مستنقع الرذيلة والفساد، هذه الثنائية لا تزال متحكمة فينا حتى هذه اللحظة.أنصار الإمام الحسين عليه السلام الذين يبذلون في سبيل تعظيم شعائره وذكره من إطعام ومشاركة في عزاء وضرب على الصدور وبكاء على ما حل به وبأهل بيته وأصحابه من مظالم ومآثم وكل شعيرة تحفظ تلك الثورة من الضياع والإندثار إنما يحافظون في حقيقة الأمر على تلك القيم والمواقف التي ضحى من أجلها الإمام، وهم مطالبون أكثر من غيرهم بالسير حثيثا لتحقيق أهداف الثورة الحسينية من قبيل الإلتزام بالصلاة والصوم والحج والخمس والزكاة وبقية الأحكام التي تقوّم الإنسان وتجعله كتلة متوهجة من القيم والفضائل والكرم والإقدام والشجاعة، على خلاف أنصار يزيد بن معاوية الذين ينتهجون أبشع الطرق في التفخيخ والقتل والإبادة في سبيل الوصول إلى مآربهم الدنيئة والحصول على متاعها الفاني والإيغال في المفاسد والجرائم والإنتهاكات إرضاء للحاكم الظالم الذي يحاول وبشتى الطرق من اتخاذ عباد الله عبيدا وأمواله إرثا لحكمه الظالم ورغباته الحيوانية التي طالما تقوم على الظلم والجور والإرهاب والتعدي والتجاوز على حقوق الآخرين.إذن هي معركة مفتوحة بين الحق والباطل أبطالها الأنبياء والمرسلين والأولياء الصالحين الذين تكللت حركاتهم الإصلاحية بثورة الحسين الخالدة، الذي هو بحق وارث لجميع أولئك الرسل والأولياء لأنه ضحى بالغالي والنفيس في سبيل تحقيقها على أرض الواقع، ومن جانب آخر يقف الظالمون بما أوتوا من قوة وبطش وظلم لغمط حقوق الناس وحصرها حكرا على ملذاتهم وشهواتهم.

وليس من الغريب بعد كل ما عرفنا أن يخرج علينا نفر ضال في بعض الفضائيات ويمجد بيزيد ويخطـّأ الحسين عليه السلام لخروجه على ذلك الطاغية، فهو في الواقع إنما يدافع عن حكم الطغاة في زماننا هذا وانحرافهم وتميعهم وركوبهم شتى ألوان الفسق والفجور والقمار والعربدة، ومهما يكون الدفاع عن تلك النكرات من قبل وعاظ حكام الجور والتعدي والضلال فإنه لا يرتقي بأوصاف هي أشبه ما تكون الضحك على الذقون!! كيف يطلق على الحاكم الجائر المنتهك لأبجديات الأحكام والمتجاهر بشرب الخمر والخلاعة والإنحراف بتسميات أمير المؤمنين وولي الأمر وما شابه ذلك من الأوصاف التي لا تنطبق على أولئك الفسقة الفجرة لا من قريب ولا من بعيد، وإنما تنطبق عليهم سياسة سيدهم يزيد وهي بعيدة كل البعد عن نهج الإسلام الواضح، وتبقى القيم والأخلاق والفضيلة حكر على الأنبياء والأولياء ووارثهم بالحق الإمام الحسين عليه السلام ومن تبعه من الأولين والآخرين منذ نهضته الخالدة حتى قيام يوم الدين.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك