المقالات

لذلك لاتنجح التوافقية في العراق


علاء الموسوي

لم يأت اختيار التجربة التوافقية للديموقراطية الفتية في العراق بمعزل عن الظروف الاجتماعية والسياسية التي يعاني منها ، وان كانت تلك الظروف وليدة الحاضر وليس الامس جراء تعاقب الانظمة المتخلفة والدكتاتورية على حكم المجتمع العراقي حديثا.لايوجد اشكال سياسي على طبيعة اختيار التوافقية كعلاج سياسي لممارسة الحكم في مجتمع تعددي تحكمه الفوارق الاثنية والطائفية .الا ان المشكل هو في عملية تشخيص الجانب التعددي والانقسامي بين المجتمع ذاته، والطبقة السياسية الحاكمة، فضلا عن الافتقار الى النخب السياسية الواعية والمتفهمة لشروط تطبيق التجربة التوافقية واساسياتها في الحكم الديموقراطي.الديموقراطية التوافقية ليست وصفة سياسية جاهزة ليتم اختيارها نسبة الى امكانية تطبيقها ونجاحها في دولة ما. ذلك لان اساس الديموقراطية التوافقية هو التفاعل السياسي مع معطيات المشهد السياسي الذي يحكم تلك الدولة ، وبالتالي التعامل بحنكة سياسية مسبقة تتناغم مع تطبيق النموذج التوافقي للديموقراطية في الحكم.فنجاح التجربة التوافقية مثلا في سويسرا والنمسا لم تكن بسبب حاجة المجتمع التعددي في تلك الدول فقط، وانما لوجود نخب سياسية واعية ومدركة لضرورة تحقيق الانسجام والتآلف السياسي بين المؤتلفين داخل قبة التوافقية في البرلمان، وذلك لان دور القيادات السياسية عنصر حاسم ومهم في الديموقراطية التوافقية، وهو ماتفتقره التجربة التوافقية في العراق بالذات.المقومات الاساسية لتحقيق التجربة التوافقية لم تعد مستساغة وفاعلة في المشهد السياسي العراقي، لسببين رئيسين، اولهما : عدم وجود كفاءات قيادية تفرزها الاحزاب لتمثيلها في المناصب الحكومية التي تقتضي التوافقية خضوعها لمعيار التمثيل النسبي (المحاصصي) بين الاحزاب المتنافسة. وهو ماخلف وزارات مشوهة لم تحقق اي نسبة نجاح يذكر له في بناء دولة مدنية خدمية تحقق الرفاه الاقتصادي للمواطن العراقي.ثانيا: اختيار التجربة التوافقية في المشهد السياسي العراقي لم يأت كحاجة اساسية تم تشخيصها للمجتمع، وانما جاءت كتجربة بديلة عن عدم امكانية تحقيق النظام الفيدرالي في العراق، على الرغم من مشروعيته في الدستور. الامر الذي ادى الى اصابة المشهد السياسي العراقي بتضارب المصالح في النظام السياسي الواحد، بين تطبيق الفدرالية في اقليم كردستان وادخال حكومتها في الوقت ذاته باللعبة التوافقية التي اصبحت عنصر معطل لآمال ومصالح المتنافسين الاخرين.يضاف الى ذلك كله وهو الاهم، ان اللعبة التوافقية لن تنجح ولن تؤدي دورها المرسوم له في مجتمع تعددي مثل العراق، بسبب هامشية المركز العراقي وقوة الوجود الاقليمي داخل مجتمعه السياسي، وهو مايعاني منه العراق ولبنان في بوصلة واحدة وعلى حد سواء.فالتوافقية اصبحت حاجة اقليمية داخل المجتمع العراقي قبل ان تكون حاجة محلية، وهو مانلاحظه من اتصاف النخب السياسية بالاختلاف والتناحر حول رؤية المصالح المشتركة، بعكس المجتمع الذي يمثل اروع صور التلاحم الوطني عبر تأريخه القديم والحديث. الامر الذي ينفي وجود احد اركان مفهوم تطبيق التجربة التوافقية التي تشترط وجود مجتمع منقسم على نفسه، ويعاني من تناحر داخلي بين مكوناته. ماحصل من اخفاقات سياسية طيلة السنوات الست الماضية، ومايعانيه المشهد السياسي حاليا من تلكوء واضطراب، نتيجة تقديم مصلحة الفرد على الكم، وتقديم الرؤية الاقليمية على الاكثرية المحلية، هو بسبب تطبيق توافقية من زاوية منفردة عن النظر الى العراق ككل موحد.فالتخوف من حكم الاغلبية لم يفصح عنه المجتمع العراقي بتاتا، وانما الهاجس الاقليمي الطائفي هو الذي اوجد هذا التخوف وفرضه على النخب السياسية في العراقي من حيث تشعر بذلك او لاتشعر، وهو ماجعل وسيجعل العراق التوافقي اسير مخططات الاجانب بدلا من سيادة الشعب في القرار واختيار النظام السياسي الافضل والملائم لحاجته الوطنية.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك