علي العراقي
إن الأحداث التي تلت احتلال العراق 2003 كان يُراد منها أن تجعل العراق لبناناً ثانياً ، سواء على مستوى الاقتتال الطائفي أم على الصعيد السياسي ، وإذ تمكن مفبركو الأزمات من ذلك على صعيد الاقتتال الطائفي ، ونجحوا إلى حدٍّ كبير أن يجعلوا المشهد السياسي مشابهاً للمشهد السياسي اللبناني ، إلا أنهم لم يتمكنوا من إنجاب طائفٍ ثانٍ ؛ لذلك لجأوا إلى وضع مواد وفقرات في الدستور العراقي تشرعن المحاصصة الطائفية ـ ولو لفترة انتقالية ـ وهذا ما حدث فيما يخص ما يسمى مجلس رئاسة الجمهورية ، إذ يتكون هذا المجلس ـ بحسب الدستور العراقي ـ من رئيس ونائبين في الدورة التي تعقب ولادة هذا الدستور ، وهؤلاء الثلاثة يجب أن يكونوا من المكونات الرئيسة للشعب العراقي ، وهم العرب الشيعة والعرب السنة والأكراد ، ويحق لأحد أعضاء مجلس رئاسة الجمهورية نقض القوانين التي يشرعها البرلمان ، ولا تُعَد هذه القوانين نافذة إلا بعد إقرارها من أعضاء مجلس الرئاسة بالإجماع .
إن مثل هذه المواد والفقرات الدستورية تُعَد ألغاماً يمكنها أن تفجر العملية السياسية ، وتعيق عمل البرلمان ، وبالأخص ما يتعلق منها بتشريع القوانين ، فكثير من القوانين المهمة التي يشرعها البرلمان تُقابَل بالنقض من قبل مجلس الرئاسة ، فإذا رأى الأكراد أن القانون لا يخدمهم نقض رئيس الجمهورية "مام جلال"هذا القانون ، والأمر نفسه ينطبق على د . عادل عبد المهدي ، فإنه إذا شعر أن القانون لا يخدم كتلته في البرلمان أو التشكيل السياسي الذي ينتمي إليه فإنه لا يألوا جهداً في نقضه ، لكن الذي يلفت النظر هو عمليات النقض التي يقوم بها نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي ، إذ يرى الكثير من السياسيين أن الهاشمي كان له دور سلبي على عمل البرلمان ، فكم من القوانين المهمة التي تمسّ حياة المواطن العراقي والخدمات التي يمكن أن تُقدَّم له ، يسنها مجلس النواب ، بيد أنها ترتطم بــ(فيتو) الهاشمي !
لم يكن لأغلب عمليات النقض التي كان بطلها الهاشمي أي مبرر قانوني أو مصلحة اجتماعية تصبّ في صالح المجتمع العراقي ، لكن المصالح الحزبية والفئوية كانت أبرز ما يميّز نقوضه ، فمثلاً القانون الذي يخص القرض الياباني ، والذي يعده السياسيون والاقتصاديون قانوناً مهماً يمكن مدينة البصرة ، التي هي الممول الرئيس للاقتصاد العراقي ، من أخذ مكانها المناسب ، ويجعلها كباقي مدن دول الخليج العربي من حيث التطور العمراني والاقتصادي ، بيد أن فخامة النائب يأبى ذلك ، ويدلو بحجج واهية أوهى من بيت العنكبوت .
ولما لم يكن قانون القرض الياباني أول ما نقضه الهاشمي ، فسوف لن يكون قانون الانتخابات آخر ما ينقضه ، هذا إذا استطاع البرلمان في الفترة المتبقية له أن يسن قوانين أخرى ، إذ يبدو أن هذا آخر سهم في كنانة الهاشمي أراد أن يوجهه إلى قلب العملية السياسية ، ولما كانت نقوضه السابقة ذات صبغة طائفية أو حزبية فان هذا النقض يحمل صفة المصلحة الشخصية ؛ لان الهاشمي ـ كما الدليمي ـ قد خسر سمعته السياسية وقام حزبه بإبعاده وتنحيته عن منصب الأمين العام للحزب الإسلامي وانتخاب أمين عام آخر هو د. أسامة التكريتي لاسيما بعد دوره التخريبي في العملية السياسية المدعوم من بعض دول الجوار وارتباط اسمه بقضية " اعترافات أبي عمر البغدادي " فهذا السهم يراد به اقتناص ما يمكن اقتناصه من أصوات الناخبين بعد أن يكون الهاشمي قد ظهر بعد هذا النقض بطلا وطنيا ، لكن الناخبين بالأخص العرب السنة ينبغي لهم أنهم قد وعوا الدرس جيدا ، فلا القاعدة ولا عدنان الدليمي ولا خلف العليان ولا طارق الهاشمي هم من يدافع عنهم أو يريد مصلحتهم أو ينقذهم من التسلط " الصفوي " فهؤلاء حفنة من طغام الناس لا يرتجى منهم الخير والذي يأمل منهم ذلك ، فإنه كالراكض خلف سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء فإذا جاءه لم يجده شيئا .
واعتقد أن هناك كثيرا من الشخصيات السياسية يمكنها أن تعبر عن إرادة وطموح الجماهير في مناطق غرب بغداد والأنبار وديالى وصلاح الدين والموصل ، فالعديد من أعضاء الإسلامي مثلا يمتلكون الحس الوطني ويتصفون بالاعتدال والعقلانية ، وهناك المثقفون و التكنوقراط وهناك التكتلات العشائرية التي أنقذت تلك المناطق من تسلط الإرهابيين ، لذا سوف لن يصيب هذا السهم الهدف ، وأملنا كبير في إخواننا في هذه المناطق من تغليب المصلحة الوطنية العليا ، ولفظ من يمس هذه المصلحة .
https://telegram.me/buratha
