قاسم العجرش ـ المركز العراقي للتنمية الأعلامية
لم يفلح جيش علي عبد الله صالح في حسم معركة صعدة، كما لم تسعفه نجدات القبائل المساندة له ولا التدخل السعودي ولا الطيارين العراقيين البعثيين الذين يقودون الطائرات التي تقصف مواقع المدنيين في صعدة بشراسة صدامية معهودة تذكر بقصفهم لقرى ومدن كوردستان والجنوب العراقي أبان أنتفاضة العراقيين التي أعقبت حرب تحرير الكويت . ولا يزال الحوثيين في صعدة صامدين في مواقعهم، بل كسبوا مواقع جديدة على الأرض، وجبل الدخان الذي قالت القوات السعودية أنه خاضع لسيطرتها مازال يلقي بدخانه الحوثي على تلك القوات، والحوثيون يحضون بدعم شعبي محلي واسع في الجنوب اليمني الذي ثار هو الآخر، كما أنه يحظى بتعاطف كبير من شعوب المنطقة، وتعالت أصوات الخيرين في العالم منددة بهمجية نظام علي عبد الله صالح، وإفراطه بأستخدام القوة ضد أبناء شعبه..وهكذا فأن صعدة تحولت إلى مستنقع لكل من تورط بحرب باطلة، وتكتشف للمتورطين أنهم سيخرجون مكسوري الجناح وسيلاحقهم عار الهزيمة، فقد كشفت الحرب عن أن المقاتلين الحوثيين ليسوا متمردين يمكن كسر أنوفهم بضربة عسكرية من القوات النظامية اليمينية ، وتبين بعد عدة أشهر من الحرب أنهم مسلحون تسليحا جيدا مثلهم مثل كل الشعب اليمني، فأقتناء السلاح في اليمن جزء من الشخصية اليمنية، كما أتضح أنهم منظمون بشكل أكثر مما تصوره عسكريو البزات الزيتونية اليمنيين ـ تلك النسخة المكررة عن جيش صدام ( الحرس الجمهوري) ـ كما أتضح أنهم ليسوا أولئك الحفاة بوجوه ناحلة ارتدوا سترات متهرئة كما عرضتهم شاشات تلفاز الجزيرة والعربية، بل هم مقاتلون أشداء يعرفون التعامل مع الأسلحة المتقدمة التي غنموها مع أكداس العتاد من القوات الحكومية الهاربة، أو التي تركتها لهم راغبة لأنهم أبناء لذات القبائل !! وهذه نقطة جديرة بالتمعن، كما ساعدت الطبيعة الطبوغرافية المعقدة لمناطق صعدة وجازان بمساحتها الواسعة التي تبلغ أكثر من أثني عشر ألف كيلومتر مربع، على أن يناور الحوثيين المناورة التي يختارونها هم، لا تلك التي يختارها جيش علي عبد الله صالح، ثم أنهم يقاتلون عن قضية مشروعة، فهم يريدون حكما عادلا ليس إلا، فيما يدافع جيش صالح عن نظام ظالم مهتريء من الداخل نخره القات وحول منتسبيه إلى هياكل رجال .ولعل من المفيد الإشارة هنا إلى أنه من المعتاد أن يضع الرجال في اليمن (حفاظات) تقيهم الإسهال الذي يسببه القات.حتى صار وضع ( الحفاظات) تحت السراويل أمر ليس معيب هناك للرجال!!! وللأسباب آنفة الذكر فأن نظام علي عبد الله صالح عجز عن المواجهة ناهيك عن حسم المعركة، ولم ينفع معه كل الترويج بأنه يقاتل شيعة متطرفون، كما لم ينفع معه استعداء بقية العرب وفي مقدمتهم السعوديين ضد مواطنيه، وأكثر من هذا فأن التدخل السعودي وأن كان في الوهلة الأولى يبدو دعما لنظام صالح وخفف عن القوات اليمنية وفتح جبهة شمالية ضد الحوثيين ، لكنه بالحقيقة أضعف موقف النظام كثيرا وأفقد القوات الحكومية اليمنية هيبتها، حيث بدت عاجزة عن حسم معركة مع (متمردين ) كما أسمتهم فلجأت إلى القوات السعودية مستنجدة..ومع أنه يمكن النظر إلى أن التدخل السعودي في اليمن على أنه بالحقيقة جزء من سيناريو يجري تنفيذه في الجزيرة العربية للقضاء على الشيعة هناك، وفي الأذهان القمع الذي يتعرض له مواطنو المملكة من الشيعة في الأحساء والقطيف والمدينة المنورة ومنعهم من أداء شعائرهم الدينية وإغلاق مساجدهم وحسينياتهم، لكن السعودية تورطت في حرب قد تكون مبررة من وجهة نظر المؤسسة الحاكمة السعودية، من منطق أن الحوثيين اخترقوا الأراضي السعودية (وهذه رواية ينفيها الحوثيين)، لكن لأن ليس في يد القادة السعوديين قرار دولي وخليجي بصد ما يسمونه «المد الشيعي»،فبالتالي ليس هناك غطاء لتخل القوات السعودية وطيرانها العسكري،إلا قلق المؤسسة الحاكمة السعدية المدعومة من المؤسسة الدينية الوهابية المتطرف على مستقبلها الآيل إلى الأفول.
كما إن إيران وجدت نفسها معنية بما يجري في صعدة، ولم يمن أهتمامها سيل الاتهامات الموجه ضدها بدعاوى التدخل في شؤون الدول العربية والرغبة في توسيع قاعدة النفوذ الإيراني ـ الشيعي ـ (وفق الاتهامات السابقة والمتجدد بعضها علانية أو ضمنا). إذ مع أن السلطات اليمنية لم توجه الاتهام الرسمي لطهران بدعم الحوثيين، وكانت تقول إن حوزات علمية ومرجعيات دينية متورطة، لكن طهران كانت تسعى بدورها للتواصل مع صنعاء، حيث كان من المفترض حصول لقاء بين وزير الخارجية متكي مع صالح، ولكن الأخير تراجع عن ذلك وأصدر بيانا أعلن فيه إرجاء الزيارة. وبدى الأمر بعد أرجاء الزيارة أو بالأحرى إلغائها وكأن المسؤولين اليمنيين يريدون أن يقولوا شيئين معا، هما بعث رسالة واضحة لإيران، ورسالة أخرى إلى دول الخليج للحصول على دعم ضد الحوثيين من منطلق أن صنعاء لن تحاور طهران على حساب علاقاتها الخليجية. ، بالرغم من أن إيران حتى الآن لم تعلن دعما واضحا لهؤلاء وإنما تنتقد الحرب ضدهم وتدعوا لأيقافها.
وهكذا فأن نظام علي عبد الله صالح بحاجة لنصر عسكري للحفاظ على هيبته، ولا بد له من حسم هذه المعركة، ولكن المشكلة انه لن يتمكن من ذلك. ويبدو أن حرب صعدة ستمتد لأشهر وربما لسنوات طويلة ،وسيمتد لضاها إلى مناطق أخرى تعاني من ذات الظروف، وستتدخل أطراف عدة على الخط، فالكويت والأمارات أعلنتا وقوفهما مع الحكومة اليمنية في حربها ضد الحوثيين، وكأن اليمن يتعرض لعدوان خارجي لا أن الجيش اليمني قد أستبسل على شعبه بنسخة صدامية معدلة عنوانها على عبد الله صالح، والقوات السعودية بخبرتها القليلة وعدم وجود دوافع للقتال وترهل جسمها العسكري، لن تستطيع مواجهة الحوثيين الذين بدوا وكأنهم مستعدين لحرب طويلة الأمد ضد كائن من يكون، وفي الجنوب توشك مؤسسات الدولة اليمنية على الانهيار، وهناك ثقافتين في اليمن ثقافة التخلف في الشمال وثقافة الانفتاح في الجنوب...، وعلى صعيد آخر لن تتورط أمريكا أو سواها بهذه الحرب، وحتى أذا قدمت لأسباب تكتيكية دعما للرئيس علي عبد الله صالح، فسيكون ذلك دعما محدودا بسبب حاجة الإدارة الأمريكية إلى قرار من الكونكرس لمثل هذا التورط، وهو أمر غير ممكن على الإطلاق ، فصورة الخسائر الأمريكية في أفغانستان والعراق وقبلهما الصومال ما زالت معلقة على جدران البيت الأبيض، أما أوربا فهي غير معنية بالأمر على الإطلاق ، بل ربما تريد زوال نظام علي عبد الله صالح مثلما هي تواقة لزوال سواه من الأنظمة الراديكالية.. والدعم العربي لحكومة علي عبد الله صالح سيتحول إلى جيوب أعوانه الفاسدين..الحل العسكري أذن غير ممكن و علي عبد الله صالح ونظامه سينهاران إن عاجلا أو آجلا، وربما..ربما ستكون صعدة المحطة الأولى في زوال الأنظمة الأوتوقراطية الحاكمة خارج سياق التاريخ في منطقتنا العربية
https://telegram.me/buratha
