هشام حيدر
خلصنا في الجزء الاول الى ان لاعلاقة للعلم او المنهج العلمي بمصطلح العلمانية وان التسمية ماهي الا تحريف وسطو على مفردة العلم وان الاصح اطلاق مفردة(اللادينية) !فهل ان اللادينية تعني الالحاد...؟؟؟ ام تعني فصل الدين عن مؤسسات الدولة وقوانينها ومنع الدين من التدخل بالتشريعات ..؟؟؟هناك فريقان يناصر كل منهما احد هذين الاتجاهين ويدافع عنه وانا ارى ان الاثنين ماهما الا وجهين لعملة واحدة الفرق بينهما فقد في ان من ينظر للاتجاه الثاني انما يخدع نفسه ليس الا !اما مناصري الاتجاه الاول فهم يخدعون الناس قبل ان يخدعوا انفسهم!اما بالنسبة للالحاد فانا اعتقد انه وبعد رقي العقل البشري واستخدامه الاسس العلمية وطرق البحث والاستنتاج والاستقراء فان القول بالالحاد ونفي وجود الخالق والسخرية من هذا القول انما تعني السخرية من العقل البشري والعلم قبل كل شيء!والموضوع ليس وليد اليوم بل انه اشبع بحثا وتفصيلا منذ قرون !وللحق فان البعض على مر التاريخ وحيث يعتقد انه اصبح(عالما) فانه ينظر الى نفسه وكانه حل محل الاله وخلاصة الامر انه كمن ينظر الى الناس من اعلى جبل..يراهم صغارا ويرونه كذلك !
يقول شاعر عربيقال المنجم والطبيب كلاهما ** لاتبعث الاجساد قلت اليكماان صح قولكما فلست بخاسر ** او صح قولي فالخسار عليكماحيث ان جوهر الدين ودعاوى الرسل تتمثل في الرقي بالمجتمعات البشرية والسمو بها......(انما بعثت...لاتمم مكارم الاخلاق)!وحتى لاتصيب الحساسية بعضهم من ذكر شاعر عربي وحديث نبوي انقل قولا لـ(باسكال) لايخرج في مضمونه عن قول الشاعر اعلاه اذ يقول باسكال متحدثا عن حياة مابعد الموت(لنعتقد جازمين ونراهن عليها بكل شيء، فإن لم يكن شيئا لم نخسر شيئا وإن كانت حياة أخرى خسرنا كل شيء)!وقد انتشرت بعض الافكار الالحادية في زمن الدولتين الاموية والعباسية وينقل صاحب كتاب الاحتجاج رحمه الله احدى المناظرات مع بعض هؤلاء حيث تم تحديد موعد للمناظرة فتاخر الطرف المسلم كثيرا عن مجلس المناظرة وحين وصل قال حدث في الطريق امر عظيم اصاب الناس بدهشة وحيرة ! ولما سالوه واستفسروا منه عما حدث قال(لما أنتهيت إلى ضفاف دجلة وأنا في طريقي إليكم رأيت شجرة ضخمة تهوي إلى النهر من تلقاء نفسها ثم شاهتها تتقطع قطعاً متشابهة متشاكلة منظمة ثم أبصرت هذه القطع تتلاقى وتتلاحم على شكل زورق ثم سال عليها القار ودخلت فيها المسامير فأصبحت زورقاً رائعاً ثم رأيت هذا الزورق يقف عندالضفاف من تلقاء نفسه فإذا ركب به الناس سار بلا مجداف ولا سائق حتى يصل إلى جانب الأخر فإذا ركب به الناس من ذلك الجانب سار بهم إلى جانب الأول وهكذا.وكان هذا هو العجب الذي رأيته وسبب لي التأخير)!!فسخر منه الحاضرون وعجبوا ان يكون هذا مناظرا وهو بهذه العقلية فانكر عليهم انكارهم فقالوا(كيف تريد ان نصدق ان شجرة تتحول الى زورق هكذا ثم يسير الزورق بلا صانع او سائق)..؟؟فقال(كما تريدون ان نصدق ان هذه المجرات والافلاك وجدت بلا صانع وتسير بلا قائد)!!الخلاصة ان الاعرابي لخص الدليل بقوله (الاثر يدل على المسير والبعرة تدل على البعير)وانا اقول ان من لم يرق عقله لدليل الاعرابي فان رعي الاغنام كثير عليه!وحيث ثبت وجود هذا الخالق العظيم الحكيم فلا بد انه حكيم في كل شيء حيث لم تصل البشرية بعد الى سبر الواحد بالمليون او المليار من اسرار هذا الكون العجيب واذا بها تتطاول عليه وعلى صانعه وموجده وتريد ان تجعل من نظريات تتبدل وتتهاوى بين الفينة والاخرى بديلا لما سنه وشرعه هذا الصانع المبدع!وقد يقول قائل انما نريد ان نقول ان العبادة محلها المسجد او الكنيسة وان الامور الدنيوية المادية تتغير وتتبدل وتحتاج الى قوانين مرنة ولايمكن اليوم تطبيق قانون عمره الاف السنين..الخ!وهؤلاء هم اصحاب الاتجاه الثاني غالبا كما اسلفنا ووضحنا اعلاه !يحاول هؤلاء ان يبينوا انهم متدينون فيما بينهم وبين ربهم وان العبادة والدين لاعلاقة لها بالامور الاخرى وانهم يقدسون الدين والصلاة في مكان العبادة فحسب ويجب منع رجال الدين والدين من ان يقحموا انفسهم في الامور الاخرى فلكل مختص يختص به !وانا اقول ان هذه كذبة كبيرة وخدعة لاتقل عن خدعة تسمية العلمانية نفسها!واسال هؤلاء هل انكم تسحبون الادمية والمواطنة من رجل الدين ..؟؟؟ والا باي حق تمنعونه من ممارسة (الحق الدستوري) وتخالفون نصا دستوريا عالميا(المواطنون سواسية امام القانون ويتمتعون بكافة الحقوق والواجبات )..؟؟؟ولماذا تناقضون انفسكم حيث تمنعون رجل الدين من الخوض في غير اختصاصه وتبيحون لانفسكم هذا الامر حيث تخوضون بالدين وغيره..؟؟فنجد هذا يفسر نصوصا دينية على هواه وهذا يفترض انتهاء العمل بهذا الحكم واخر يريد تبديل حكما اخر !!!وبالنتيجة نجد السخرية من النصوص والممارسات الدينية والتهريج في ثنايا كتابات من يدعون انهم (متدينون) في بيوتهم (علمانيون) في عالم السياسة وغيره!فما المانع من التصريح بما تنطوي عليه انفسكم من قناعات؟؟يصل بهم الامر الى محاولات منع الدين من الدخول في مثل قانون الاحوال الشخصية حتى ! ويرون ان الامر خاضع للقانون المدني كما في معظم الدول الاوروبية!وانا ادعي خلاف ذلك تماما!هل يجيز قانون في دولة (علمانية)ما زواج الاخ من اخته او امه او ابنته..؟؟؟؟؟ الجواب ببساطة............. لا !لماذا؟يقولون ان هذا مخاف للفطرة الانسانية وماالى ذلك وهذا غير صحيح !اذا لم تجيزون الزواج المثلي..؟؟؟ هل وجدتم في الفطرة الانسانية او حتى الحيوانية مايشير الى موافقة ذلك لها..؟؟هل كنتم تبيحون ذلك حتى زمن قريب..؟؟اذا فان المنع من زواج المحارم له اصوله الدينية ولو صح زعمهم لاباحوا ذلك في دولهم (العلمانية اللادينية المدنية التي لاعلاقة للدين بتشريعاتها)!!لكن هذا قد يجاز لاحقا ويباح اذا مااعتاده المجتمع هناك كما اباحوا الزواج المثلي في بعض الدول تباعا جريا خلف رغبة المجتمع وكثرة المطالبين به !بل ووصل الامر الى ان يعقد في الكنيسة وقد يكون بعض رجال الكنيسة....مثليين !!يتضح ان الاصل هو الاهواء والرغبات فبعد رفع شعار (دعه يعمل دعه يمر)جاء شعار(دعه يفعل مايشاء)!لكن شعار الراسمالية هذا اثبت فشله في اكثر من مناسبة وخلق ازمات اقتصادية عالمية مثل تلك التي حدثت في ثلاثينات القرن الماضي او التي نعيش بعض فصولها اليوم الامر الذي استدعى قادة الدول الصناعية الكبرى للاجتماع والبحث في تغيير الاساس الاقتصادي للراسمالية بل ووصل الامر الى البحث في النظام الاقتصادي الاسلامي!اذ ان هذا النظام كان اقل المتضررين مما خلقه اقتصادهم وان المجتمعات الاسلامية تعيش حالة توزان اذ تشكل الطبقة الوسطى فيها غالبية المجتمع لاكما تشهد غالبية مجتمعاتهم بروز طبقتين...مترفة ومعدمة بينما يقل وجود الطبقة الوسطى!وحيث يبحث بعض كبار اقتصاديي العالم اليوم كيفية الاستفادة من النظام الاقتصادي الاسلامي اذكر قبل سنوات قلائل فحسب احد هؤلاء(العلمانيين)على البالتوك يسخر من كتاب (اقتصادنا)للمرجع الشهيد السيد محمد باقر الصدر اذ قال بالحرف(ان اصغر موظف في اصغر بنك اوروبي لن يكلف نفسه عناء قراءة مثل هذا الكتاب وسيلقي به في سلة المهملات)!ان هذه النظرة الاستعلائية تدينكم ايها السادة المدعون للتحرر والتمدن وتضاف الى سجلكم العنصري والى ملفكم الاجرامي الذي نحن بصدد تقليب اوراقه وكشفها تباعا!لم يصدق ادعائكم بانكم تريدون الناس سواسية امام القانون وانتم تحجرون على رجل الدين وكانه ليس من (الناس) ولم يقتصر الامر على رجل الدين بل شمل كل منخرط في العمل السياسي تحت واجهة دينية!وكانكم تخشون طرحه لفكره واحتكامه الى الشعب وخياره عبر صندوق الاقتراع! ولقد سجل لكم التاريخ صفحات سوداء تتمثل باطلاق يد العسكر لمنع حدوث ذلك كما حدث في تركيا والجزائر حيث تستعين العلمانية بالجيش فتقوم بانقلاب عسكري على الخيار الديمقراطي.....بدعوى حماية علمانية الدولة !!!لكن هل ينطبق هذا على اسرائيل مثلا...؟؟؟ لم اذا تدعون انها واحة ديمقراطية في صحراء العرب وانتم ترون الاحزاب الدينية المتطرفة تصول وتجول هناك؟لكن لاعتب فان الدولة برمتها ذات اساس ديني !اهذه هي الدولة المدنية التي تنظرون لها....؟؟؟الدولة المتحضرة المدنية التي تبيح التعري.... وتمنع التحجب !! مع ان كليهما حق للفرد وخصوصية يكفلها القانون والدستور!لكن الحقيقة هي ان الامر برمته لايتعلق بمدنية او تحرر بقدر مايتعلق بخدمة ذلك للمشروع الاستعلائي الاستعماري للدول الكبرى فتجدها حليفة لتركيا وللسعودية ولاسرائيل...في ان واحد !وقبل ان تقولها (عزيزي العلماني الليبرالي)....انا اقول نعم...انا انسان رجعي لاسيما اني عربي وعند البعض (شروكي)....ولازالت تعشعش في مخيلتي المريضة نظريات بالية عفى عليها الزمن ونسج عليها العنكبوت( قماش بازة) مثل نظرية المؤامرة !!لكني اسوقفك هنيهة واستميح لطفك وكرمك وذوقك واستجلب شفقتك على مخلوق مثلي وارجو تفضلك بتوضيح كيفية اجتماع هذا الكم من النقائض !!!لاني اؤمن كذلك بنظرية تقول.....(النقيضان....لايجتمعان)!!!فما بالك بهذا الكم من النقائض..؟؟يتبع
هشام حيدرالناصرية
https://telegram.me/buratha
