المقالات

العرب وايران.. صناعة العداوة ؟!


بشـير زعبيـه

أستغرب اصرار بعض العرب على استعداء ايران وذهابهم الى حد الجهر بالتصريح ان (الخطر الايراني) أكثر تهديدا للعرب من الخطر الاسرائيلي، والسبب ـ الظاهر على الأقل- القلق من برنامج ايران النووي - وهو السبب الذي فرخ أسبابا أخرى، أكثرها ضجيجا تدخل ايران في الشؤون الداخلية للدول العربية من خلال دعم حزب الله في لبنان وحركة حماس في فلسطين وأخيرا دعم الحوثيين في اليمن ويتصل بكل ذلك محاولات نشر المذهب الشيعي في البلاد العربية، والحقيقة أن اعلان العداء ضد ايران ما بعد الشاه ظهر واضحا منذ انتصار الثورة الايرانية 1979، وبلغ حد الصدام العسكري الذي تجلى في حرب شرسة بين ايران والعراق دامت ثماني سنوات.

بعد أقل من ثلاثة أعوام من نهايتها بدأ يظهر الجانب العبثي من تلك الحرب التي أودت بحياة قرابة المليون شخص، فاتفاق الجزائر 1975 الذي ألغاه النظام العراقي عام 1980 من طرف واحد ملحقا بمطالب عراقية كاملة في الاهواز واقليم عربستان وخوزستان وكان أحد مبررات الحرب راجع هذا النظام نفسه واعترف به متخليا عن تلك المطالب، والعرب الذين دعموا العراق تحت مبرر الدفاع عن بوابة العرب الشرقية، هم أنفسهم الذين وقفوا بعد سنتين فقط ضد العراق وساعدوا في دك هذه البوابة وفتحها على مصراعيها أمام الاحتلال الأجنبي! بعد أن رجعت أمريكا التي قادت الجميع في دعم العراق لتقود ذاك الجميع نفسه في حرب مدمرة ضد العراق نفسه ونظامه نفسه ..كانت الحربان من صنع أمريكي، مرة مع العراق وأخرى عليه، ثم تعمل أمريكا على تجييش هؤلاء العرب ضد ايران، وهي ان كانت تفعل ذلك في كل مرة لحساب نفسها، لحساب مصالحها في المنطقة (النفط واسرائيل)، فما هي المصالح التي تدفع بعض العرب لمعاداة ايران واستعدائها؟! السؤال نفسه الذي طرح ابان حرب الخليج الثانية اذ بُرر في الأولى بغزو العراق لجارته الكويت، سيما وأن هؤلاء العرب رأوا كيف يتقلب سلوك الادارة الأمريكية في العمل من أجل مصالحها، دعمت العراق وجعلت منه أكبر قوى المنطقة ثم انقلبت عليه ودمرته وجعلته أضعفها حين اقتضت مصالحها ذلك، لكن أية مصالح للعرب في معاداة ايران الى حد تقاطع موقفهم هذا مع الموقف الاسرائيلي، وكيف يمكن فهم هذه الحالة التي يراد لها أن تكون بما تحمله من متناقضات : اسرائيل عدو العرب وايران عدو اسرائيل والعرب عدو ايران، واذا صحّ ما يروج له من مخاوف اسرائيلية من ايران فهل ما يخيف اسرائيل يخيف العرب في الوقت نفسه؟! أولم يسأل العرب المنخرطين بحماس في الحملة على ايران أنفسهم ماذا لو تبدل المسلك الأمريكي في لعبة المصالح؟ جربت أمريكا في حملتها على ايران سياسة الاحتواء ثم العقوبات وحرضت غيرها على الابتعاد من هذه الدولة، فلماذا لا تقترب وتجرب سياسة الحوار؟ قد تفعل ذلك، ولا شك أن تورطها في العراق وأفغانستان سيجعلها بحاجة الى هذه السياسة بمعنى أنها بحاجة الى ايران، وقد جربت جدوى ذلك في حربها ودخولها أفغانستان والعراق، وهناك من بين سياسييها من يشجعها في هذا الاتجاه (أنظر تقرير بيكر- هاملتون) والسماح بدور لايران خاصة فيما يتعلق بالعراق، لكن ايران تريده دورا كاملا على مستوى المنطقة وهي تصعّد المواجهة أحيانا وتضغط من أجل ذلك، وهذه مسألة خاضعة للتفاوض وعن طريقه يمكن تخفيض سقف المطالب، وفي سياق كهذا قد تجد الادارة الأمريكية مخرجا لتقليل خسائرها دون التنازل عن مصالحها الاستراتيجية: النفط وضمان أمن اسرائيل ..وعلى المائدة يمكن أن يطرح كل شيء، فالنفط لا مشكلة حوله ، الشركات النفطية تعمل في الخليج بمنتهى الحرية وتحت حماية القوات الأمريكية نفسها ، وايران محتاجة في كل الحالات الى تسويق نفطها سواء كان الزبون أمريكيا أو غيره، أما ما يتعلق بـ(أمن اسرائيل) فبامكان المفاوض الايراني اقناع نظيره الأمريكي بأن بلاده لا تشكل خطرا على اسرائيل كما يروج له الآن، وأن الايرانيين لن يكونوا أحرص من الفلسطينيين على قضيتهم وهاهم اختاروا طريق التفاوض مع الاسرائيليين وقد سبقهم عرب الى ذلك وآخرون على الطريق، كل ذلك على أن يسلم الأمريكيون بالدور الايراني، وسنسمع بعدها ما يؤكد أن لا نية عسكرية وراء برنامج ايران النووي، أما الارهاب فتدرك أمريكا أنه تهمة رحالة تلاحق بها من تعتقد أنه يعرقل مصالحها، ولم نر مسؤولية ايرانية مثبتة عن عملية ارهابية واحدة استهدفت المصالح الأمريكية، حتى الذين نفذوا هجمات الحادي عشر من ايلول/سبتمبر حسب الرواية الأمريكية لم يكن من بينهم ايراني واحد بل كان أكثر من نصفهم ينتمون الى جنسية بلد عربي واحد، أما ملف حزب الله فسيكون أمره أقرب الى مائدة التفاوض السوري الاسرائيلي .. هذا سيناريو مفترض وغير مستبعد في التعاطي السياسي ولعبة المصالح، فان حدث، ماذا سيكون الحال بالنسبة للعرب الذين انساقوا وراء نهج العداوة مع الجار الايراني؟! اذن لماذا لا يختصرون الطريق ويعيدون النظر في علاقتهم مع ايران على قاعدة البحث عن المشترك بمنطق الجيرة والتاريخ والجغرافيا والواقع السياسي، فهم الباقون وغيرهم طاريء، نعم هناك مخاوف عربية وغياب ثقة أمام ما يرونه من طموحات الجار (الفارسي) على حساب أمنهم واستقرارهم ووحــــدة أراضيهم بل ونسيجهم الاجتماعي، وهناك أسئلة مقلقة مشروعة يفترض أن يجيب عنها هذا الجار بما يطمئن جيرانه، وكل ذلك يمــــكن تفهمه، ويمكن طرحه على مائدة الحوار والتفاوض بقليل من الصبر وبما يخدم المصالح الحقيقية للطرفين وفق أجندتهما بعيدا عن أجندة الآخــرين .. لقد تفاوض العرب مع عدوهم الاسرائيلي ومنهم من تصالح معه ومنهم من يسعى وينتظر، وقدم العرب مجتمعين مبادرة للسلام مع اسرائيل، فكيف لا يمكن الجلوس مع جار مسلم والتفاوض معه، لماذا لا تطرح مبادرة علاقات استراتيجية بين العرب وايران قد تتلوها أخرى بينهم وتركيا؟! أليس من شأن هذا تعزيز الموقف العربي السياسي والاقتصادي؟ أليس اتجاه مثل هذا سيشكل ورقة قوية بيد العرب في تعاملهم مع الآخرين .. وفي غياب هذا وحضور الشك والاحتقان والشحن الخارجي تجذَّر أسباب الخلاف، وثمة من يستدرج الطرفين ومن ثم المنطقة بدفع الخلاف الى حد الصدام، نأمل ألا تكون الحالة الحوثية شرارته الأولى، ونأمل ألا تكون في ذلك اجابة عن السؤال القلق أيضا لماذا يتكدس السلاح منذ مدة في المنطقة عبر صفقات مليارية قياسية رشحتها لتكون من بين أكثر المناطق تسلحا في العالم.

' كاتب ليبي

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
سليم
2009-11-18
ليقتلوا الحوثيون المظلومين وكل مظلوم في العالم .لانهم اخوان اسرائيل .امرهم الله يتركو القدس مستباحه .وجهادهم ظد ماهو مظلوم .افهموها .
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك