المقالات

الانتخابات التمهيدية في العراق بين القراءات الموضوعية واللاموضوعية


عادل الجبوري

نحن قبال تجربة وممارسة ديمقراطية غير معهودة ولا مألوفة في ثقافتنا السياسية في اطار المجتمعات والنظم السياسية للعالم الثالث، بالرغم مما يمكن ان يرافقها من اخطاء وسلبيات ونقاط ضعف".هذه احدى التعليقات على الانتخابات التمهيدية التي اجراها بالتتابع مؤخرا كل من التيار الصدري والمجلس الاعلى الاسلامي العراقي، لاختيار مرشحيهم للانتخابات البرلمانية العامة المزمع اجراؤها في السادس عشر من شهر كانون الثاني-يناير المقبل.والتعليقة المشار اليها في بداية السطور ربما تختزل احاديث طويلة وتقييمات تفصيلية للتجربتين.وبما ان خطوة التيار الصدري وبعده المجلس الاعلى لم تكونا مسبوقتين في ظل سياقات وممارسات ديمقراطية حديثة العهد في بلد رزح تحت وطأة الديكتاتورية والاستبداد لعدة عقود من الزمن، ولم يعرف ابنائه شيئا اسمه انتخابات حقيقية وتصويت لاناس يعرفونهم ويقتنعون بهم، فأن القراءات التحليلية للتجربتين-او قل التجربة-قد تحتاج الى بعض الوقت لتتكامل عناصرها وتتبلور صورتها النهائية.ولعله من الطبيعي ان يظهر نوعين من القراءات التحليلية لتجربتي الانتخابات التمهيدية.النوع الاول من القراءات يمكن ان نصفها بالقراءات غير الموضوعية والمتسرعة، لانها اما انطلقت من حسابات سياسية واجندات انتخابية ارتبطت بطبيعة الاصطفافات والتحالفات التي اخذت تتشكل وتتبلور في الاونة الاخيرة استعدادا لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، او انها انطلقت من معطيات وحقائق منقوصة ومجتزئة، وفهم غير كاف لابعادها ودلالاتها السياسية.والنوع الثاني وهو الاهم، والذي يستحق قدرا كبير من التوقف والتأمل والمراجعة، ويتمثل بالقراءات الموضوعية التي تأخذ بعين الاعتبار نقط القوة ونقاط الضعف، وعموم السلبيات والاخطاء التي رافقت تجربتي الانتخابات التمهيدية، مع اهمية التأكيد على انه رغم اوجه التشابه من حيث الاطر والمضامين العامة، تبقى هناك خصوصية من حيث الاليات والسياقات لكل من التجربتين تميزها عن الاخرى.واذا كانت ارقام المشاركين ونسب الاقبال على تلك الانتخابات تعد واحدة من مؤشرات النجاح او عدم النجاح، فأنه من الخطأ وفق القراءات الموضوعية جعل هذا العامل هو المعيار الوحيد في التقييم.فمن ناحية من شأن تلك التجربة ان ترسخ النظام السياسي الديمقراطي، وتؤسس لثقافة سياسية فيها الكثير من الدينامية ومثلما يقال "ان ذلك يعد مؤشرا مهما على القدر الكبير من الوعي والثقافة السياسية التي بات يتمتع بها الشعب العراقي، بعدما رزح لعقود طويلة تحت وطأة انظمة استبدادية قمعية سعت طوال الوقت الى تهميشه وتغييبه عن مجريات الامور، وان الاقبال على الترشيح، والاقبال على الانتخاب، وفق سياقات واليات ديمقراطية شفافة يعطي رسالة واضحة تعبر اصدق تعبير عن الايمان بالمباديء الديمقراطية السليمة، والسعي الجاد والمخلص لترسيخها، وجعلها جزءا محوريا ومهما من اسس ومرتكزات النظام السياسي للعراق الجديد".وقد تبدو مفارقة ان تبادر تيارات دينية غالبا ما وجهت اليها اصابع الاتهام بالانغلاق وطغيان نزعات الاستئثار والاقصاء لديها، وبعدم تقبلها للعبة الديمقراطية واستحقاقاتها ونتائجها، تبدو مفارقة ان تبادر الى فتح افاق جديدة في فضاء المشهد السياسي بكل تعقيداته وتجاذباته، وهو ما تعجر عن القيام به قوى وتيارات تتبنى الافكار والاطروحات الليبرالية في خطابها السياسي والاعلامي.وهنا فأن الامتداد والعمق الجماهيري يشكل حافزا مهما وقويا لخوض هكذا تجارب، ولاشك فأن ما يتمتع به كل من المجلس الاعلى الاسلامي العراقي، او بتعبير اعم تيار شهيد المحراب، والتيار الصدري من ثقل وحضور وتأثير جماهيري لايقارن بما تتمتع به قوى وتيارات سياسية كثيرة في الساحة العراقية، وازاء ذلك فأنه ليس غريبا حينما يشارك ملايين الناس من انصار واتباع ومريدي التيارين، وكذلك من شرائح وفئات اخرى في الانتخابات التمهيدية، وبحسب الاحصائيات الرسمية للتيار الصدري فأن مليون ونصف المليون شخص شاركوا في الانتخابات التمهيدية للتيار، ووفق التقديرات الاولية فأن مايقارب مليوني شخص قد ادلوا بأصواتهم في الانتخابات التمهيدية لتيار شهيد المحراب ، على امتداد خمسة ايام، وبطرق التصويت الخمسة التي تم اتباعها(صناديق الاقتراع الثابت، والصناديق المتحركة، واستمارات التصويت الخاص، والبريد الالكتروني، والرسائل القصيرة عبر شبكة الهاتف النقال).واذا كان هناك من يتحدث عن عمليات تزوير وتلاعب قد حصلت هنا وهناك، فأن ذلك ربما ينظر اليه كأمر طبيعي، ارتباطا بفترة الاعداد الزمنية القصيرة، والاليات المتعددة للتصويت، ناهيك عن حقيقة ان اية انتخابات لايمكن ان تخلو تماما من مسألة التزوير والتلاعب، بنسب متفاوتة.ويتوقع مراقبون ان تبادر قوى وتيارات سياسية مستقبلا الى تقليد تجربتي الانتخابات التمهيدية للمجلس الاعلى والتيار الصدري، مع بعض التعديل، في ذات الوقت الذي سيحرص فيه التيارين على تأصيل تجربتيهما، وتحديثها وتطويرها في الاستحقاقات الانتخابية الاخرى، بما يضمن معالجة الاخطاء والسلبيات وتلافي نقاط الضعف والقصور فيها.ولعل الشيء المهم بالنسبة للانتخابات التمهيدية هو انها رسمت-او يفترض ان ترسم-الخطوط الاولى والاولية لمعالم وملامح المشهد السياسي القادم على ضوء نتائج الانتخابات البرلمانية المقبلة التي لم يتضح بالكامل بعد فيما اذا كانت ستجرى في موعدها المقرر كما تسعى قوى وكيانات سياسية عديدة من بينها المجلس الاعلى والتيار الصدرين ام ان "عقدة كركوك" ستدفعها عدة شهور الى الامام؟.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
احمد الربيعي
2009-11-06
بالفعل الانتخابات التمهيديه خطوه مباركه في طريق ترسيخ الديمقراطيه..وانشاء الله ستتم الانتخابات في موعدها ويتم الاتفاق على مساله كركوك
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك