( بقلم – منتصر الطائي )
كنت مولعا ً في وقت ما والى حد كبير بمتابعة و مطالعة الصحف العراقية وبعض الصحف والمجلات العربية (كزهرة الخليج والصدى والخليج والوفاق والقدس والدستور والاتحاد والرأي) التي كانت تصل إلى العراق مؤخرا إلى درجة جعلتني افتقد لذة الطعام إن لم تصحبه بعض التوابل الصحفية، وكنت وقتها أقرا في يوم من الأيام في إحدى الصحف العراقية مقالا سياسيا يخص الشأن الدولي ويتعرض كاتب هذا المقال إلى المملكة العربية السعودية ويتهم أصحاب الشأن فيها من العائلة المالكة ولاسيما الملك فهد بن عبد العزيز بعمالتهم لأمريكا وبريطانيا وإسرائيل حتى انه صب جام غضبه عليهم وبكل من أوتي من قوة حتى عبر عن الملك فهد بن عبد العزيز بكونه (خائن الحرمين الشريفين)على غرار ما هو متعارف عليه على المستوى المحلي السعودي بل وحتى عربيا ًوعالميا ًعلى المستوى الدولي ﴿بكونه خادما للحرمين الشريفين﴾، وصادف في مساء ذلك اليوم أن تعقد القمة العربية في إحدى الدول العربية، والتي أثمرت عن عودة المياه إلى مجاريها – بعض الشيء - وان كان ذلك بصورة شكلية بين العراق والمملكة العربية السعودية ولاسيًّما بعد أن تبادل القبل والاحتضان كل من (عزة إبراهيم) نائب رئيس مجلس الوزراء العراقي في ذلك الوقت وملك السعودية عبد الله بن عبد العزيز الذي كان وليا للعهد السعودي آنذاك، مما حدا بذلك الكاتب نفسه وبالصحيفة نفسها بل بذات الصفحة والزاوية أن يكتب مقالا ً آخراً في اليوم التالي يتطرق فيه إلى التاريخ الكبير والخالد للمملكة العربية السعودية في حماية الإسلام والمسلمين ولاسيَّما وهم يأخذون على عاتقهم خدمة الكعبة الشريفة.. حيث ذكر الكاتب في جملة ما كتب..(وهذا ليس بالغريب على خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز)..
ومنذ ذلك الوقت لمست مدى خطورة تسييس الإعلام عموما ً(المرئي والمسموع والمقروء)، ومن ذلك الوقت بدأت اعي وافقه معنى وبال تدليس الحقيقة الاعلامية..
فبين ليلة وضحاها استحال العدو اللدود العميل الخوّان إلى صديق حميم أمين، وتبدلت الأوراق وتغيّر الكلام وانتحى نفس الإعلاميين من أمثال هذا الكاتب الصحفي منحىً آخر يتفق مع مستجدات المرحلة..وهذه هي الطامة الكبرى فالإعلام المدلس والمسيّس الذي يتجرد من الحقيقة في اغلب الأحيان إعلاما هداما لا بنّاءا، حتى إننا لا نستطيع التعبير عنه بأنه يمثل ماهية الجاهل الأحمق الذي يضر أكثر مما ينفع وان أراد النفع لأنه لا يستوعب إلا صور الضرر و من جميع الجهات وان لم يكن ضرره واضحا للعيان في الوقت نفسه فلابد من أن يأتي الزمان الذي يظهر فيه الحق ويزهق الباطل فإذا بالباطل يمسي زهوقا، وهذا ما حدث بالفعل مع الإعلام العراقي حيال دول المنطقة بعد سقوط نظام صدام..من هنا أدعو إلى ضرورة تفعيل كل القوانين التي تحمي الإعلام العراقي من تسييسه عندما لا يتخذ إلا بوقا إعلاميا لا يعبر عن حاجة الوطن ولا يمثل تطلعات الشعب ولا ينقل إلا أنصاف الحقائق.
لذا نحن بحاجة إلى إعلام جديد، إعلام لا يحتكم إلا للغة العقل، ولا يجعل إلا مصلحة العراق والعراقيين فوق كل اعتبار في الوقت الذي لا يتعدى فيه على الآخرين من دول الجوار، إعلام يبتعد عن كل صور وأساليب المهاترات والعنف والإرهاب الإعلامي الذي لطالما ضقنا ذرعا به، إعلام يضع الله – جلّت آلاؤه – نصب عينيه في كل صغيرة وكبيرة، إعلام يطوي الصفحة السوداء الماضية ويفتح صفحة بيضاء جديدة يفوح منها أريج الحقيقة والأمل وخدمة الوطن والشعب.
https://telegram.me/buratha