( بقلم : الدكتور منذر الفضل )
تابعت بأهتمام جميع مجريات جلسات محاكمة العصر سواء تلك المتعلقة بقضية الدجيل التي وقعت أحداثها عام 1982أم في قضية الآنفال التي وقعت في الفترة بين عام 1987 و1988 والتي تنظرها الآن المحكمة الجنائية العراقية المختصة برئاستة القاضي عبد اللة علوش العامري الذي لم أسمع بأسمه منذ دراستي للقانون قبل 38 عاما وحتى تاريخ أول جلسة في قضية الانفال رغم تدريسي لسنوات طوال في كليات القانون في جامعة بغداد والموصل والمعهد القضائي في بغداد وحتى في الدورات التدريبية للقضاة في المعهد التابع لنقابة المحامين الامريكية في براغ. وهذا لن ينقص من شخصية القاضي المذكور ولكن وكمراقب أستغرب من بعض تصرفات القاضي في قضية تعد من أخطر القضايا منذ سقوط النازية عام 1945 ولهذا سنحاول التمسك بقواعد الحياد لما يجري في سير المحاكمة ومحافظا على احترام مبدأ إستقلال القضاء وعدم جواز تأثير وسائل الاعلام على عمل المحكمة لكي لا يشكل ضغطا على أداء مهامها في تحقيق العدل والعدالة .وقد كتب الكثير من الاخوة عن مجريات المحاكمة وبينوا وجهات نظرهم فيها الا انني لاحظت أيضا بعض النقاط القانونية المهمة التي تمس بجوهر أداء المحكمة الموقرة أرجو ان يتسع صدر هيئة المحكمة الى الاستماع اليها وتلافي ذلك في الجلسات اللاحقة من هذا القاضي او غيره :1. لاحظت إنحيازا واضحا ومجاملة لا مبرر لها من القاضي مع المتهمين بالجرائم الدولية وفي المقدمة منهم صدام حسين وعلي حسن المجيد إذ ان القاضي خرق بشكل صارخ قاعدة الحياد حين ازال صفة الدكتاتور عن صدام الذي قتل مئات الالاف من البشر دون محاكمة وأفتعل حروبا داخلية وخارجية يعرفها القاصي والداني ويشيب لها الولدان .إذ لا يجوز للقاضي ان ينزع صفة الدكتاتور عن صدام لانه يشكل ( إحساس رأي ) يشكك في نزاهة القاضي ويزيل صفة الحياد عنه ويكون مبررا قويا للطعن بالقاضي لانه أخل بالمعايير الدولية للمحاكمة العادلة ومنها حق المشتكي والمتهم في المساواة والانصاف في الاجراءات القانونية والقضائية .
2. أجاز القاضي في بعض الجلسات للمحاكمة تدوين كلمة ( المتمردين على قوات البيشمركة ) وهذا خطأ جوهري لا يجوز ذلك ثم عدل عن تدوين هذا اللفظ الى كلمة أخرى تشرف كل عراقي باحث عن الحرية والحياة الحرة الكريمة وهي كلمة بيشمركة .ولذلك فان هناك كثيرا من الشكوك تحيط بالقاضي من حيث سلامة الاجراءات التي يجب اتخاذها في إدارة الجلسات .
3. لا يجوز للمحكمة ان تجامل المتهم علي حسن المجيد الذي أرتكب من الجرائم ما هو أبشع من جرائم النازية لان هذه المجاملة غير المبررة تضع المشتكين في موضع المتهمين بعد إفاداتهم بحجة انهم هربوا الى الحدود الايرانية التي كان نظام صدام في حالة حرب مع إيران في حين ان هؤلاء المشتكين من اهالي القرى التي تعرضت للضربات الكيماوية وبالاسلحة التقليدية وبسبب الخوف والهلع الذي لحق بهم من جراء القصف وهو وضع مشروع للحفاظ على الحياة اذ ليس من يهرب خارج الحدود تجنبا للضربات الكيماوية ومن القصف المدفعي خائن للوطن ..! واذا كانت هذه المقاييس الصدامية صحيحة فهذا يعني ان اكثر من مليوني انسان كوردي هم من الخونه في نظر هؤلاء المتهمين بجرائم الابادة للجنس البشري لان الكورد عبروا بعد الانتفاضة الباسلة عام 1991فيما يعرف بالهجرة المليونية الى الحدود الايرانية تجنبا للضربات الكيماوية وللقصف المدفعي مما اضطر مجلس الامن الدولي الى اصدار القرار 688 وحظر الطيران في الشمال والجنوب لحماية السكان المدنيين من بطش النظام الدكتاتوري .
4. في جلسة يوم 13 إيلول طلب الادعاء العام من القاضي التنحي عن النظر في القضية بسبب عدم الحياد ولم يستجب وكان تبريره في الرد على الادعاء العام ضعيفا وغير مقنع .
5. لا يجوز للمحكمة ان تسمح لمحامي المتهمين إستعمال الكلمات النابية التي تجرح مشاعر ملايين البشر من ضحايا نظام صدام .
6. الاصل ان تستعمل في المحاكمة عبارات قانونية اي يجيزها القانون وجرى العرف القضائي تداولها في القضاء ولهذا لا يجوز لآي فرد من أعضاء المحكمة ترديد كلمة كاكه للدلالة على مفهوم الاخ باللغة العربية لان هذا المصطلح او الكلمة غير قانونية ولم يجري تداولها في المرافعات واعتقد من الواجب استعمال مفردات قانونية فيقال للمتهم ..متهم , ويقال للمشتكي ..مشتكي وهكذا ..ويفترض ان يكون القاضي سيد العارفين .
7. ان بعض محامي الدفاع عن المتهمين بهذه الجرائم الدولية معروف عنهم بسوء الاخلاق وهم من ذوي السمعة السيئة ولهذا نجد ان هناك تجاوزا على المشتكين بصورة غير مقبولة قانونا بل ذهب أحدهم الى التجاوز على الرموز الوطنية الكوردية وهذا مرفوض قطعا .
8. في جلسة يوم 13 إيلول سمح القاضي للمتهم صدام ( دكتاتور العصر ..!) بالتجاوز على الشعب الكوردي حين قال ردا على السيد المحامي عبد الرحمن زيباري : ( سنسحق روؤسكم ياخونه ...) .فهذا الذي حصل مخالف لقواعد العدل والعدالة والمعايير المشار اليها ولا يجوز ان يسمح لهؤلاء المتهمين بهذه الجرائم الخطيرة في بث خطاباتهم و توزيع شتائمهم بحرية ؟
9. لا يجوز للقاضي التصرف باعادة صياغة افادة المشتكي التي يقوم بترجمتها المترجم من الكوردية الى العربية والتي كثيرا ما افرغها من محتواها ؟ ومن المؤسف ان يؤشر على القاضي عدم معرفته باسماء بعض المدن في كوردستان والاسماء الكوردية وكأنه لم يزر كوردستان او لم يقرأ او يسمع بها بتاتا .
10. في إحدى جلسات المحاكمة السابقة سمح القاضي للمتهم صدام بالخروج عن حيثيات القضية والتطرق الى موضوع العلم العراقي وللسجالات التي حصلت بخصوصه مؤخرا وقال القاضي (( لن يستطيع احد ازالة عبارة اللة اكبر من العلم ..!)) وهو موقف لا يحق للقاضي القول به لان المادة 12 من الدستور العراقي قد نصت على موضوع العلم والشعار والنشيد الوطني بقانون ولهذا لا يحق للقاضي ان يقرر بقاء عبارة اللة اكبر أو من عدمها ولا يجوز له اقحام نفسة في هكذا موضوع يعزز قول صدام الذي قال ( ورثنا هذا العلم واضفت عليه عبارة اللة اكبر ).
11. ان القاضي لم يتخذ اي إجراء قانوني حين أطلق المتهم صدام تهديدا علنيا ووقحا ضد المدعي العام حين قال سنلاحقك سواء داخل المحكمة ام في خارجها وهو تهديد واضح وصريح لا يجوز للقاضي السكوت عليه .
12. سمح القاضي للمتهمين داخل المحكمة تبادل التحيات والمجاملات الاجتماعية دون مسوغ الامر الذي يوجب ضبط الجلسات بصورة أكثر صرامه بما يحفظ هيبة القضاء .
13. ذكر القاضي عبارات غير دقيقة اثناء المرافعة حين قال كلنا (( إخوة ومسلمين )) بينما هناك من المشتكين من أتباع الديانات الاخرى من غير المسلمين ولهذا فان هذا التعميم لا يجوز ويجب إحترام حقوق أتباع الديانات الاخرى من مسيحيين وصابئة وأيزيدية ولعل أوضح مثال هو حضور المشتكية الدكتورة كاترين مايكل وهي من اتباع الديانة المسيحية ومن المتضررين بالضربات الكيماوية .
14. ان تبرير الناطق الاعلامي للمحكمة رائد جوحي بان العطل الفني للاجهزة الفنية هو السبب في تاجيل المحاكمة يوم 13 ايلول غير مقنع مطلقا .لكل ما تقدم فان الواجب الاخلاقي والقانوني يقتضي ان يتنحى القاضي عبد الله علي علوش العامري عن النظر في هذه القضية المهمة والخطيرة لآن قواعد السلوك المهني في مهنة القضاء قد انتهكت بشكل صارخ كما انه لم يحترم المعايير الدولية للمحاكمة العادلة التي تفرض عليه حفظ هيبة القضاء وبخلافه فان التاريخ لا يرحم كل من يخرق قواعد هذه الوظيفة النبيلة .
https://telegram.me/buratha