المقالات

(( المحور السوري والمحور السعودي ... قطبي التنافر هل يلتقيان !))


حميد الشاكر

لاريب ان شحنات التنافر اليوم في العلاقات السعودية السورية هي أكثر بكثير جدا من شحنات التجاذب على كلا مساري محوري حركتي البلدين الشقيقين سوريا والمملكة السعودية ، فلكل من البلدين كما هو معروف محور يستقطب كل وجوده ويجتذبه بقوة نحوه في رسم السياسات الداخلية والخارجية ، وكذا وضع الموازين التي على اساسها تبنى الرؤية التي تميز مشروع العربية السورية في هذه المنطقة من المشروع المختلف للملكية السعودية كذالك ، فسوريا صاحبت مشروع استحصال القدرة والاستقلال او التملص من هيمنة العالم الاستعماري ، وبسط النفوذ القومي على العالم العربي ، بينما الملكية السعودية صاحبت مشروع الانصهار مع المقتضيات الغربية باعتبار انها الحماية الكبرى لنظم الخليج ، والترحيب بالتخطيط الاستعماري للمنطقة ، وكذا الكفر بالمشروع القومي العربي وما انتجه الى هذا اليوم من تشكيلات عربية سياسية بادية التناقض مع مشروع مشيخات البترول الخليجية بصورة عامة والملكية السعودية بصورة خاصة !.

كذلك عندما نستطلع الوضع الراهن لكلا البلدين نجد إن هناك تنافرا قويا جدا بين هذين البلدين الشقيقين ايضا فالعربية السورية لها ارض محتلة وصراع مع الكيان الصهيوني ايدلوجيا وعسكريا ولها محور عربي واسلامي (ايران) مقاوم على مستوى المنطقة يوفر الاوراق والقدرة لها في العالم والمحيط ولها التزامات تجاه هذا المحور ، وهكذا لسوريا وضع اقليمي حرج نشأ بعد اغتيال الحريري رئيس وزراء لبنان السابق والذي اثار كل مافي الجعبة السعودية المصرية الاردنية من نقمات وبمساندة غربية واسرائيلية شرسة على النظام السوري القائم الآن الى الوصول الى محاولة الاطاحة به والسعي من قبل محور الاعتدال العربي لتصفيته من خارطة الوجود السياسي العربي من خلال جرّه للمحكمة الدولية لنزع شرعيته الدولية اولا ومن ثم القضاء عليه فعليا ثانيا !!.

بينما وفي القطب السعودي المقابل هناك قناعة سياسية قد ترسخت مع الزمن تُقرر:ان بقاء نظام الملكية السعودية اليوم مرهون بوجود كيان الاحتلال الاسرائيلي في المنطقة ، وإن الهيمنة الصهيونية على العالم العربي هي صمام الامان الوحيدلعدم بروز اي نظام عربي قوي يشكل تهديدا على الوجود الصهيوني الحليف الاستراتيجي للغرب الاستعماري الحامي لنظام الملكية السعودية من الانهياروهكذا على مستوى محور المقاومة العربي والاسلامي الذي تنتمي اليه سوريا العربية اليوم يرى النظام السعودي انه محور قائم لاهداف وغايات ومبررات وسياسات متناقضة مع وجوده وغاياته واهدافه في هذه المنطقة ، بل انه محور تراه السعودية مؤسس على كسر العظم مع الوجود السعودي السياسي ومن هنا كانت تتبلور مواقف السعودية الحديثة في كل حرب تنشب بين المقاومة العربية والاسلامية وبين اسرائيل الصهيونية على أن تنحاز المملكة السعودية في مواقفها السياسية والاقتصادية والاعلامية الى جانب الصهاينة بالكامل وضد المقاومة العربية بالكامل لتؤكد نظرية ارتباط الوجود الاسرائيلي بالوجود السعودي ،وانهما وجودان ان انهزم الاول فقد انهزم الثاني وان اطيح بالاول فقد زال الاخر !.ولكنّ ومع ذالك وبعد كل ماذكر عن تنافر القطبية الوجودية بين سياسات واستراتيجات وحركات وتطلعات وغايات.... المملكة السعودية من جهة مع شقيقتها العربية السورية وما ينتهجه هذا البلد من نقيض حتمي من جانب اخر ، فهل بالامكان الاعلان انه ليس هناك اي حالة التقاء متوقعة على مستوى العلاقات بين البلدين لنشهد كيفية الاطاحة بالنظرية الذرية بشحناتها السالبة والموجبة التي ذكرناها لعلاقة كلا الجانبين ؟.

أم ان هناك قواسم مشتركة كثيرة بالنسبة للعلاقة السورية السعودية بالامكان تفاعلها كيميائيا لتصنع الانفجار الذري الخطير الذي لم نكد نراه ظاهرا على مستوى المشهد المادي المحسوس لنا في العلاقة السعودية السورية ؟.بمعنى آخر : انه بالامس شاهد العالم الرئيس السوري وهو يهبط في الرياض ضيفا عزيزا واخا كريما على الملكية السعودية ليشارك اشقائه فرحة وابتهاج افتتاج جامعة الملك عبدالله العملاقة عالميا ، واليوم نشاهد الملك عبدالله بن عبد العزيز ملك المملكة السعودية في دمشق وهو يعانق شقيقه الرئيس الاسد بشار في حاضرة السلطان الاموي المحبب جدا على قلب العائلة السعودية المالكة في جزيرة العرب ليشاركه ابتهاجات انتصارات اكتوبر للجيش السوري في حرب 1973م على العدو الصهيوني ، وعليه كيف يُقال ان هناك تناشزا ذريا بين القطبين ، بينما الواقع اليوم يقول غير ذالك تماما ؟.

الحقيقة إن رؤية العلاقة السورية السعودية ودراستها على الاسس التي ذكرناها سابقا لاسيما بعد تشكيل المحاور في المنطقة ليكون هناك سماطان في العالم العربي والاسلامي سماط المقاومة وطلب القدرة والاستقلال ، وسماط الاستسلام والتنازل عن الحركة في العالم لاينبغي لها ان تتأثر بتكتيكات المراحل القصيرة لحركة كلا البلدين السياسية فهناك ظروف موضوعية ربما تدفع كلا البلدين لاستخدام بعض الانماط الحركية التي توهم الرأي العام ان الامور كانت تغرد خارج الصرب واليوم بالامكان عودة المياه الى مجاريها السياسية الطبيعية بين السعودية وسوريا !!!.لكن الحقيقة التي بُنيت عليها هذه البلدان في سياساتها الداخلية والخارجية وقامت عليها حكوماتها ودولها ... يحتم علينا رؤية المشهد بصورته الواقعية التي تقول : بأن مجاري المياه الطبيعية هي محاور التكتلات التي ذكرناها لغايات واهداف وتطلعات هذه النظم ، وما خروج المياه عن سواقيها الا هذه اللقاءات ، وتلك القبلات والحفلات والجلسات السعودية السورية الجديدة التي يبدو انها تريد ان ترمم بعض الاشكاليات العالقة بين البلدين في المحيط الاقليمي العربي ( لبنان ، العراق ، فلسطين ، ايران ...الخ ) والاسلامي قبل ان يعود ذالك الماء الى مجراه الطبيعي في عملية التنافر القطبية بين العلاقة السورية السعودية !!.وهذه الرؤية في الواقع ليست رؤية تشاؤمية او تمنيات عاطفية بقدر ماهي قراءةُ واقعٍ سياسي يرقى في مستوى علاقاته وتواجده الى مستوى القوانين الحتمية والنافذة المفعول على البلدان كما هي على الطبيعة والانسان ، فعلاقة تقاربية حقيقية بين سوريا والسعودية هي بحد ذاتها تشكل تنافرا من الاتجاه او المحور الاخر من المعادلة التي تضم محور المملكة السعودية بحلفائها الدائمين في الغرب والشرق ومحور المقاومة والانتصار من جانب اخروهكذا ايضا ارادة تصوّر اقامت علاقة بين المملكة السعودية وسوريا كعلاقة ترقى الى مستوى الحقيقة فايضا سوريا إن ارادت بالفعل ان تشكلّ علاقة تقارب مع السعودية فهذا يعني تنافرا واضحا مع محورها الممثل بالمقاومة العربية والتطلعات ... وجميع مايتصل بهذا الشأن باعتبار ان لمحور المقاومة ايضا تناشزات غير قابلة للحلّ مع المملكة السعودية ومثل هكذا علاقات وماينتج عنها لا السوريون اليوم هم مستعدون بالفعل له وكذالك السعوديون ليس هم في وارد التفكير بالدخول فيها او الترحيب بعلاقة مع سوريا ومحورها تدرك العائلة السعودية المالكة انه يعني فيما يعنية نهاية الوجود السعودي على الحقيقة !. نعم هناك القول الذي يرى:ان علاقة سعودية سورية جيدة ومستقّرة وحقيقية ومن الجانب الاخر للموضوع سوف تضرّ اطرافا عربية واقليمية حليفة تاريخيا للمملكة كمصر والاردن واسرائيل ، فمثل هذا التقارب السعودي لسوريا يؤثر بشكل مباشر على العلاقة المصرية السعودية التي ترى (مصر)في سوريا انها المنافس الذي يكمن خطره في وجوده !!.

بل ان الاردن ايضا غير مرتاحة للقاء سعودي سوري في دمشق ، فضلا عن الجانب الاسرائيلي وكذا جانب السلطة الفلسطينية في رام الله التي تعتبر انها في موقف متأزم اليوم من حكومة سوريا ، وهذا كله ايضا يصب في نظرية حتمية التنافر السعودية السورية التي اشرنا لهافالسعودية نفسها وبغض النظر عن هذه الحسابات الواضحة الاقليمية والدولية بالنسبة لها لولا ان هناك اوضاعا داخلية سعودية تحتم عليها مهادنة او تحييد سوريا في هذه الايام المقبلة عنها، وانها تحضّر للدخول في معركة داخلية محتملة مع تيارات متطرفة دينيا لما فكرت بالاقدام على اقامت هدنة مع الشقيقة سوريا التي يبدو انها مرتاحة من جميع الجهات في هذا التقارب السعودي معها ، لاسيما ان الجانب السوري تخلص كثيرا من الضغوطات التي كانت تمارس عليه من جهة وان محوره الذي ينتمي اليه ( محور المقاومة : ايران لبنان غزّة ) ليس لديه مشكلة من سحب السعودية للساحة او سوف لن يسبب مشكلة للجانب السوري بمثل هكذا تكتيك من جانب اخر بعكس حلفاء السعودية المكشوفي الظهر !!. وكذالك ماتشعر به السعودية خارجيا من خطر استقرار عراقي محتمل يهدد بنقل كرة النار الارهابية الى داخل السعودية نفسها فمثل هذه الكارثة بالنسبة للسعودية ( في استقرار العراق ) تفرض عليها استباق مامتوقع والتنسيق مع سوريا الشقيقة التي ترحب بمقايضة استقرار العراق ، من اجل أبقاء ألاصبع السعودي دائما تحت الناب السوري يضغط عليه متى احتاج الامر ذالك !.

اخيرا : يمكننا القول ان منطقتنا العربية والاسلامية دخلت في قانون لعبة سياسية صارم جدا ، ولايسمح هذا القانون بخروج جميع اللاعبين عن خطوطه العامة والاساسية الا في فترات تكتيكية سياسية قصيرة جدا ، بحيث انه ومتى وصلت اللعبة الى طرق مسدودة سمح هذا القانون باعادة تنظيم او تأهيل او ترتيب بيادق اللعبة من جديد التي سوف لن تنتهي الا بنهاية احد اللاعبين ، وسوريا الشقيقة تقف في الجانب الاخر من اللعبة وفي قبالتها من الجانب المعاكس تقف السعودية الشقيقة فكيف يلتقيان ؟.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك