المقالات

الوطنية المسلوبة


علاء الموسوي

سألت شابا عراقيا قبل كتابتي لهذا المقال عن معنى الوطنية لديه، وهل يحس بها ويتلمسها بين ثنايا حياته اليومية، وهو يغص بالمتناقضات السياسية والشعارات المكثفة والمتنوعة بتنوع رجالاتها، فأجابني ذلك الشاب الأريحي وبنكهة عراقية خالصة ، مختصرا بكلمة هي : ( عن أي وطنية تتكلم، وأنا لست بمواطن !).فعلا نحن لسنا بمواطنين، ولا يمكن لنا ان ندرك معنى الوطنية كونها مغيبة أصلا من قاموسنا الحياتي.. كيف يمكن لتلك الأحزاب المتصارعة ان ترفع شعار الوطنية من دون ان يشعر بها المخاطبون بتلك المفردة الكبيرة في معانيها وتطبيقاتها العملية.. كيف يمكن ان يشعر الإنسان بوطنيته وهو لا يملك مقومات تلك المواطنة الكفيلة باستقرار حالة الشعور والالتزام بمعايير تلك الوطنية المقدسة ؟.صحيح ان الوطنية هي الانتماء، ومن دونها سيكون الإنسان بلا انتماء هامشي في ساحة الاعتزاز والفخر بالهوية المذهبية والقومية والخصوصية التي تمنحها الوطنية لا غير. ولكن كيف يمكن لهذا الشعور ان يستمر ويتفاعل مع معطيات الأحداث والتقلبات التي تواجه الإنسان، فالوطنية غير المعتقد فكرا، فهي ممارسة يومية يطل عليها الإنسان من خلال تسميته الشعورية بـ(المواطنة) ، وإحساسه الحقيقي بمكتسبات تلك التسمية والشعور بها.الإنسان الذي لا يملك دارا يأوي عائلته، ومصدرا معيشيا يدر عليه خبزا لأطفاله، وحقوقا يراها معطاة له بعزة وكرامة من قبل الممثل الحقيقي لتلك المواطنة، كي يعيش حقا كمواطن له حقوق وواجبات، حتى يفي هو الآخر بحقوق وواجبات ذلك الوطن المنتمي إليه شعورا لا شعارا فقط.المواطنة ليست منحة او هوية تعطى لتؤخذ او تسلب من احد، بقدر ارتباطها بمنظومة حقوق المواطن والإصرار عليها والثبات على مكتسباتها. إذ ان الوطن لا يؤطر تلك الوطنية بمكان معين فقط، بل المتعين الأساس في الانتماء الوطني هو تحقيق صون وكرامة الإنسان نفسه، وهو ما ينطبق على كلام الإمام علي ( عليه السلام) في قوله : ( لا وطن مع فقر، ولا غربة مع غنى). إذ ان الوطن ينتفي وجوده أصلا بمجرد أن يتحول الإنسان إلى مخلوق مستباح عديم القيمة مسلوب الحقوق، وتكون الشعارات الدينية والقومية مقياسا لكل شيء دون الإنسان.اليوم كثرت التسميات الوطنية، وباتت تلك (الوطنية) المدخل السياسي الملائم لخوض اغلب الأحزاب إلى باحة الانتخابات البرلمانية المقبلة، وأصبحت الوطنية شعارا ملازما لبرامج تلك الأحزاب ، من دون ان تمارس هي نفسها عملية بناء دولة المواطنة التي من خلالها تضمن نجاح برنامجها المعلن سلفا.من الجميل ان يصبح الجميع وطنيين. ولكن من المعيب ان لا يشارك الجميع في بناء الوطن وتحقيق مقومات الإحساس بالمواطنة. فالشاب الكردي لا يحس بانتمائه للوطن الكل بقدر إحساسه بإقليمه الخاص ولغته الخاصة، والشاب الجنوبي فقد حاسته الوطنية لأنه لم يعرف بعد ما حقوق وطن لم يحقق له أدنى مقومات الحياة المدنية. وكذلك الحال مع الشاب في المنطقة الغربية، وهو مازال يشعر بأنه مهمش عن التغيير السياسي الحاصل في العراق الجديد.كل ذلك والعملية السياسية في العراق الجديد لم تستطع بعد ان ترسخ المواطنة بالشكل الصحيح في ذهنية الإنسان العراقي، وتشعره بواجبه الحقيقي تجاه الوطن. ولعل ما تعانيه الأحزاب اليوم من إقناع ذلك الإنسان البسيط من الإقبال على صناديق الاقتراع بعد ما أدرك أنها لم تجلب له إلا مزيدا من المعاناة، هو بسبب تلك الوطنية المسلوبة لدى عقلية الناخب، والذي أفسدت المهاترات السياسية غير المجدية رئته الوطنية ، وأعدمت لديه الإحساس بحقوق الوطن تجاهه.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك