ميثم المبرقع
قد تكون المفاهيم العليا التي يتبناها العظماء في التأريخ مثالية للغاية لدى الكثيرين ممن لا يرقون الى مكانة هؤلاء العظماء وقد يتصور الكثيرون ان المثل العليا التي كرسها اهل بيت النبوة مستحيلة الاقتداء وصعبة المنال ولهذا يقول الامام علي (عليه السلام) "الا ان لكل امام مأموماً يقتدي به ويستضىء بنور علمه وان امامكم قد اكتفى من طعامه بقرصيه ومن ملبسه بطمريه الا انكم لا تستطيعون على ذلك ولكن اعينوني بورع واجتهاد وعفة وسداد".الكلام باستحالة الاقتداء والتأسي باهل البيت اذا كان مستحيلاً وغير ممكن فان الدعوة للاقتداء تكون لغواً وعبثاً وهذا خلاف سيرة اهل البيت (عليهم السلام) وخلاف الدعوة للاقتداء بهم باعتبارهم ائمة هدى ومشاعل نور للهداية والرشاد.نعم الاقتداء والتأسي لا يعني بالضرورة التطابق والتكامل بنفس مستوى المقتدى به والمتاسي به او استنساخ سيرة اولئك العظماء الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.القدر المتقين في مفهوم الاقتداء هو محاولة السير على منهج ائمة الهدى (عليهم السلام) والاصغاء الى اقوالهم وافعالهم وتقريراتهم وان الله لا يكلف عباده فوق طاقتهم او ما لايقدرون عليه. هناك معاني مقدسة اكدها اهل البيت (عليهم السلام) في سيرتهم المباركة في الحياة والمجتمع وهي دروس بليغة ومعطيات بالغة لتشخيص الموقف الصحيح والفكرة الصائبة.فهناك من يحاول ان يعطي دروساً في الثبات ومواجهة الاعداء بارغام جنده وتغييب كل خيارات الهروب والتراجع كما فعل القائد العربي طارق بن زياد لما احرق السفن وقال لاصحابه " البحر من وراءكم والعدو امامكم" كأسلوب اخير للمواجهة القسرية دون بلورة القناعة الصحيحة في المواجهة مع الاعداء بينما يقف الى جانب ذلك الامام الحسين عليه ليخاطف اصحابه " ان الله قد غشيكم فاتخذوه جملاً" لكي يكون الدافع للمواجهة هو الدافع الشخصي والوازع الذاتي وليضع امام اصحابه كل الخيارات الممكنة.ونحاول في هذا السياق العابر الخوض في مفاهيم الفوز عند الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) وقد تتغاير الافهام لبعض المفاهيم بحسب العقيدة والرؤية التي يحملها الناس وقد يتباين المفهوم والمعنى المتبادر الى الاذهان بحسب الفكر والسلوك والتصور الديني لدى الاشخاص.ولكن ما يطلقه وما ينطقه اهل البيت هو المعيار للفهم السليم والرأي السديد لانهم لا ينطقون عن الهوى ولا يفعلون خلاف التوجه السوي للبشر لانهم ائمة وقادة وهداة يكون فعلهم وقولهم حجة وهذا لا يتحقق الا بالعصمة.فان ما يطرحه اهل البيت من مفاهيم لا يمكن الاجتهاد مقابله او القدح به لانه يمثل الرؤية المتبصرة والنافعة التي لا تخالطها الشبهات ولا تعتروها المغالطات.والفوز في منطق علي (عليه السلام) لا يعني الانتصار المادي او المكر والغدر وهو القائل "وما معاوية بادهى مني ولكنه يفجر ويغدر ولولا كراهية للغدر لكنت ادهى الناس" والفوز في منطقه لا يعني التخلص من المواجهة والاتقاء من ضربات الاعداء حتى لو اضطر الحاذقون لكشف سؤتهم في رابعة النهار خشية من ضربة علي (عليه السلام).الفوز في منطق علي (عليه السلام) هو بلوغ الرضوان الالهي وتحقيق الطاعة المطلقة لله سبحانه وتعالى فقد اطلقها في لحظات انهواء سيف المرادي بن ملجم على رأسه الشريف.في لحظات الحياة الاخيرة يطلقها الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) "فزت ورب الكعبة" لتكون لوحة جميلة ترسم للاجيال والمستقبل معالم الفوز الحقيقي في زحمة التكالب واللهاث وراء مغريات الدينا واطماعها.وهذا الشعور بالفوز في لحظات الشهادة ومغادرة الدنيا الى الخلود الابدي هو المعني الحقيقي للفوز وهو الذي يقود الوعي الحضاري بالاتجاه الفهم الصحيح لمعاني الفوز.الفوز في المعاني المعاصرة هو بلوغ الاهداف والاغراض الدنيوية بكل الوسائل والامكانيات والغاية تبرر الوسيلة بحسب الفهم المكيافيلي بينما في المنطق الاسلامي الغاية لا تبرر الوسيلة مهما بلغت هذه الغايات.قد تنسينا الانهماكات الدنيوية وسجالات الحياة واطماعها هذه المبادىء الاصيلة التي كرسها خطابنا الاسلامي في بدايات الصراع قبل الدخول في السلطة والدولة.وقد تتحول القيم الاصيلة التي ضحينا وناضلنا من اجلها بمرور الزمن الى حالات تندر وسخرية تعبر عن افراط في السذاجة وتبسيط في التفكير ويكون الحاذق والمتدبر والشاطر هو الذي يغرق في العمولات والتزوير والصفقات الوهمية بينما النزيه والمتحرج عن الدخول في الشبهات نموذج الى السذاجة والبساطة والغفلة.ومن هنا فاننا نحتاج الى عودة الى جذورنا وذواتنا وقيمنا الاصيلة التي طمستها بهارج الدنيا وزخارف السلطة واغراءاتها مع الحفاظ على حركتنا لمواكبة التطورات الهائلة على مستوى الحياة والمجتمع والتقنية الفاعلة على كل المستويات.
https://telegram.me/buratha
