حسن الهاشمي
موت بالجملة، إراقة دماء العراقيين في الأسواق والجوامع والأماكن العامة، الجهة المنفذة معروفة، والدول الداعمة للإرهاب معروفة كذلك، والمجاملات متواصلة منذ أكثر من أربع سنوات والنزيف مستمر ولا أحد يستطيع أن يضع حدا لهذه المهزلة والخيانة العظمى، ولا زالت بعض الأصوات النشاز وهي داخل العملية السياسية تدافع عن حقوق الإنسان المجرم القابع في السجن ولا تدافع عن الضحايا الأبرياء الذين يسقطون يوميا في الإنفجارات الإرهابية في جميع أنحاء العراق، هذا هو العهر السياسي وهذا هو الاستهتار بالقيم والأرواح البريئة والمتاجرة بالعناوين البراقة من قبيل مقارعة المحتل زورا وبهتانا وهم ينتقمون من الشعب للحصول على المكاسب السياسية، يا لها من مهزلة قد اشترك فيها القاصي والداني ويا لها من مؤامرة تحاك ضد شعب أعزل أحب الحياة وأراد أن يعيش بسلام وينعم بالأمن والرفاه كما تنعم بقية شعوب العالم، ولكن خفافيش الظلام لا يألون جهدا إلا ويبذلوه للمضي قدما لتمرير مخططهم الخبيث بإرجاعنا إلى المربع الأول حيث الديكتاتورية والتحكم الطائفي البغيض، ولهذا تحركت قطعانهم يوغلون في الأرض فسادا ودمارا وحقدا على كل معاني الإنسانية...
في صبيحة يوم الأربعاء 19/8/2009 هزت بغداد سلسلة من الإنفجارات العنيفة في مناطق باب المعظم ووزارة المالية ووزارة الخارجية وغيرها.. وهذه الإنفجارات وعمليات القتل المنظم إنما شنها المارقون على الشعب لا لذنب ارتكبوه إلا لأنهم انتخبوا حكومتهم بمحض إرادتهم، وبنظرة بسيطة نستنتج إن الفاعل الذي هو مدعوم من قبل السعودية الوهابية التي تقف وراء تمويل جماعات طائفية في العراق قبيل الانتخابات القادمة لدعم تلك الجماعات بغية الفوز بالحكم الذي وحسب نظرهم الحكر المحتكر لهم وما استلام الذين يتقاطعون مع القتلة لهذا الحكم إلا نتيجة غفلتهم التي لا يستردونه إلا بالارتماء بأحضان المال المتسمم والمعتق برائحة الدم والقتل .. ذلك القتل الذي لا يشجبه أي مسؤول عربي أو صاحب ضمير .. أبداً .. لتمر هذه الجريمة كما مرت مثيلاتها سابقاً دون استنكار وشجب ... فأين ضمير العرب من الكوارث التي حلت في سنجار والمناطق الشيعية في الموصل وكركوك والتي أُعلنت بأنها مناطق منكوبة ؟ ماذا قالوا ؟ ماذا قدموا ؟ إنهم يستكثرون تصريحاً يساند عوائل الضحايا ويدين الإرهاب والإرهابيين، والأدهى من ذلك فإن حكام بعض الدول الخليجية يعتبرون القاعدة إرهابيين في بلدانهم ومقاومين في العراق!!.. أين أصحاب الضمائر الحية الذين يقرأون الواقع كما هو وكما يجب ؟ لماذا يٌقتل العراقيون ولا رادع ولا مناصر ولا حزم في التعاطي مع إراقة الدماء البريئة .
أمير المؤمنين الإمام علي ابن أبي طالب عليه السلام عندما كان يتجول مع بعض أصحابه في أسواق الكوفة شاهد رجلا طاعنا في السن يستجدي قال: ما هذا، قيل له شيخ كبير من الديانة المسيحية ليس له معين، فرد عليهم مغضبا استخدمتموه شابا وتركتموه شيخا كبيرا!! وأمر بأن يصرف له راتبا مجزيا مادام على قيد الحياة، الملفت في الواقعة إن الإمام قال لهم ما هذا ولم يقل من هذا!! إذ لا يهمه من يكون سواء أكان مسلما أم مسيحيا وسواء أكان شيعيا أم سنيا بقدر ما يهمه أن مثل تلك الحالات لا ينبغي أن تكون في حكومة العدل العلوية، وفي المقابل إن معاوية بن أبي سفيان قد سن سنة سب علي عليه السلام سيئة الصيت طيلة أربعين سنة ومن على فوق منابر خطب الجمعة، وكان يعقـّب أنصار علي عليه السلام ومحبيه تحت كل حجر ومدر ويسومهم سوء العذاب ويقتلهم على الظنة والتهمة شر قتلة، وهذه المقارنة هي التي أسقطت في يومنا هذا، حيث أن أتباع علي والحسين عليهما السلام وعلماءهم يسيرون على نهج الإسلام المحمدي الأصيل لا يفرقون بين بني البشر ولا يتوخون إلا العدالة في الحكم وتوزيع الثروات وتكافؤ الفرص، بينما نجد أعداءهم من التكفيريين والصداميين يحاولون عن طريق المؤامرات والارتباط بالدول الديكتاتورية الإقليمية من إفشال التجربة الديمقراطية في العراق بشتى الوسائل ولو كانت على حساب أشلاء الأبرياء من النساء والأطفال والشيوخ، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أنهم سائرون على نهج معاوية وآل أبي سفيان في الغدر والنفاق والإجرام ينتخبون أرذل الطرق للوصول إلى مآربهم الشيطانية.
الإسراع في معرفة الجناة ودوافعهم وإعلانهم أمام الملأ وإنزال أقسى العقوبات بحقهم ليكونوا عبرة لمن اعتبر هي من أبسط مطاليب الشعب البريء الذي ما زال يذبح يوميا في الطرقات ولا من مجيب ولا من مغيث، والحقيقة كم حكم صدر لحد الآن بحق الجناة ولا يتم تنفيذها في وزارة العدل بسبب عدم مصادقة هيئة الرئاسة عليها ؟؟! علما إن تنفيذ تلك الأحكام بحق النفوس الضعيفة إشعار للمواطن بالأمن والأمان ..
والآن .. وبعد كل ما حصل من قتل وحصاد للأرواح وتهديم للبيوت والمساكن .. أما آن الأوان للحكومة العراقية لتدبر الأمر كما ينبغي ولتتعامل مع هذه الأفعال برد الفعل الذي يناسبها .. إن هذه الجرائم وكما صرح المسوؤلون العراقيون هي من دعم المخابرات في دول الجوار التي تدفع مليارات الدولارات لأناس موتورين ناقصين الدين والعقل والتربية والأخلاق ليقتلوا العراقيين بدم بارد ليرضوا أسيادهم الذين أخافتهم تجربة العراق .. أقول أما آن للحكومة العراقية أن تتدبر الأمر وتطالب الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي أن يعتبر هذه الجرائم جرائم حرب، وتطالبها أيضا بتشكيل محكمة دولية على غرار المحاكم الدولية التي شكلت في عدد من دول العالم للتحقيق بتفجيرات الأربعاء الإجرامية، وتقديم المجرمين أفرادا وحكومات وعلماء سوء إلى المحاكم لينالوا جزاءهم العادل...
هذا الكلام جار البعثيين والتكفيريين ومن يقف معهم من دول ومنظمات إرهابية تتوخى أساليب غير حضارية للإطاحة بتجارب الشعوب المتطلعة نحو الحرية والإنعتاق والعيش بسلام وأمان وعدالة وتطلع نحو الأحسن في التقدم والبناء والتنمية، أولئك الذين لا يؤمنون بالتعددية والتداول السلمي للسلطة والمواثيق الدولية فإن ديدنهم المراوغة واللف والدوران والخداع والوقيعة ولا يعتقدون بأخلاق والتزام ولا هم يحزنون، فأولئك ومهما أعطيتهم من أدلة وبراهين ووثائق تثبت تورط أذنابهم بالعمليات الإرهابية التي تقضي على الحرث والنسل لا ينصاعون إلى الحقيقة ويكذبون كل شيء إلا أنفسهم وينعتون كل دليل وبرهان على جرائمهم بالكذب والفبركة، ومثل هكذا نمط من الناس والحكومات لا يمكن التفاهم معهم سوى بلغة العين بالعين والإرهاب بالإرهاب والقوة بالقوة حيث أنهم بعيدون كل البعد عن المنطق، وآن الأوان لحكومتنا الموقرة أن تقطع العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية مع الدول الديكتاتورية الإقليمية الحاضنة والداعمة للإرهاب والتي تريد للعراق وأهله شرا حتى تنصاع لمطالب الشعب الحقة في العيش بسلام وذلك بتسليم المجرمين إلى العدالة، وإلا فإنها مطالبة بنقل الإرهاب إليهم ليذوقوا وبال شرهم الذي صدروه للعراق طيلة الست سنوات الماضية ولو لأشهر معدودات لأنهم لا يفقهون سوى لغة العنف والغدر، فلا بأس أن تلجأ الحكومة الوطنية المنتخبة أحيانا إلى هكذا طرق كلجوء المضطر إلى أكل الميتة لوضع حد لتلك المهزلة التي طالت علينا وجومها، ونرجو أن تتفهم حكومتنا الموقرة أنها من رحم الجماهير فينبغي لها أن تكون من رحم المأساة...
https://telegram.me/buratha
