المقالات

الانتفاضة الشعبانية ..الفعل ورد الفعل..

1604 02:14:00 2006-09-10

( بقلم : المحامي طالب الوحيلي )

لا شك ان الشعب لعراقي قد لاقى من الجور والظلم طيلة تأريخه الحديث ما لم يلاقيه شعب في هذه المعمورة ،فبعد تبدل الانماط السلطوية الاجنبية عليه ،ابتلى بانظمة حكم دكتاتورية بنيت على اساس التمييز العنصري والطائفي وتاسست لتهميش الاكثرية سواء اكانت مذهبية او عرقية ،ولعل قراءة بسيطة لتاريخ العراق السياسي تضعنا في لب الكارثة، وهي المستوى الطائفي الذي يحكم العالم العربي الذي مد ظلاله على الساحة العراقية ،واشكالية بقاء السلطة تحت هيمنة سلطة تغازل السائد من الثقافة القومية والطائفية ،من ذلك تكرار لعبة الوحدة العربية سواء كانت عبر اتحاد هاشمي او جمهورية عربية متحدة او منظمات تعاون مختلفة وكلها أسست على واقع سياسي مفرط في الدكتاتورية والقفز على استحقاقات وحقائق مادية وموضوعية لا يمكن التغاضي عنها فكان مصيرها الانهيار .

ومع ذلك ماانفكت النظم العربية تستغفل الحكام العراقيين لتجعل منهم مجرد أخيلة لطواحين الموت عبر معارك إقليمية وداخلية ،حتى تغيرت مصادر الريح لتدور تلك الطواحين بعكس اتجاهها وليتحول حارس البوابة الشرقية الى إخطبوط يبتلع الكويت ويتحفز ليمد اذرعه الى الدول الحليفة له والتي طالما أمدته بكل ما يروم ،في الوقت الذي استنفدت كل خيرات الشعب العراقي ليقبع تحت ذل الخوف من الآتي والجوع وضياع اكبر رصيد مالي يمكن ان يتحكم بالاقتصاد العالمي برمته ،ليتحول سعر الدينار العراقي فيما بعد الى مادون الصفر بآلاف المرات قياسا بافقر بلد عربي .

الكوارث التي عانى منها المواطن نتيجة لسياسة الطاغية الداخلية، ومحاولته إدامة بقائه بالرغم من فشله الذريع في إدارة ابسط مرافق الحياة العامة ،باستخدام أقسى أدوات ووسائل العنف والتصفية الجسدية والعرقية ،حفزت لدى هذا المواطن للتنفيس عن غضبه وثورته عبر تنامي فقرات التمرد لديه كالهروب من الخدمة العسكرية وعدم الانصياع للأجهزة الحزبية في تلبية طلباتها للالتحاق بمعسكرات الجيش الشعبي وتبلور الثورة الفكرية الإسلامية لديه ،مما جعله في حالة ترقب ذكي لكل ما يجري في دهاليز السياسة العالمية والعربية وفي أروقة القصر الجمهوري والتغيرات البليدة والخطيرة في نفس الوقت لطواقم النظام العسكرية والحزبية ،فكان الاعتقاد سائدا بمدى الحماقة التي سوف يرتكبها صدام ،وهي التي سوف تجعله يدفع الثمن غاليا لما اقترفت يداه من مجازر ومآسي للجميع ،لذا كان يوم 2 آب 1990 اول الغيث لسقوطه ،وبداية مسرحية تراجيدية للشعب العراقي المبتلى ،فمغامرته الطائشة في غز دولة عضو في الجامعة العربية وفي هيئة الامم المتحدة ،هي بمثابة القبر الذي سوف يطمره الى الابد ،وقد بدأ بحفره من خلال قيادته العسكرية تلك وتكتيكاته التى أذهلت العالم المعرفي ببلادتها وبعدها عن ابسط السياقات التعبوية والإستراتيجية ،ولا شك ان مئات الآلاف من الجنود المحبطين الذين نشروا على طول حدود دولة الكويت المتاخمة لقلب الصحراء البور ،يتذكرون تلك الأشهر المحبطة وذلك الجوع والنقص في الإمدادات والإعدادات الحيوية التي لا يمكن الإخلال بها مطلقا ،ولعل ما قيل عن اقتراح عزة الدوري باستخدام الجمال لنقل المأونات لجبهات القتال لهي طرفة تتناسب مع تخطيط صدام بقذف الغبار بوجه الطيران المعادي فيفقد الطيار الرؤية،وغير ذلك من النكات التي كانت محل تندر الكثير من العراقيين الذين كانوا يعدون الساعات للحرب البرية بانتظار ما سوف يقع من فواجع وما يمكن ان ينتهي اليه هذا الطاغية المتغطرس، بعد ان شاطوا غضبا من الفشل الدبلوماسي الذي كان يديره إمعات صدام .أياما معدودات سقطت فيها بغداد عسكريا وسياسيا ،وتحولت الى مدينة أشباح بعد ان هجرها سكانها نحو الضواحي والمحافظات المجاورة ،وانقطعت الأخبار بسبب الغياب الإعلامي الا من فتات او لقطات او انباء تروج عن بعضها وكلها لا تخرج عن مجال التوقع بنهاية صدام ونظامه ،وما يمكن ان تمتد فيه الحملة الدولية لاجتياح بغداد كما صرح بذلك نورما شوارسكوف قائد العمليات العسكرية،لاسيما وان جيوشا عربية قد كانت رأس الحربة في خطوط التماس تواجه الجيش العراقي المدفون في رمال الصحراء المتحركة ،وهكذا هو الانكسار ،صور تتوالى عن خط محترق من المعدات والآليات والبشر المقتولين من آخر نقطة في السواتر الرملية وحتى مدينة صفوان على الحدود ،وعلى أعتاب العام الجديد كانت أول اطلاقة دبابة عراقية على صورة الطاغية ،لتتحول الى ثورة عارمة تجتاح الجسد العراقي وتتهاوى حصون النظام الداخلية ،فيكون القصاص من الجلادين وأزلام الحزب الفاشي ،وتعلن معارك التحرير بدا" بالبصرة حيث الثغر الذي نعى نخله موت الأمل فيه ،وحيث المد الذي أفاض ينابيع الحياة لتمتد الثورة الى مدن الجنوب والوسط ،هذا الوطن الذي سكنه اهل العراق فحباه الله تعالى بكل الخيرات والثمرات لكن سكانه باتوا جياعا خماص محرومين من ابسط حق لهم ومقتولين كل حين ،لقد كانت انتفاضة للجياع ،لكنها لم تذهل الطاغية وقيادته التي أوكل لها قواطع عمليات وأطلق يدها في استخدام كل ما يمكنا من إخماد هذه الانتفاضة ،فيما كان الذهول من قبل قوات التحالف إزاء نهاية شعبية وشيكة لنظام صنيع للعوامل الدولية المعروفة،لذا فقد كان لابد لها من الإبقاء على نظام مهزوز رعديد مكبل بوثيقة دولية أملت عليه شروط الهزيمة ،بدلا من نظام شعبي إسلامي يمكن ان يقض مضاجع الأنظمة العربية ويعيد توزيع مراكز المعادلة السياسية العالمية ،مما اضطرها ذلك الى السماح للقوة الجوية العراقية ببسط نفوذها في الأجواء الملتهبة ،كما ترك الباب مفتوحا لقوات الحرس الجمهوري التي لم تدخل في أي اشتباك في حرب الخليج لكي تمارس بطشها بالشعب الأعزل ،فيما شرعت صواريخه الإستراتيجية والتكتيكية التي بقيت محصنة طيلة الحرب لتضرب فيما بعد مدن البصرة وكربلاء والنجف المقدستين ،حيث استهدفت المراقد المطهرة وأحالت تلك الرياض القدسية الى ركم وخرائب وتحولت الصحون الشريفة الى ثكنات عسكرية ومراكز إعدامات ،بعد ان شهدت اروع صفحات البسالة والتضحية والصمود ،حتى ان المجاهدين فيها قد صمدوا اكثر من ستة عشر يوما امام اكبر قوة عسكرية في الشرق الأوسط .

مخابرات الطاغية وأمنه الخاص والعام كانوا جميعا معبأين لمثل هذا الأمر ،فاخترقوا صفوف المنتفضين حيث شنوا صفحة الغدر والخديعة وقاموا بطعن الشعب من الخلف ،فتضافرت الخديعة مع القوة المفرطة جدا ،لتجهض الانتفاضة بعد ان وصل توهجها الى بغداد ، والى كردستان ،حيث الإبادة البشرية والمقابر الجماعية ،اكثر من ثلاثمائة الف ضحية دفنوا بعد ان أريقت دماء معظمهم ودفن الآخرين أحياء .

بام عينه شاهد صديق لي طوابير الأبرياء من كلا الجنسين في مخيم على ضفاف الفرات عند المسيب ،قد شقت لهم خنادق وأوقفوا صفوفا ليلقوا في تلك الخنادق وليهال عليهم التراب وهم يستغيثون فلا مغيث لهم..مستشفى الحسيني في كربلاء قد غط محيطه بالجثث ليداريها الجيش في مقبرة عند حديقة المستشفى .قال لي احدهم انه كان يسمع أنينا ينبعث من داخل الروضة الحسينية في الليل ،ولم يعرفوا سبب ذلك حتى أصيب كثير منهم بالرعب ،جثث القتلى في البصرة جمعت على شكل ساتر واهيل عليها التراب ،ومسارح الإعدام رميا بالرصاص في كل مكان ،قصص لا تنتهي لدى كل أبناء تلك المدن تروي الوحشية التي استعاد بها صدام حكمه ،لكن لا امم تبكي شعبنا ولا منظمات دولية ليدوم الظلم أكثر من اثني عشر عاما .

أخيرا انتصر شعبنا وتحررت أكثر من أربعة عشر محافظة عراقية ،فلم نتمكن من الحفاظ على هذا النصر لأسباب كثيرة،وانتصرنا اليوم بنفس تلك المحافظات وتخلف عنا من تخلف سابقا ،أفلا يحق لنا الجهاد من اجل الحفاظ على هذا النصر؟

الجواب على ذلك لدى كل من بصم بإصبعه البنفسجي على رفض الظلم ،ولدى القوى التي أوليناها ثقتنا وهي المسؤولة عن المستقبل العراقي ..

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك