بغداد:عادل الجبوري
كانت عقارب الساعة تشير الى الواحدة والنصف بعد الظهر بتوقيت العاصمة العراقية بغداد، حينما اعلن يوم الاربعاء الماضي، عن وفاة رئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي وزعيم كتلة الائتلاف العراقي الموحد بعد صراع مع مرض سرطان الرئة دام اكثر من عامين، وبعد رحلة حافلة بالجهاد والتضحية امتدت لاكثر من اربعة عقود من الزمن.وبرحيل السيد الحكيم يكون العراق قد فقد واحدا من ابرز رموزه وقادته السياسيين المعاصرين، والذي تميز بالاعتدال والمرونة والانفتاح، في ظل اجواء ومناخات سياسية اتسمت بكثير من التعقيد والصعوبة والتداخل والتشابك.وهذا ما قاله عدد كبير من رجالات الدولة وزعماء القوى والتيارات السياسية، وهم يؤبنون السيد الحكيم.ولعل فترة الاعوام الستة الماضية كانت الاكثر حساسية وحراجة وصعوبة في مسيرة السيد الحكيم، لانه تصدى لمسؤولية قيادة المجلس الاعلى الاسلامي العراقي، اثر استشهاد اية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم بعد اقل من خمسة شهور على زوال نظام صدام.
واضطلع السيد الحكيم خلال هذه الحقبة الزمنية بأدوار محورية ومهمة ومفصلية في ارساء اسس العملية السياسية في العراق، والمتمثلة اساسا بكتابة الدستور الدائم واجراء الاستفتاء الشعبي العام عليه، واجراء الانتخابات البرلمانية مرتين، وكذلك انتخابات مجالس المحافظات، واستطاع بحنكته السياسية ان يساهم مع شخصيات سياسية اخرى بأحتواء وتطويق جملة من المشاكل والازمات السياسية التي كادت ان تعصف بالوضع السياسي العراقي، لاسيما وان موجة الارهاب الدموي القت بظلالها الثقيلة على مجمل المشهد السياسي العراقي خلال عامي 2005 و 2006.
وكان مثلما وصفه الرئيس العراقي جلال الطالباني بأنه "كان حكيما في بناء العراق الجديد"، ومثلما وصفه رئيس الوزراء نوري المالكي بأنه كان "ركنا اساسيا في عملية بناء العراق الجديد" ومثلما وصفه رئيس مؤتمر اهل العراق عدنان الدليمي بأن "شخصيته كانت مهدئة وانه كان من اشد الداعين الى الوحدة والقوة الاجتماع حول راية العراق"، وملما قال رئيس مجلس النواب العراقي اياد السامرائي "بأن الاجواء العراقية مازالت بأمس الحاجة الى وجود شخصيات حكيمة تمثل التوازن والحكمة وتزن الامور بميزان ثقيل لايلتفت الى الطائفية والفرقة".
ولعل التجربة الطويلة في ميادين العمل السياسي والجهادي ساهمت الى حد كبير في صياغة وتشكيل شخصية السيد الحكيم القيادية، ففي ظل مرجعية والده الامام محسن الحكيم (قدس سرة)، بدأ نشاطه الذي اخذ طابعا دينيا وثقافيا، ومن ثم بعد رحيل الامام الحكيم مطلع عقد السبعينيات بات السيد عبد العزيز الحكيم احد العناصر النشيطة والفاعلة في حركة النهضة الفكرية والثقافية والسياسية والجهادية التي قادها اية الله العظمى الشهيد السيد محمد باقر الصدر، في مقابل النهج الاستبدادي الديكتاتوري لنظام حزب البعث حينذاك، وشارك الراحل الحكيم في انتفاضتي صفر 1977 ورجب 1979، وكان بمثابة حلقة الوصل بين الشهيد الصدر والجماهير. ومثلت تلك المرحلة محطة مهمة من محطات العمل السياسي والجهادي للفقيد الراحل، لينتقل بعدها الى محطة اخرى من خارج العراق، الذي غادره بعد اشتداد حملات الملاحقات والتصفيات المسعورة التي طالت رموز وكوادر الحركة الاسلامية في العراق، وفي مقدمتهم الشهيد السعيد محمد باقر الصدر واخته العلوية بنت الهدى.
وفي المهجر عمل الى جانب شقيقه الاكبر شهيد المحراب قدس سره، حيث اسس مع عدد من كوادر الحركة الاسلامية حركة المجاهدين العراقيين في مطلع عقد الثمانينات، ثم ساهم في تأسيس المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق(المجلس الاعلى الاسلامي العراقي حاليا) واصبح عضوا في هيئته الرئاسية خلال الدورة الاولى، ثم مسؤولا للمكتب التنفيذي، وبعد ذلك عضوا في الشورى المركزية للمجلس، وكان من الناحية الفعلية يشغل موقع نائب رئيس المجلس الاعلى، اذ انه عند غياب شهيد المحراب لاي سبب فأنه كان يتولى ادارة الشؤون السياسية والادارية للمجلس، وقد تم تكليفه من قبل شهيد المحراب بأدارة ملفات سياسية حساسة ومهمة، لاسيما قبيل الاطاحة بنظام صدام بعدة شهور، حيث ترأس وفد المجلس الاعلى في المؤتمر الموسع للمعارضة العراقية في الولايات المتحدة الاميركية، ومن ثم المؤتمر الاخير قبل سقوط النظام في لندن، وتولى خلال عقدي الثمانينات والتسعينات الاشراف على مؤسسات ومراكز تعني بقضايا حقوق الانسان والاغاثة ومساعدة العراقيين اللاجئين، مثل المركز الوثائقي لحقوق الانسان في العراق، الى جانب توليه مسؤولية لجنة دعم عمل الداخل الجهادي. وبعد الاطاحة بنظام صدام بأيام قلائل عاد السيد عبد العزيز الحكيم الى العراق، حيث مهد لعودة شهيد المحراب من جانب، وتصدى للعمل السياسي في الساحة العراقية بكل تفاصيله، وبعد تشكيل مجلس الحكم الانتقالي اختير عضوا فيه ، ثم عضوا في هيئتة الرئاسية المؤلفة من تسعة اشخاص، وتولى الرئاسة الدورية للمجلس في شهر كانون الاول-ديمسبر من عام 2003.
وبعد استشهاد السيد محمد باقر الحكيم اختير بالاجماع من قبل اعضاء الشورى المركزية للمجلس الاعلى لرئاسة الاخير.وعرف السيد الحكيم لدى المقربين منه وعموم السياسيين الذين تعاملوا معه بالحكمة والبساطة والتواضع والمرونة والتوازن، وتبنى منهج التوفيق بين الاراء والاطروحات والتوجهات المختلفة التي تمتاز بالتقاطع و التناقض فيما بينها، وكان لذلك المنهج اثر كبير في تجاوز عقبات كبيرة وفك عقد بدت مستعصية، ويتفق الكثيرون على ان السيد الحكيم مثل شخصية محورية ورئيسية في ادارة وتوجيه العملية السياسية بمسارات صحيحة وصائبة، ونجح مع قادة وسياسيين اخرين في تجنيبها منزلقات خطيرة.
وحتى بعد اكتشاف تعرضه لمرض سرطان الرئة، وغيابه لفترات طويلة خارج العراق، لمتابعة مراحل العلاج، ظل يحرص على متابعة الامور بكل تفاصيلها وجزئياتها، ويجهد نفسه في معالجة ما يمكن معالجته، ولقاءاته المتواصلة مع كبار السياسيين والمسؤولين في البلاد ومع مختلف النخب والكوادر والفئات السياسية والاجتماعية تعد مصداقا لذلك.ويعد الفقيد الراحل اخر انجال الامام محسن الحكيم العشرة، الذين استشهد القسم الاكبر منهم على ايدي نظام صدام، خلال عقد الثمانينات، ولعل اخرهم كان العلامة السيد محمد مهدي الحكيم الذي اغتالته المخابرات العراقية في العاصمة السودانية الخرطوم في السابع عشر من شهر كانون الثاني-يناير من عام 1988، بسبب المواقف السياسية والجهادية المناوئة لنظام صدام، علما ان السيد محمد باقر الحكيم كان قد استشهد في حادث تفجير ارهابي بسيارة مفخخة بمدينة النجف الاشرف في مثل هذه الايام قبل ستة اعوام.
وفي ظهر السادس والعشرين من اب-اغسطس 2009، الموافق الخامس من شهر رمضان 1430هـ، تكون قد طوت مسيرة السيد عبد العزيز الحكيم صفحتها الاخيرة بعد ستين عاما، لتترك ورائها تساؤلات واستفهامات، تعكس في جانب كبير منها اهمية الفقيد ومكانته ودوره وتأثيره وحضوره، وفي جانب اخر منها قد تكون سابقة لاوانها او تنطوي على قدر كبير من المبالغة والتهويل.. وربما نحتاج الى وقفة مع تلك التساؤلات والاستفهامات.
https://telegram.me/buratha
