المقالات

شتم الصحابة في الفكر السلفي الحسين(عليه السلام) يبقى شامخاً

2408 19:59:00 2006-09-07

( ‏ بقلم: السيد حسن الهاشمي )

قد يُقال إنَّه لا شك في وجود جماعة تشتم بعض الصحابة، فما هو السبب في كونهم من هذا الصنف، في حين أن الشتم لا تقرّه ‏شريعة ولا يؤيده عقل ناضج ولا تستسيغه فطرة سليمة؟ وهل أن الصحابة كلهم عدول أم فيهم الغث والسمين والصالح والطالح؟ ‏

صحيح أننا أمرنا بأن لا نكون من السبابين، والذي يتسلح بالدليل والبرهان القاطع فهو في غنىً عن السب والشتم والوقيعة، التي ‏طالما يلجأ إلى هذه المفردات من ليس له باع بالإقناع والحكمة والموعظة الحسنة، بيد أنّ موضع الخلاف في الشتم يكمن في ‏نقطة واحدة، وهي أنّ أهل السنّة يقولون بأنّ كلّ من رأى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وعاشره ولو يوماً أو يومين فهو ‏محكوم بالعدالة منذ اللقاء إلى يوم أُدرج في كفنه، ولو صدر منه قتل أو نهب أو زنا أو غير ذلك، محتجّين بما نسب إلى رسول ‏الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أصحابي كالنجوم ، بأيّهم اقتديتم اهتديتم»‏

والحقيقة أن الأصحاب لم يكونوا على نمط واحد، فالمتصفح للقرآن الكريم والسنة النبوية الأصيلة يقف على أنهم كانوا مختلفين ‏من حيث قوّة الإيمان وضعفه، والقيام بالوظائف والتخلّي عنها، فيجب إخضاعهم لميزان العدالة الذي توزن به أفعال جميع ‏الناس، وعندئذ يتحقّق أنّ الصحبة لا تعطي لصاحبها منقبة إلاّ إذا كان أهلا لها، وتوضّح بجلاء أنّ محاولة المساواة في الفضل ‏بين جميع الصحابة أمر فيه مجافاة صريحة للحقّ وكلمة الصدق، وهذا ما ذهبت إليه الشيعة، وهو نفس النتيجة التي يخرج بها ‏الإنسان المتدبّر للقرآن الكريم.‏وللإجابة على الأسئلة المتقدمة لابُدَّ من الرجوع إلى مجموعة من الأسباب تشكِّل فعلاً عنيفاً، استوجَبَ رَدُّ الفعل، ومن هذه ‏الأسباب ما يلي:‏أولاً: مطاردة الشيعة المروِّعة، والتنكيل بهم، وما تعرَّضوا له من قتل وإبادة على الظنَّة والتهمة، وفي أحسن الحالات الملاحقة ‏لهم، والمحاربة برزقهم، ومنعهم عن عطائهم من بيت المال، وفرض الضرائب عليهم، وعزلهم اجتماعياً وسياسياً.‏

وبوسع القارئ الكريم الرجوع إلى التاريخ ليقف عما لاقاه الشيعة من جور وتعسف في الكوفة وغيرها من المدن الشيعية، ‏وليذعن بنفسه على ما وصلت إليه الحالة، وما انتهى إليه الوُلاة من قسوة خصوصاً في العهدَين الأموي والعباسي، ومازال ‏أتباعهم يمارسون نفس السياسة بحق أتباع أهل البيت(عليهم السلام) في وقتنا الحاضر!‏

إن مثل هذا الاضطهاد يستلزم التنفيس عن الكَبْت، فقد يكون هذا التنفيس في عمل سياسي أو جهادي، وأحيانا قد يتخذ منحىً آخر ‏يلجأ صاحبه إلى الشتم كما يسمونه أهل السنة والجماعة، والتبري من أعداء أهل البيت كما تنص عليه فروع الدين في المذهب ‏الإمامي، ولسنا نبرِّر الشتم بحال من الأحوال، وإنما هو كفران بالطاغوت الذي أمرنا به في الكتاب العزيز، وليس الذي يشتم ‏المنافقين الفاسقين كمن يشتم الأولياء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.‏

ثانياً: إن الذي أسَّس هذه الظاهرة هم الأمويون أنفسهم، لأنهم شتموا الإمام علي (عليه السلام) على المنابر، وشتموا أهل البيت ‏‏(عليهم السلام) أيضاً، واستمر ذلك لمدة ثمانين سنة، ومما عمَّق هذه الظاهرة هو الالتواء في معالجة هذه المشكلة، من قبل أعلام ‏السنة.‏

فعلى سبيل المثال، نجد ابن تيميَّة يؤلف كتابه( الصارم المسلول في كُفرِ من شتم الرسول أو أحد أصحاب الرسول)، فيحشد فيه ‏الأدلة على كفر الشاتم، ولكنه مع ذلك ومع عَلمِه بما قام به معاوية والأمويون لا يقول بِكُفرهم، الذين قاموا بشتم الإمام علي ‏وأهله (عليهم السلام)! علماً أن الإمام علي (عليه السلام) هو أخو رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وضحَّى بكل غال ونفيس من ‏كيانه في خدمة الإسلام والمسلمين، فلماذا لا يُكفَّر شاتِمُه؟

وإليك مثالاً آخر: فقد تولَّى يزيد بن معاوية الحكم لمدة ثلاث سنوات، قَتَل في سَنةٍ منها الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيت ‏رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وسَبَى عيالهم، وذَبَح أطفالهم، وعمل فيهم أعمالاً لا تصدر من أعتى ظالم في التاريخ القديم ‏والحديث، وفي سنة ثانية قتل عشرة آلاف من المسلمين، وسبعمِائة من الصحابة جلهم من حَمَلَة القرآن. واستباح المدينة ثلاثة ‏أيام، وسَمَح لجُندِ أهل الشام أن يَهتكوا أعراض المسلمات، وذبح الأطفال، حتى كان الجندي الشامي يأخذ الرضيع من ضرع أمه ‏ويقذف به الجدار، حتى ينتشر مُخَّه عليه.‏

وأجبر الناس على بيعة يزيد على أساس أنَّهم عبيد له، وأخاف المدينة، وروَّع الناس، وأحال أرض المدينة المنوَّرة إلى برك من ‏الدماء، وتُلُول من الأشلاء، وفي سنة ثالثة سَلَّط (المَنجَنِيقَات) على الكعبة، وهدَّمها وأحرقها وزعزَعَ أركانها، وجعل القتال داخل ‏المسجد الحرام، وسال الدم حتى في قاع الكعبة.‏وقد استعرض الظلم الأموي مُفصَّلاً كلٌ من: (تاريخ الخميس) للديار بكري، والطبري، وابن الأثير في تاريخيهما، والمسعودي ‏في (مروج الذهب)، وغيرهم من المؤرِّخين في أحداث سَنَة ستين حتى ثلاث وستين من الهجرة.‏

ومع ذلك كلّه تجد كثيراً من أعلام السنة يُخطِّئون من يخرج لقتال يزيد، وأن الخارج عليه يُحدث فِتنة، ووصل الأمر إلى حَدِّ ‏تَخطِئَة الإمام الحسين ( عليه السلام ) سيد شباب أهل الجنة!‏فكأنَّ النبي (صلى الله عليه وآله) عندما قال: (الحَسَنُ والحُسَين سَيِّدا شَباب أهلِ الجنَّة). ما كان يعلم (صلى الله عليه وآله) بأنه ‏‏(عليه السلام) يقاتل يزيد، وحينما قال (صلى الله عليه وآله): (إنَّ الحُسينَ وأصحابه يدخُلُون الجنَّة بغير حِسَاب)، لم يأخذ (صلى ‏الله عليه وآله) في حسابه أنهم خارجون على يزيد.‏

وهذا الغزالي، أمام عينيه عشرات من كتب السيَر والتاريخ، التي تؤكد بالطرق الموثقة بَشَاعة الأحداث التي تمَّت بأمر يزيد، ‏وبفعله المباشر لبعضها، لكنه يقول في كتابه (إحياء علوم الدين)، باب اللعن: (فإن قيل: هل يجوز لعن يزيد لأنه قاتل الحسين، أو ‏أمَرَ به، قلنا: هذا لم يثبت أصلاً، فلا يجوز أن يُقال: إنه قتله، أو أمر به، ما لم يثبت، فضلاً عن لعنه، لأنه لا يجوز نِسبة مُسلمٍ ‏إلى كبيرة من غير تحقيق). إلى أن قال: (إن يقال: قاتل الحسين لعنه الله، أو الآمر بقتله لعنه الله، قلنا: الصواب أن يقال: قاتل ‏الحسين إن مات قبل التوبة لعنه الله).‏فهل كل كتب السيَر والتاريخ عند المسلمين، والتي نصَّت على صدور هذه الأحداث أمراً ومباشرة من يزيد، كلّها لا تُثبِتُ أفعال ‏يزيد ولا تدينه ؟! وعنده أنَّ يزيد شارب الخمور وقاتل النفس المحرمة، وأمثاله من قتلة الأنبياء (عليهم السلام)، وأبناء الأنبياء ‏‏(عليهم السلام)، مِمَّن يوفَّقون للتوبة.‏

ويصل الأمر إلى رمي أهل البيت (عليهم السلام) بالشذوذ، فضلاً عن عدم ترتيب الأثر على شَتمهم، فيقول عبد الرحمن ابن ‏خلدون المتوفى عام 1406م في كتابه الموسوم بـ (المقدَّمة): (وشَذَّ أهل البيت بِمَذاهب ابتدعوها، وفقه انفردوا به، وبنوه على ‏مذهبهم، في تناول بعض الصحابة بالقدح، وعلى قولهم بعصمة الأئمة ورفع الخلاف عن أقوالهم، وهي كلّها أصول واهية).‏

يقول ذلك ونصب عينيه أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) في أهل بيته، كما رواه ابن حجر بصواعقه(في كل خلف من أمتي ‏عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ألا وإن أئمتكم وفدكم إلى الله تعالى ‏فانظروا من توفدون)، ونصب عينه أيضا ما قاله النبي (صلى الله عليه وآله) كما رواه الحاكم في (المستدرك):‏‏(ومن أحب أن يَحيا حياتي، ويَمُوت ميتتي، ويدخل الجنة التي وعدني بها رَبِّي، وهي جَنَّة الخلد، فليتوَلَّ عَليّاً وذريَّته من بعدي، ‏فإِنَّهم لم يُخرجوكم من هُدىً، ولن يُدخلوكم باب ضلالة).‏وإن مما يَبعثُ على الاستغراب أن يَسكُت علماء وكُتَّاب المسلمين على أقوال ابن خلدون وأمثاله، مع قيام الأدلة على أن أهل ‏البيت (عليهم السلام) هم الامتداد المضموني للنبي محمد (صلى الله عليه وآله) وهم عدل القرآن كما جاء في حديث الثقلين.‏

الدفاع عن الصحابة كلمة حق يراد بها باطل، طالما استخدمها رواد الفكر السلفي بسياسة الكيل بمكيالين لتمرير مخططاتهم ‏المشبوهة ليس إلاّ، فهم يكفّرون من يطعن بالمنافقين من الأصحاب، ويغضون الطرف عمن يتجرأ بالافتراء على من ثبت ‏إخلاصه وتفانيه للرسول(صلى الله عليه وآله) والرسالة، وعلى لسان الرسول نفسه. ‏

وها هي الفضائيات ومواقع الانترنت والنشريات والكتب التكفيرية، تبث أفكارها الموروثة عن سلفهم الأموي والعباسي بما ‏تحمل من حقد دفين ضد كل من يمت بأي صلة بعلي(عليه السلام) وآل علي ومن والاهم، ويتهمون الشيعة بشتى صنوف التهم ‏والافتراءات الواهية بشأن العقائد الإمامية، بالرغم من أن أعلامنا يدحضون أقاويلهم بسديد العبارة وقوة البرهان، تراهم يصرون ‏على غيهم لغاية في نفس يعقوب قضاها، يحاولون فيها تسييس الصراع الفكري العقائدي لمحاصرة أتباع المذهب الشيعي في ‏بلدانهم، للحيلولة دون المطالبة بحقوقهم المشروعة في الحرية والعمل كباقي المواطنين من المذاهب الأخرى، وما يجري اليوم ‏في العراق من دعم غير محدود للجماعات الإرهابية لبث الرعب والقتل والتخريب والتهجير ضد أتباع أهل البيت يصب في ذلك ‏الاتجاه، وبات واضحا للعيان أن كل تلك الانتهاكات تجري على مرآى ومسمع العالم المتحضر العربي والإسلامي! ولكن دونما ‏جدوى، فلا ينبض فيهم عرق ولا يتحرك ساكن، وأضحى حالهم كما قال الشاعر:‏لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك