( بقلم: عدنان آل ردام العبيدي- رئيس تحرير صحيفة الاستقامة- رئيس اتحاد الصحفيين )
بالرغم من قدم التواجد الامريكي في المنطقة عسكرياً عبر الصراع العربي الاسرائيلي، وسياسياً عبر النفوذ الامريكي في عمق القرار العربي الخليجي والعربي المغاربي الا ان هذا التواجد ظل يفتقر الى التأثير الميداني الفاعل ليس لانه عاصر حقبة بو مدين في الجزائر او عبد الناصر في مصر او السلال في اليمن بل على ما يبدو ولان المشهد العراقي لم يشهد حالة من الاستقرار السياسي اثر تعرضه للمشاريع الماركسية مع مطلع العهد الجمهوري ودخوله حيز المشروع القومي وانشطاراته الاميبية التي تتوزعها القاهرة ودمشق طوال العقد الستيني وانتهائه بالظاهرة الصدامية التي امتدت لاكثر من ثلاثة عقود هو السبب الحقيقي وراء اختفاء حقيقة العلاقات العراقية- الامريكية.
الظاهرة الصدامية كانت تشكل عنصر احراج قوي للادارة الامريكية فيما اذا ارادت الاخيرة ان تجعل من العراق المحكوم بهذه الظاهرة ركيزة متقدمة لها، ولهذا الموضوع اسباب كثيرة، اهمها ان العراق في ظل نظام صدام ولوقت متأخر كانت الولايات المتحدة الامريكية تضعه ضمن الدول الراعية للارهاب وهذا التصنيف لا يمكن لبلد كالولايات المتحدة الامريكية محكوم قراره بالدرجة الاساس الى اللوبيات والرأي العام، ان تتخطاه واشنطن بسهولة ما لم يمر هذا التخطي بسلسلة من الاجراءات والمراحل الترويضية للشارع الامريكي وللرأي العام وحتى للوبيات المؤثرة..
ربما وجدت الولايات المتحدة الامريكية فرصتها الاولى بالتقرب من نظام صدام مع اندلاع شرارة الحرب العراقية الايرانية، ولقد نجحت الادارة الامريكية بتمرير مصطلح المساندة الاستثنائية في الحرب ضد ايران امام شارعها بذريعة الاعتبارات الايديولوجية او الاصولية او المتطرفة التي التصقت بالظاهرة الخمينية.. هذه الاستثناءات مهدت الطريق امام واشنطن لتسجل حضوراً اقوى وباتجاهات اوضح مع ازمة الكويت الاولى وانتهى هذا الوضوح الى فصوله الاخيرة بعد التاسع من نيسان عام 2003.
نحن نعتقد ان الابتعاد عن مناقشة محاور حساسة كمحور العلاقات الامريكية العراقية هو بمثابة الهروب الى الأمام، اذ ان الحقائق السياسية لا يخفيها الصمت او التجاوز انما مواجهتها بالثقة والجرأة والصراحة ممكن ان يصحح مساراتها الخاطئة واتجاهاتها الضبابية.
ان القول بان الولايات المتحدة الامريكية دولة لا يمكن كسب صداقتها قول فيه حديث كثير، لكن الذي يقترب من الصح -في نافذتنا هذه- ان الولايات المتحدة الامريكية الدولة العظمى او القطب الاوحد في العالم ربما يحتاج صداقة الدولة العراقية اكثر مما يحتاج العراق ذلك.. اما كيف ستكون خريطة هذه الصداقة فهذا هو المهم والاهم منه بالتأكيد هو انه لا يمكن ان نتحدث امام التاريخ العراقي عن اتجاهات تحديد الصداقة وواشنطن لا زالت تحتل بغداد مثلما ليس بالامكان ان نتحدث في محور كهذا في ظل الغموض الذي يكتنف السياسة الامريكية ازاء العراق.
هنالك ملفات سياسية واقتصادية وامنية وثقافية كثيرة ممكن ان تكون القاسم المشترك لعلاقات عراقية امريكية، فالولايات المتحدة تمتلك من مقومات الرغبة في بناء علاقات متينة معها بقدر ما يمتلك العراق من هذه المقومات، واذا كانت الولايات المتحدة بلد التكنولوجيا والتقدم فالعراق بلد السوق والاستثمار والانطلاق نحو التعايش السلمي في المنطقة برمتها. وهذه معادلة تصلح ان تكون اساساً لبناء علاقات متينة بين البلدين ولكن بعد ان يعاد التوازن لهذه المعادلة القلقة اسوة بالمعادلات الحسابية او العلمية حيث قانون الموازنة يبقى القانون الاهم في بناء المعادلات المستقرة وهذا ما هو غير قائم بين بغداد وواشنطن.
https://telegram.me/buratha