( بقلم المحامي طالب الوحيلي )
الحرب التي يعيشها الشعب العراقي بعد سقوط الطاغية ،لايمكن ان تختلف عن غيرها من لحروب ،فقد تبلورت منذ اول عملية تخريب استهدفت البنى التحتية للبلاد ،ومنذ ابتداء ابسط جرائم التسليب ،التي تطورت فيما بعد لتتحول الى مستوى الاختطاف المنظم ،وتحول هذا الى القتل والى التفجيرات البشعة والى المجازر اليومية ضد المواطنين الابرياء ،فيما اتخذت الجرائم الارهابية ضد قوى الامن والحرس الوطني شكلا اكثر تنظيما ،ولتتحول تلك الجرائم الى افعال تكتيكية لضرب مرتكزات الوحدة الوطنية عبر استهداف العنصر المذهبي بصورة مباشرة من خلال التحرش بالعتبات المقدسة للائمة الاطهار ولمراقد ومقامات دينية مهمة ،وكل ذلك يسير باتجاه الفصل الطائفي وتهجير اتباع اهل البيت من المناطق التي هيمنت عليها قوى الارهاب المتجحفلة مع بقايا النظام البائد ،مدعومة بعمق طائفي قومي يمتد الى اطراف شاسعة من العالم العربي والاسلامي الذي استلبته جبهة اخرى غير ذات ادوات القتل والتفجير ، فنحن نعيش حرب بمفهومها التقليدي ،واهم عناصرها الاسناد الاعلامي والثقافي ،بل ان الثورات الثقافية قد تكون اكثر وطئا من القتال المباشر ،لاسيما وان قوتها تعتمد اصلا على الكفاءة المتأتية من الدعم المفرط من الجهات المستترة والتي تحرك عناصر الارهاب عن بعد .فبالقدر الذي مكن النظام البعثي من المكوث اكثر من ثلاثة عقود عبر عدة وسائل اهمها اعلامه المضلل والذي سار على محاور عدة منها تمجيد رئس النظام وحزبه وتأريخه المزيف ،بل اعادة كتابة التأريخ من جديد بقصد محو كل صوره الحقيقية وابدالها بكل ماهو مزيف وطارئ ،وخلق ابطال لا وجود لهم لاحقيقة ولا حكما .او تهميش الآخر ذو المكانة الجوهرية في حركة تأريخ العراق القديم او المعاصر ،ومحاولة الغائه من الوجود طائفيا او عرقيا او طبقيا او سياسيا .او صرف انظار العالم عن المستوى الذي وصل اليه الشعب العراقي من التخلف والجوع والحرمان بعد تقنينه للصحافة والاعلام واحتكاره لها ،فضلا عن البذل لخيالي للثروات من اجل شراء الاقلام الصحفية والواجهات الاعلامية العربية والعالمية ،ورصد الامكانات الامنية والمخابراتية لمتابعتها داخل وخارج العراق ،حيث صار مصدرا للتندر بهذا الشأن ،فلا يكاد يفلت من شره كاتب انتقد سياساته حتى ولو كان في (قبرص)او غيرها على راي احد رجال الاعلام الذين عاشروه ردحا من الزمان!!
اليوم مازالت اهم عناصر الماكنة الاعلامية التي سخرت لصدام ونظامه تعمل وبواجهات مختلفة ،قد تمكنت من فرض وجودها وملات الشارع العراقي والعربي ضجيجا تناغم مع هدير الانفجارات وصراخ الجرحى المبتوري الاجزاء او عويل الثكلى ،مستفيدة من معظم عناصر المؤسسة الاعلامية التي اتيح لها المجال في ذلك العهد لتصول ونجول ،نفس المذيعين الذين كانوا يزبدون ويرعدون وهم يقرأون بيانات القيادة العامة للقوات المسلحة،ونفس الاقلام ونفس الصور و(القاعة نفس القاعة ..بكراسيها ..وبصوت مناديها..نفس الياقات البيض ..نفس الاحذية اللماعة ..نفس الزمن المنجمد في ساعة ..) كما يقول الشاعر بلند الحيدري في حواريته الخالدة..
الصحف التي كانت تصطبغ بدماء الشعب العراقي وعذابته ،وتميته يوما وتحييه ،والتي لم يرها يوما لبعدها عنه ،تواجهه اليوم وجها لوجه ..إنا هذا المقتول في الصحف العربية ..الصحف البعثية وقنواتها الفضائية تلك التي لازالت تصر على اننا مجرد أجساد تذهب الى لحودها دون رأفة او رقة في الوصف ،وان المقابر التي أخذت سني وسنى عراقنا ما هي الا مدافن لتأريخ ولّى دون رجعة ،وتجدها ترقص على أحزاننا ،وتشيع وتحرض وتشايع وتناغم وتداهن وتخلط سمومها بأحبارها ،ولا حاد لها يردعها او ينذرها ،كأن قاعدة صدام في لجم الأفواه الحرة قد تحولت في الوقت الحاضر الى إخفاء اولي الأمر رؤوسهم او صم آذانه وإغلاق عيونهم فلا يهمهم ما يقال شتما وذما ،تماشيا مع مبادئ الديمقراطية او اعترافا منهم بان الصحافة ومؤسساتها هي سلطة رابعة تضم الى السلطات الثلاث ،التشريعية والتنفيذية والقضائية ،والسؤال الذي يثور لو سلمنا جدلا بأحقية هذة السلطة هو لمن هذه السلطة وضد من؟ فاذا كانت سلطة شعبية لمراقبة المؤسسات الديمقراطية وبذلك فأنها تشكل حجر زاوية للرقابة على الحياة الدستورية بغية تقييمها وتطوريها وتطويعها لخدمة الشعب قبل سواه وبذلك فانها تستمد شرعيتها من الشرعية السياسة للنظام اولا، ومن القوانين النافذة في البلاد على اختلافها كقانون المهنة او قانون الصحيفة او قوانين النشر واهم ما في ذلك كله عدم تخطيها للنظام العام والآداب والتي يحكمها قانون العقوبات. وبمقابل ذلك كله ماذا نصف الصحافة المعادية للعملية السياسية وللمؤسسات الدستورية؟ بكل تأكيد تخرج عن كونها سلطة رابعة مادامت لا تعرف شرعية غير شرعية القتل والارهاب والحكم الشمولي بالرغم من تحججها بحقوق الانسان والديمقراطية، وهي سرعان ما تقف وجها لوجه مع القانون السائد الذي كان نافذا منذ العهود السابقة وبقي نافذا..دون تعديل..
واذ خرجت الفضائيات والمؤسسات الإعلامية العربية عن سلطة القانون العراقي بالرغم من ارتكابها بعض الجرائم الدولية كالتحريض على الارهاب والترويج الى الخروج عن القانون العراقي والتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، فان القانون العراقي صاحب الولاية العامة في التطبيق على الجرائم التي تقع من خلال الصحف ووسائل الاعلام، واهمها جرائم التحريض على القتل وجرائم الترويج للحرب الأهلية وجميع الجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي التي يحكمها الباب السادس من قانون العقوبات العراقي فضلا عن الجرائم التي لا تتم الا بعد نشرها من خلال الصحافة كجرائم القذف وجرائم النشر، مما يقتضي على من يسخر هذه الصحف والفضائيات ان يعرف حدود القانون وتبعات ذلك جزائيا فضلا عما يحاول النيل من سلطة القانون والحكومة برمتها فهل يحق لاحد عبر احدى الصحف تحذير الحكومة من مغبة فرض سيادتها وسيادة القانون على الشارع ومكافحة الارهاب واتخاذ التدابير الاحترازية ..
وهل يحق للفضائيات العراقية ان تكون منبرا لمن يحبذ التخريب والقتل ويمتعض من مداهمة أوكار العصابات الإرهابية بكلام يخلط فيه )السم الزعاف) بالسم لا بالعسل او الزيت. ومن تابع الصحافة والاعلام العراقي المرئي والمقروء يجد الكثير،لكن الملفت للنظر وهو المهم ،ان الحكومة العراقية والكثير من شخوصها واحزابها ،قد تنازلوا على مايبدو عن حقهم القانوني والشخصي في اقامة الدعاوى الجزائية على الاشخاص والمؤسسات الاعلامية التي تتعرض لهم كل يوم بالطعن والقذف عبر صحفها وادواتها ،دون الخشية من أي رد فعل يمكن ان يقضي قانونا بحجز او غلق او مصادرة تلك المؤسسات ،فضلا عن العقوبات الجزائية التي يمكن ان ينالها رئيس التحرير او الناشر ،فيما يبقى الادعاء العام هو المسؤول الاول عن مقاضاة أي جهة تنال من النظام العام وحقوق المجتمع ..
https://telegram.me/buratha