( بقلم / أحمد رضـا المؤمن )
ورد في أحاديث مُستفيضة عن النبي الأعظم مُحمّد " ص" قوله لأخيه ووصيّة الإمام أمير المؤمنين "ع" : ( يا علي ..لا يُحبك إلاّ مؤمن ، ولا يبغضُك إلاّ منافق ) ، وقول الإمام أمير المؤمنين عن نفسه : ( هَلَكَ فيّ إثنان : مُحب غال ، ومُبغض قال ) . وروايات أخرى كثيرة تُفيد ذات المعنى العام المقصود في بيان فسق وضلال وإنحراف مُبغضي علي وإيمان وإستقامة وسلامة وعدالة مُحبيه ..
هُنا يستوقفني كثيراً تأكيد النبي الأكرم "ص" على جعل ( حُب وبُغض ) علياً آلية للتفريق من خلالها بين الصواب والخطأ ، بين الفسق والفجور ، بين النور والظلام .. بين كُل نقيضين .لماذا علي .. ؟؟ ألأنهُ إمام معصوم ؟ أم لأنه وقف معهُ ــ النبي ــ وقفة لا مثيل لها ؟ ، أم لأنه زوج إبنتهُ وإبن عمّه ؟ أم لأنه الأصلح لخلافته ؟؟ ..
قد يكون جميع ذلك وأكثر .. ولكن ما أراه ورآه قبلي الكثير أن الأمر يتعدى ذلك بكثير . فـ( حُب ) و( بُغض ) علي "ع" لا يقتصر في مُجمل أسبابه على ( الإمتيازات ) التي يتمتع بها دون غيره من بعد رسول الله الخاتم "ص" ، إذ أن عناصر الحب والبغض تجاه علي بن أبي طالب "ع" لها مُميزات وخصوصيات لا يُمكن لأي كان أن يوفق للإهتداء إليها حتى لو كان مُسلماً ، فكم من نصراني ويهودي وصابئي وحتى اللاّدينيين ممّن إهتدى لنور محبة علي وذكره . وكم من المسلمين وحتى من يدعون الإنتماء إليه نسباً أو فكراً أو قولاً وهو يبغضهُ ويُعاديه ليس إلاّ لسوء توفيقه وعاقبته .
إن أي إنسان مهما كانت عقيدتهُ وفكرهُ ودوره في الحياة بمُجرد أن يطلع على سيرة ومسيرة هذا الرجُل ــ بشكل وافي ــ فإنه من المستحيل أن لا يحسم أمرهُ ويبقى على الحياد فإما العشق والحب والإنجذاب والولاء .. وإما البُغض والحقد والحسد والعداء كما نرى اليوم من ذلك كثيراً في نواصب هذا الزمان .
كيف لا يُحب الناس علياً ؟! فأنت لا تملُك أمام علي إلاّ أن تنجذب إليه لأنك لا تجد في عقله ولا في قلبه ولا في حياته إلاّ الإسلام والحق والعدل ، حتى أُثر عنهُ أنهُ قال : ( ماترك لي الحق صديقاً ) . فأنت لا تستطيع أن تجد في علي نُقطة ضعف ــ بغض النظر عن عصمته ــ بل لا تملُك إلاّ أن تنحني إجلالاً لمواقفه ، فإنهُ عندما ينظُر إلى نعله التي يخصفها بيده الشريفة يُخاطب إبن عباس قائلاً : ( والله لهي أحبّ إلي من إمرتكُم إلاّ أن أُقيم حقاً أو أدفع باطلاً ) وكان يقول : ( لولا حضور الحاضر وقيام الحجّة بوجود الناصر وما أخذ الله على العُلماء ألاّ يُقاروا على كظّة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها ، ولألفيتم دُنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز ) .
كيف لا تُحب ذلك الرجُل الذي ضرب لنا أمثلة قاسية في معنى أن تواسي الرعية من موقع المسؤولية والحكم والقُدرة لا أن تنآى عنهُم مِبطاناً حائراً بمجالس اللّهو والمرح لتترك الفُقراء والمستضعفين يئنون هُم أيضاً ولكن من ألم الجوع وفراغ أحشاءهم إلاّ من آلام الجوع ووهن الفقر والحرمان فكان يلبس ملبسهم ــ الفقراء والمستضعفين ــ ويأكل أقل ممّا يأكلون ويختلط بهم ويتفقد أحوالهم ويقضي حوائجهم ويسهر على تعليمهم وتربيتهم.
كيف لا تُحب علياً ذاك الذي كان يقول بشأن كُل الجدل الذي ثار حول الخلافة وهو الذي يعتقد ــ كما نعتقد ــ بأنه أحق بالخلافة ، قال : ( لقد علمتم أني أحق الناس بها من غيري ، والله لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين ، ولم يكُن فيها جور إلاّ علي خاصة ، إلتماساً لأجر ذلك وفضله وزُهداً فيما تنافستموه من زخرفهُ وزبرجهُ ) فعندما تسمع علياً وهو يقول : ( يا دُنيا غُري غيري .. لا حاجة لي فيك ، قد طلقتك ثلاثاً ) ألا ترى فيه إنساناً خرج من الدنيا بالمعنى المادي لها ، بعقله وقلبه وروحه وحياته ، وعند ذاك كيف لا تُحبّه ؟! ولكن مع ذلك لا يُمكن أن تُحب علياً "ع" وأن تنجذب إليه وأن تدخُل في عُمق شخصيته ، مالم تفهمهُ .
أما الذين يبغضونهُ وينصبون العداوة لهُ فهُم كمن يبغض الورد ويُحب الشوك ، وكمن يبغض العطر ويُحب النتانة ، وكمن يبغض النور ويُحب الظُلمة ، هؤلاء لا يعيشون معنى الإنسانية ، لأنك لا يُمكن أن تكون إنساناً وتبغض علياً ، ونحن ــ المحبين لعلي ــ لا نقولها من موقع عاطفة بل من موقع العقل الذي يحسب الأشياء بدقة وموضوعية .
وقبل الختام أذكر للمُحبين وللمبغضين لعلي "ع" مثلاً من الأمس القريب عاصرناه وشهدنا من دروسه المرة . فمن منا لا يذكر الطاغية اللّعين صدام الهدام ومدى حقده على علي ومُحبيه إلى درجة لا يكفي الكلام عنها حتى بمُجلدات ، ومع كُل ذلك تراه في حقده في حسده في بُغضه وإلى آخر أيام ظُلمه الأسود وهو يُحاول أن ينتسب زوراً لمن يبغضهُ ويُحارب مُحبيه وأتباعه .
ألا ترون في ذلك عبرة قد يستفيد منها ( المحب ) و( المبغض ) سواءً بسواء .. اللهُم نسألك التوفيق لمحبة مُحمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والتسعة المعصومين من ذُرية الحسين صلواتك وسلامك عليهم أجمعين وأنصرنا على مُبغضيهم ووفقنا لأداء أجر مودتهم المفروضة في كتابك الكريم [ قُل لا أسألكُم عليه إلاّ المودة في القربى .. ] اللهُم أعمِر قلوبنا بحُب ( علي ) لتنفتح علينا أنوار محبّته في أنفسنا وعقولنا فنفوز فوزاً عظيماً .. والحمد لله رب العالمين .
https://telegram.me/buratha