( بقلم الحق المهتضم )
قد يبدو الموضوع غير مترابط ووجه الغرابة هو أنّ الرفيق المؤسس ميشيل عفلق كان مسيحيا ً .ــ والحمد لله ـــ فإنه لم يمت حتى أسلم فصار إسمه أحمد ميشيل عفلق . و لا أدري فإن خير الأسماء ما عُبدّ أو حُّــمـد فلماذا بقي إسمه عفلق الحرامي . ( 1 ) !؟
ربما يسأل البعض عن وجه الغرابة في الجمع بين الفكر الأموي وهو فكر ٌ إسلامي وبين الفكر العفلقي وهو فكر ٌ مسيحي ؟ ! ـــ وإن كنت لا أميل الى إسلام الأمويين لكفرهم الصريح إبتداءا ً من جدهم أبي سفيان وجّــدتهم هـند .. التي هي من ذوات الأعلام وبين فكر عفلق وهو مسيحي ؟ ــ .
ويبدو هذا واضحا ً في أوجه الشبه بين السياستين الأموية من جهة والعفالقة من جهة ا ُخرى .
ــ 1 ــــ أن الفكر الأموي الذي كان يعتمد على مستشارا ً مسيحيا ً.
ـــ 2 ــــ الفكر الاموي كان فكرا ً كسرويا ً وهذا ما صرّح به عمر بن الخطاب صراحة ( 2 ) .
ــــ 3 ــــ ثم زاد معاوية كما يقال ــ في الطنبورة نغمة ــ عندما إتخـّذ سرجون النصراني مستشارا ً له وبقي مع تلفه يزيد. وهذه هي أوجه الشبه بين الفكر الاموي وبين فكر البعث المبنيّ على أفكار المسيحي عفلق . ( 3 ) .
وإن كانت قواسم مشتركة ورذائل وصفات سقوط و إنحطاط أخلاقي بين الفكرين الاموي والعفلقي في أكثر من مجال نعرض عنها الى مقالات اخرى ان شاء الله .
مضافا ً الى أنّ من يقرأ مذكرات المقبور الهالك الفريق الركن حردان عبد الغفار التكريتي وزير الدفاع في حكومة أحمد حسن البكر يجد ذلك صريحا ً وواضحا ً !
وملخص القصة يكمن في زيارة الهالك أحمد حسن البكر رئيس الجمهورية العراقية السابق لأبي الفضل العباس *ع* عند نجاح الثورة ومعهم الدعّي صدام ــ عندما أقول الدعيّ لا أمزح بذلك بل هو حقيقة ويمكن الرجوع الى ( 4 ) .
وأما ما جرى في هذه الزيارة فإقرأ نص ما ذكره الهالك حردان في مذكراته :
بعد اسبوع واحد من حركة 30/ تموز / 68 ذهبت الى (( ابو هيثم )) احمد حسن البكر وقلت له بالحرف الواحد -
: انا لا اشك في اننا يجب ان نبذل الكثير لكي نستمر في الحكم وقد يتم لنا ذلك ولكن الذي اشك فيه هو ان نظل مخلصين لبعضنا البعض ولهذا فان علينا- ان نحصل على ضمان لاستمرار صداقتنا الحاضرة … اجاب : - الا يكفي ان القوات المسلحة كلها تحت تصرفك الان ؟ . قلت - : ان الذي اخافه هو ان تطعّــني انا القوات المسلحة انت تعلم ان الزمان متغير . قال - : لا باس .. هل انت توافق على (( الحلف )) ؟
قلت موافق بمن تؤمن ؟
قال -: بمن تؤمن انت . قلت - : ابو حنيفة كيف ترى ان نحلف عنده ؟
قال اؤمن كثيرا بابو حنيفة ولكن اظن ان (( ابو الفاضل العباس ) بن علي المدفون في مدينة كربلاء خير من يمكن ان يشد تحالفنا كيف ترى ان نذهب اليه الليلة ؟
قلت ليس لدي مانع .
الحقيقة فان ابو هيثم كان يبحث هو الاخر عن ضمان يحافظ على ولائنا له بعد ان تمت الخيانه برفيق انقلابنا الدكتور عبد الرزاق النايف وعلى ايدينا
: انا وعماش والشيخلي .
وفي تمام الساعة الثامنة من نفس الليلة ركبنا سيارة عادية متجهين نحو كربلاء وكنا اربعة
: الرئيس ونا واحد المرافقين والسائق ولكي لا ينكشف الرئيس وانا فقد حملنا تابوتا فارغا على سقف السيارة باعتبارها جنازة عادية نحملها لدفنها في النجف .
وكنا نلبس اذ ذاك (( الكوفية والعقال )) على الطريقة البدوية .
وصلنا مدينة كربلاء في اللحظة التي كان خدام روضة العباس يشتغلون باقفال ابواب الصحن,
ولذلك فقد حاولوا منعنا من الدخول وبعد اصرار جدي من قبلنا على اساس اننا بصراويون نريد التوجه الى النجف ليلا لدفن جنازتنا فتحوا لنا الابواب فتوجهنا نحو الراس ووضعنا الجنازة امامنا وبدانا نحلف وكانت العملية مخالفة للاعراف القائمة عند الشيعة في زيارة الجنائز لمرقد العباس مما اثار الشكوك لدي بعض الخدم فتقدم الينا قالا -
: هل تريدون شيئا ؟ . قلنا - : لا .. نريد ان نحلف فقط . قال - : تسمحون ان (( احلفكم )) ؟
قلنا - : لا نحن نعرف ذلك . فتركنا حيث حلفت انا اولا – ان لا اخون ابو هيثم وان واجهت ملء الدنيا ذهبا وفضة , وحلف هو ثانيا ان لا يخون بي كذلك …ولقد ارتحت كثيرا عندما تمت عملية (( الحلف المقدس )) فقد ظننت بسذاجة انني كسبت صداقة (( ابو هيثم )) الى الابد .
ولم اكن اعرف ان الحلف لم يكن الا ّ خداعا ً جربته أنا على نفسي وأستسلت له بناءاً على اقتراحي انا ...
والان اذ تعود الذاكرة الى تلك الليلة أتصّور أنّ الحلف المقدس إنما كان لخيانتي وإلا ّ :
فلماذا سفرني الى هنا ؟ ولماذا بعد ذلك قتل زوجتي ؟ والطريف ان الرئيس حلف بعد اسبوعين فقط من بعد تلك الليلة مع صدام حسين للابقاء على الصداقة وجرى الحلف في نفس المكان الذي حلفنا فيه ..
وعلى كل حال .. فقد انكشفت لعبتنا تلك الليلة وعرف أحد الخدم ( ابو هيثم ) فتقدم اليه وطالبه ان يسمح له باعلان المحافظ . ولكن ابو هيثم رفض ذلك باعتبار انه مستعجل للرجوع الى بغداد .
وفعلا فقد رجعنا الى بغداد ووصلنا الى القصر الجمهوري قبيل الفجر بلحظات .
ويجدر بالذكر ان الرئيس رفض تلك الليلة ان يقوم بزيارة سيدنا الحسين رغم اصراري عليه مؤكدا ً بالحرف الواحد : انا لا اعتقد بالحسين فهو كان يستحق القتل بسبب تمرده على حكومة يزيد .
وعندما قلت له - : ولكن العباس كان مع الحسين في كربلاء وقد قتل معه . وربما في سبيله ؟
قال -: هذا صحيح ولكني اعتقد ان الحسين غرر باخيه العباس .. فقد جلبه معه على اساس ان يصبح وليا للعهد ‘ ولم يكن اخلاصه الا للنخوة العربية التي كان يتمتع بها .
ولا ادري بالضبط من اين كان ياتي بمثل هذه النظريات التي كان يتحفنا بها من حين لاخر ؟
. ان التاريخ يكشف عن تفاصيل قضية الحسين ولكن الرئيس كان يصر على مخالفة التاريخ وليس هنا فقط بل في كل تحليلاته التاريخية تقريبا , فقد كان يعتقد مثلا ان الخوارج كانوا يمثلون الروح الثورية العربية وكان يقول : لو كنت في عصر علي ابن ابي طالب لما وسعني الا الانخراط في صفوف الخوارج . والواقع ‘ فان الرئيس متاثر جدا بشخصية معاوية بن ابي سفيان ‘ ولذلك فانه يحمل حقدا ً أسودا ً لعلي بن ابي طالب . وليس اهماله لمدينة النجف الا نتيجة هذا الحقد .
واظن انه لا يعتقد بالعباس ايضا الا بمقدار ما يجلبه العباس له من ثقة اصدقائه .
ولا فما معنى قتل زوجتي وابعاد اولادي واعفائي من جميع مناصبي كلها بشخطة قلم ؟
إنتهى النص من مذكرات المقبور حردان عبد الغفار التكريتي وزير الدفاع في حكومة الناصبي أحمد حسن البكر ــ عليهم جميعا ً لعائن الله ....
***************************
( 1 ) من مذكرات المقبور الهالك حردان التكريتي وزير الدفاع العراقي في حكومة احمد حسن البكر يقول في نصه : يسود توتر عاتم منذ منتصف عام 1969 العلاقات بين عفلق وبين الرئيس ــ أحمد حسن البكر ــ , ويعود سبب هذا التوتر الى قضية تهريب خمسين مليون دينار عراقي الى بنوك سويسرا وباريس , حيث تم الايداع عن طريق عفلق . ولكن ظهر أن هذا الاخير لم يودعها باسم الحزب ,
كما كان مقررا , وانما اودعها بإسمه الخاص , مما اثار غضب الرئيس . أنتهى النص .
يعني ــ 15 مليون دولار ــ لأن الدينار العراقي وقتها كان يساوي 3 دولارات
يعني الربع كلهم حرامية من عفلق القائد الى إبن صبحة الذي هو في سجنه قاعد !
وهذا أول الغيث في السرقات . وإن كانت مشروعة لأنها تصب لخدمة الا ُمة العربية وتشهد على ذلك كابونات النفط .
( 2 ) ولنقرأ ماذكره المغفور له الدكتور المصري سعيد أيوب في كتابه معالم الفتن ص252 : كان عمر بن الخطاب يقول للناس : أتذكرون كسرى وعندكم معاوية ــ ينقل هذا النص عن كتاب الإصابة 16 / 2 .
ويقول لهم ــ عمر بن الخطاب : دعوا فتى قريش وابن سيدها، إنه لمن يضحك في الغضب، ولا ينال منه إلا على الرضا ، وإذا قال له معاوية: مرني يا أمير المؤمنين بما شئت. يقول له عمر: لا آمرك ولا أنهاك . البداية والنهاية 125.
وعندما استعمله عمر كتبت هند بنت عتبة إلى معاوية : إن هذا الرجل قد استنهضك في هذا الأمر، فاعمل بطاعته فيما أحببت وكرهت .
( 3 ) يقول الدكتور سعيد أيوب : وروي أن يزيد بن معاوية عندما جلس على أريكة الملك وقام بأبهته، استشار مستشاره النصراني سرجون.
ذكر ابن كثير: أن سرجون الرومي كان كاتبا لمعاوية وصاحبا لأمره . البداية والنهاية 21 / 8 .
وقال : عندما تولى يزيد أقر نواب أبيه ولم يعزل أحدا منهم وهذا من ذكاء يزيد . البداية والنهاية 146 / 8 . وقال ابن حجر في الإصابة : سرجون مستشار يزيد هو الذي أشار عليه بتولية عبيد الله بن زياد الكوفة ليتصدى لأتباع الحسين .
( 4 ) ولد صدام سنة 1939م في قرية العوجة جنوب تكريت والتي تبعد مائة ميل شمال بغداد، ولدته أمه (صبحة) ولا تزال بنتاً غير متزوجة من رجل مجهول ، فهو نتاج علاقة غير شرعية،
وقيل : كان أبوه يعمل (فرّاشاً) في السفارة البريطانية ، وبعد موت أبيه تزوجت أمّه من أربعة أزواج ثالثهم إبراهيم الحسن ، ورابعهم زبن الحسن ، وكان صدام يتنقل معها من بيت زوج إلى آخر.
بدأ عمليات القتل وهو ابن السابعة عشرة، حيث قتل راعياً من آلبو عجيل ــ قرب قرية تكريت ــ
وهرب إلى خاله خير الله طلفاح في مدينة بغداد ، ثم أعقبها بقتل ثان سنة 1959م عندما قتل مدير الثانوية الليلية بخنجر . ويقول كاتب آخر عن حياة بطل القادسية وقعقاعها : كان على صدام ان يتحمل الحياة الكئيبة مع زوج امه الفاسد الذي كان يعرف في القرية بـ «حسن الكذاب» ، لانه إ ّدعى بانه قد أد ّى مناسك الحج ، مع انه في الحقيقة لم يقترب من حدود السعودية قط ، وقد حرم صدام من الذهاب الى المدرسة، وكان يكلف بالقيام بالاعمال المنزلية الوضيعة، كما كان يجبر على سرقة البيض والدجاج من منازل الجيران ، وقد يكون قد أمضى مدة من الزمن في سجن للأحداث نتيجة لافعاله تلك ‘ ,ويقول وزير عراقي سابق ان والدته ــ صدام ـــ صبحة كان لها دور أيضا بتشجيعه على القيام بتلك السرقات، وكان يتم توزيع الغنائم في الليلة نفسها ....
بقلم الحق المهتضم
https://telegram.me/buratha