المقالات

هل استوعب الشيعة الدرس ؟


( بقلم عبد علي حسن ناعور الجاسمي )

عرف عن أصحاب النفوس الكبيرة اهتمامهم بالأمور الكبيرة, وعرف عكس ذلك عن أصحاب النفوس الصغيرة, وهو أمر يكاد يكون متلبساً بالفرد اياً كان انتماؤه أو طريقة تفكيره أو ثقافته سواء علم بذلك أم لم يعلم, وعرف ايضاً إن النفوس الكبيرة تميل إلى بعضها بالغريزة, وهذا الميل له ثمنه أو ضريبته, أي: كلما كان حجم الأمر كبيراً كان ثمنه اكبر وهذا يؤدي بالنتيجة إلى أن يوطن الفرد نفسه للتضحية والإيثار والابتعاد عن الصغائر لأنها لا تنسجم مع النفس الكبيرة ولا مع بواعثها أو مثيراتها إزاء ما يعترض الفرد من مفردات حياته بوصفه موقفاً, وما يعترضه من مفردات حياته بوصفه طرفاً في علاقة معينة مع غيره من أفراد النوع الإنساني بغض النظر عن نوع العلاقة ودرجتها, ومن هذه المقدمة البسيطة نحاول أن نقرأ المفردة الكبرى في حياة العراقيين عموماً, وحياة شيعة أهل البيت (ع) بوجه خاص.

إن المتابع لهذه المفردة بعد تبخر الطاغية وعسكره من البعثيين وغير البعثيين من أجهزته القمعية, لا يستطيع أن يغمض عينيه عن المفردات الكبرى التي وجدت على الساحة العراقية, نقول: المفردات الكبرى, وأول هذه المفردات كسر حاجز الخوف الذي استمر قروناً من الزمن على المجتمع العراقي حصراً, هذا الحاجز الذي آل إلى أن يدخل في نطاق التنظير والتنظيم الممهنج على يد البعثيين وطاغيتهم, واتخاذه أداة فاعلة عندهم للضرب بالحديد والنار على وجوه العراقيين عموماً وشيعة أهل البيت بوجه خاص, وإذا ما أردنا أن نستعرض بقية المفردات التي ظهرت بعد سقوط النظام الدموي لاحتجنا إلى مجلدات حتى نستوعب ذلك ولكننا نريد أن نركز على المعادلة الجديدة التي ظهرت بعد زوال الطغيان وهي تصدي شيعة اهل البيت (ع) لمهامهم المغيبة وردة الفعل الدموية العنيفة المدمرة التي نتجت عن ظهور هذه المعادلة إلى ارض الواقع.

نحن نعرف على وجه اليقين ان الشيعة ارتبطوا عبر تاريخهم الطويل بتلقي الاذى والقمع والقتل والتهجير والتشريد ومصادرة الحقوق وتكالب الاعداء القريبين والبعيدين ودخولهم تحت وطأة الماكنة الاعلامية الموجهة والمدعومة من دول عظمى وصغرى وسواها حتى غاب اسم الشيعة عن الوجود وصاروا " روافض" و " رافضة" و " خوارج" وغيرها من المصطلحات التي ترسخت عن اهل الارض الذين ارتبط مصطلح الشيعة عندهم باشد المفردات مقتاً وتسرب هذا إلى اهلنا في العراق ثم استبيح هذا المصطلح على منابر الجامعات العراقية وعلى مراى ومسمع وتشجيع من البعثيين الذين عرفنا مدى سيطرتهم على مفاصل الدولة وجزيئاتها. ولا يفوتني في هذا الشان ان انقل ما رواه لي زميل في التدريس عن استاذه في عقد التسعينات من القرن الماضي, هذا الاستاذ الذي صرح امام عشرات الطلبة في كلية من كليات بغداد قال بالحرف الواحد: " ان اليهود افضل بكثير من الشيعة لان الشيعة اخذوا كل سيئات اليهود, ولان اليهود لم ياخذوا حسنة من حسنات الشيعة"!! هذا الاستاذ يتصدى الان لرئاسة كتلة برلمانية كبرى في الجمعية الوطنية, فاذا كان هذا مستوى تفكير استاذ دكتور نيّف على السبعين فكيف بمن هم ادنى منه مرتبة علمية, بل كيف بالاميين ممن ينتمي إلى مذهبه او فكره؟!..

نعود فنقول: هل مرت على الشيعة فرصة لاثبات وجودهم مثل هذه الفرصة؟ وهل يصدق عاقل ان حصولهم على هذه الفرصة سوف تمر بلا تضحيات؟ وهل سيسكت الذين ضاعت منهم هذه الفرصة ويسلمونها للشيعة لقمة سائغة؟ لقد مرت اكثر من تجربة على الشيعة خلال السنوات الاربعة المنصرمة, كانت في اغلبها انتصاراً تاريخياً لهم. منها الانتخابات و الدستور ورئاسة الوزارة وعدد الوزارات ووصول المهمشين إلى مراكز القرار بعد ان كانت اجهزة البعثيين تنظر لضحالتهم وعدم صلاحيتهم إلا لمهمات التنظيف والسكرتارية وتوزيع الماء والطبخ وسواها!! واذا هم يقفزون إلى هذه المناصب التي يسيل لها اللعاب وتقتل من اجلها الأنفس, فهل يتصور الشيعة ان وقوفهم على رؤوس الخلق ليحكموا الناس ويختاروا الوزارات ويكونوا على رأس الدولة ومفاصلها الرئيسة, هل يتصورون ان هذا جائز عند أهل الحكم الذي استمر قروناً طويلة؟

الذي يصدق ذلك فهو بعيد عن الحقيقة, مجانب للصواب, لا يرى من الأشياء إلا التي تمر من أمام انفه, أي لا يرى إلا شحة الوقود, والفساد الاداري, وانقطاع الكهرباء وانعدام الخدمات و.. و.. ولا نريد ان نهون من أهمية هذه الأشياء لأننا بهذا نبتعد عن الحقيقة ونجانب الصواب, ولكننا في الوقت نفسه ندخل في نطاق النفوس الصغيرة, وإذا سأل سائل: كيف يكون ذلك فلينتظر جوابنا في العدد القادم ان شاء الله تعالى.

عبد علي حسن ناعور الجاسمي

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك