المقالات

العراق مابين الكان واليكون كتاب في حلقات – 11


( بقلم : مــحــمــد حــســيــن )

إنَّ ركائز الحركة الاستعمارية في بلادنا لم تكن احتلالا عسكريا فقط بل جاءت الحركة بخطة محكمة دخلت نفوسنا وعقولنا وحتى بعض قياداتنا فاصبحت جزءا من وجودنا الفكري والاجتماعي آنذاك وبهذا تمكنت من الاستقرار في مقامها وصارت صعبة الانتزاع .

لقد استخدم الاستعمار كل الوسائل لإلغاء شخصيتنا الذاتية لكي نتحول الى أمة لأوزون لها فندور في فلكها بلا إرادة ولاإختيار وهو بدوره يستحلبنا بلا رحمة ولاشفقة ومن ثم يستخدمنا في مصالحه كالعبيد .

ولولا الغفلة والجمود الطويل لَما كان الاستعمار قادراً على ان يفعل بنا مايريد ولكنه استطاع بمكره وذكائه ان يجردنا من اسلحتنا واحدة تلوه الاخرى ومن ثم يقودنا بهدوء نحو المسلخ . في البداية سلبنا الفكر والعقيدة ثم سلبنا سلاح الاقتصاد وبعدها سيطر سياسياً واغتصب منا حتى قطعة الارض التي نسكن عليها وهكذا احتل المواقع الاستراتيجية في مناطقنا لكي يسهل عليه ضربنا متى شاء ومتى ماطالبنا بالحرية والاستقلال .

ولكي نتعرف على كيفية العمل لطرد الاستعمار لابدّ ان نعرف بدقة وعمق الركائز التي اعتمد عليها ضدنا ، وطالما بقيت هذه الركائز قائمة وفعالة لن تنفعنا الشعارات الرنانة ولا هتافات أحلام اليقظة ، ومتى ما تمكنا من القضاء على تلك الركائز الاساسية التي يعتمد عليها المستعمرون كان من السهل علينا ان نقتلع هذه الشجرة الخبيثة من جذورها .

فما هي تلك الركائز الاساسية للمستعمرين ؟

أولا الثقافة الاستعمارية . ثانيا الاقتصاد التبعي . ثالثا السياسية الاستعمارية . دعونا نحلل كل ركيزة بصورة منفردة ، علما ان هذه الركائز الثلاثة تتفاعل فيما بينها بشكل حي . أولاً الوسيلة الثقافية :- إن الثقافة الاستعمارية هي اهم وسيلة يستخدمها الاستعمار لبسط نفوذه على البلاد والعباد فيها يتم تجريد الامم الاخرى من اسلحتهم واهمها سلاح الوحدة الفكرية والعقائدية وبها يتم تجريد الامة من الثقة بنفسها وبكيانها ، وبالتالي عندما تفقد الامة ثقافتها يتم هضمها بكل سهولة .

لقد استخدم الإعلام الاستعماري سلاح التشكيك ضد عقيدتنا وثقافتنا ثم سلط علينا اقلامه المسمومة لينسب كل ضعف وانهيار وتخلف الى عقيدتنا ، وبعد ان نجح في بلبلة افكار الناس وخاصة الشباب الذي انبهر للتقدم الصناعي في الغرب ، بدأ ينشر الفكر الاباحي باسم الحرية ويطرح الافكار القومية كبديل يكفل لتمزيق وحدة الشعب ويفرقهم قوميات شتى تسهل السيطرة عليهم وقيادتهم كالاغنام .

وكل هذا حصلوا عليه من خلال الحكومات الفاسدة وفلسفة القيادة والحكم الوراثي في بلداننا واستبداد اجهزة السلطة . ثانياً الامتيازات الاقتصادية :- الاقتصاد بالنسبة للاستعمار وسيلة وهدف ، فهو وسيلة لفتح الطريق امام النفوذ السياسي له ، وهو هدف لانه يؤمن في النهاية المصالح الاقتصادية الاستغلالية للمستعمر .

وهناك تجارب لشعوب فقيرة مع المستعمرين الذين استخدمت بحقهم هذه الوسيلة البريئة للنفوذ في البلاد ومن ثم السيطرة على الاوضاع السياسية وتوجيه السلطة الحاكمه حسب إملاءاتهم . ففي الهند مثلا وبطريقة ذكية استطاع الاستعمار البريطاني في البداية وعبر شركة الهند الشرقية ان يثبت له موطىء قدم في البلاد عبر شبكة تجارية جاسوسية ، ومع توسيع فروع الشركة في بعض انحاء الهند واحتلال القوة الاقتصادية داخل البلد وشراء ذمم مجموعة من زعمائهم ، جاءت الاساطيل البريطانية لكي تحمي النفوذ المهدد من جهة ولتعميق سلطتها وتصفية المعارضين أو الذين يمكن ان يعارضوا سلطة الاجانب من جهة ثانية.

وبهذه الطريقة المدروسة والذكية تم استعمار الهند كل الهند ، ثالثاً الوسيلة السياسية :- وبامتزاج الوسيلتين الثقافية والاقتصادية تتكون الطبقة السياسية التي تعبر عن فكرها وخطها السياسي على شكل حزب او منظمة او ما أشبه وتقوم بعملية التنسيق فيما بينها وبين المستعمر ، فبقدر قوة وانتشار النفوذ الثقافي والاقتصادي يكون النفوذ السياسي.

وفي النهاية وعلى يد جنود الاستعمار الثقافي امثال شبلي العيسمي وميشيل عفلق ومن لف لفهم من دعاة الفكر الغربي في بلادنا تخرجت الدفعات المتتالية من المغفلين والخائنين فكانوا مزرعة للنفوذ الاستعماري، وعلى يد هؤلاء تم إذلال الشعب وتحطيم كفاءاته ومبدعيه الذين لم يروا إلاّ الاستيطان في بلدان اخرى خلاصا وملاذا لهم .

....... / يـتـبــــــ عمــحــمــد حــســيــنمدير مركز الإعلام العراقي – سيدنيمدير تحرير موقع شبكة العراق الجديد

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك